وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ”
أمام حقيقة الموت ينقسم الناس الى أربعة أنواع:
النوع الأول: التغافل عن حقيقة الموت، وهذا النوع اشبه برجل مصاب بمرض السرطان، ولكنه يتغافل عن المرض، ويشغل نفسه بالموسيقى، والأغاني، والأفلام وما شابه، والسرطان يمد جذوره في جسمه وهو غافل عنه، وهذا النوع من الناس كثيرين، ولربما بعضهم من المؤمنين، فيلجأ هذا النوع الى اشغال نفسه، وعدم التفكير في شيء مخيف ومزعج!
النوع الثاني: النظر الى الموت نظرة سلبية؛ فهو ينظر الى الموت على انه نهاية كل شيء، وهذا النوع قد يشمل المؤمنين وغيرهم، المطلوب ـ من المؤمن ـ ترقب الموت، لا ان نخاف منه، لانك حينما تخاف من الموت تصبح راهبا في الحياة، لذلك جاء في الحديث: “لارهبانية في الاسلام”، لان الرهبانية هي الانقطاع الناس والحياة، وعدم الفعل فيها، والانشغال بالعبادة وحدها، والله ـ تعالى ـ لا يريدنا الانقطاع عن المجتمع.
النوع الثالث: النظر الى الموت بإيجابية؛ فالموت عند هذه الفئة سَفَر، وهو عند المؤمن كقفص يفتح للطير فيخرج منه، فذلك الذي يريد السفر؛ هل ينعزل عن الحياة؟ هل يبكي؟ أم انه ينشغل بجمع الاثاث، والتفكير فيما يحتاج اليه خلال السفر وبعده.
الذي يعتبر الموت سفرا الى حبيب فإنه يستعد للقائه، التفكير الايجابي في الموت يطلب منا ان نترقبه، لان ان نخشى منه، ولا ان نعتبره دافعا لنا الى الانعزال من المجتمع، والابتعاد عن الفعل، وترك المسرح للظالمين والفاسقين.
⭐ السرعة من الرحمن؛ يقول ـ تعالى ـ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}
الموت نتيجة الاعمال، فالانسان اشبه ما هو جالس في قاعة امتحان، وبعض لحظات يتم استدعائه لاستلام النتيجة، ففي قاعة الامتحان تحاول ان تكون اجاباتك صحيحة، حتى تكون النتيجة صحيحة.
“وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ”.
فلماذا السرعة؟
اليست العجلة من الشيطان؟
السرعة من الرحمن؛ يقول ـ تعالى ـ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}، هنالك فرق اساسي بين السرعة والعجلة؛ فالسرعة يعني انك تريد ان تقطع مسافة بشكل سريع، وفي نفس الوقت لا تتعجل، فلا تقفز عشرين متراً وانت لا تستطيع ذلك، السرعة تتطلب أن تسرع خطاك، وان تستخدم كافة امكانياتك بشكل متواصل وسريع، والمبادرة سرعة، فذلك الذي لا يبادر الى العمل ويتركه الى وقت الفوت، ويقول: العجلة من الشيطان! فأمثاله لم يفهم معنى السرعة والعجلة.
في الاسلام هناك “مبادرة” وهي مطلوبة، وقيمة المؤمن بالمبادرة {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}، وفي آية أخرى يقول ـ تعالى ـ : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ}، فهم اولئك الذين آمنوا بالنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، في مكة.
المؤمن مبادر ولا يفوّت الفرص، ومسرع لكن ليس الى الشر، بل الى الخير، فالذي يترقب الموت يسارع اي يبادر، فحين يرى الفرصة يقفز عليها، الحر بن يزيد الرياحي، وشمر بن ذي الجوشن، كلاهما حضرا في صحراء كربلاء في يوم عاشوراء، وكلاهما بالنهاية ماتا، ولكن واحدا منهما سارع، والآخر لم يسارع، واحد ارتقب الموت سارع الى الخيرات، فهذا هو الفرق بين الحر الرياحي، وبين أهل الكوفة الذين ثاروا بعد مقتل الإمام الحسين، عليه السلام، فما قيمة ثورتهم تلك! حينما لا يسرع الانسان الى الخير يكون مثل الذين وصفهم القرآن الكريم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}.
كلنا لحظة الموت يقول: ربي لو امهلتني ساعةً لتبت اليك، ولاعطيت ما عندي للناس، ولارجعت الظلمات والظلامات، يقول المثل: “توبة الذئب موته”.
⭐ إذا ترقبنا الموت سنسارع الى الخيرات؛ إن اعتبرنا الموت بداية حياة جديدة، فالموت بالنسبة للمؤمن اشبه بثياب متسخة ينزعها عن جسمه
الذي ينظر الى الموت نظرة الانتقال من مكان الى مكان، يعتبر الموت سَفراً، فذلك يسارع الى الخيرات، ولا يرى الحياة فسيحة، لان من يتغافل عن الموت يرى الفسحة في الحياة، لكن الذي يرتقب الموت يرى الحياة ضيقة، ويرى ان كل شيء يمكن ان يفوت، ويحمل قلق الانجاز، ويحمل خوفا من أن يفوته عمل الخير، فإذا كان هناك عمل خير، يبادر اليه ولا يأجله الى الغد، لانه يقل في نفسه: ربما غدا أكون في عداد الأموات!
وهنا قد يسأل سائل: ما هو الخير؟
وفي الجواب على ذلك: الثورة في سبيل الله خير، والاصلاح بين الناس خير، والعبادات خير، وكذا العطاء، والتعاون، والاخلاق..، فكّر بينك وبين نفسك؛ هل انت من الذين يسارعون الى الخيرات؟ أم سرعته مئة وعشرين كيلو متر تجاه مصالحه فقط؛ سواء كان الشيء متعلق بزوجته، او ماله او اي شيء آخر.
لو قرأنا اللوحات الموجودة على المقابر لوجدنا أن كبار السن هم الأقلية بين الموتى، والكل يظن بأنه سيموت بعد مئة عام، فهل نستطيع الفرار من الموت؟
يقول الله في حديث قدسي: ” يَا بْنَ آدَمَ أَحْسِنْ خُلْقَكَ مَعَ النَّاسِ حَتَّى أُحِبَّكَ وَ حَبَّبْتُكَ في قُلُوبِ الصَّالِحِينَ وَ غَفَرْتُ ذَنْبَكَ.
يَا بْنَ آدَمَ ضَعْ يَدَكَ عَلى رَأْسِكَ فَما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ فَأحْبِبْ لِلْمُسْلِمينَ.
يَا بْنَ آدَمَ لَا تَحْزَنْ عَلى مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ لَا تَفْرَحْ بِما أُوتِيتَ مِنْهَا فَإنَّ الدُّنْيَا اليَوْمَ لَكَ وَ غَداً لِغَيْرِكَ.
يَا بْنَ آدَمَ اطْلُبِ الْآخِرَةَ وَدَعِ الدُّنْيَا، فَإنَّ ذَرَّةً مِنَ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيْهَا.
يَا بْنَ آدَمَ أَنْتَ في طَلَبِ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةُ في طَلَبِكَ.
يَا بْنَ آدَمَ تَهَيَّأ لِلْمَوتِ قَبْلَ وَرُودِكَ وَ لَوْ تَرَكَتُ الدُّنْيَا لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِي لَتَرَكْتُهَا لِلأنْبِيَاء حَتَّى يَدْعُوا عِبَادِي إِلَى طَاعَتِي.
يَا بْنَ آدَمَ كَمْ مِنْ غَنِيّ قَدْ جَعَلَهُ الْمَوْتُ فَقِيراً، وَ كَمْ مِنْ ضَاحِكٍ قَدْ صَارَ بَاكِياً بِالْمَوْتِ. إذا ترقبنا الموت سنسارع الى الخيرات؛ إن اعتبرنا الموت بداية حياة جديدة، فالموت بالنسبة للمؤمن اشبه بثياب متسخة ينزعها عن جسمه، والهدية التي يحملها المؤمن الى الله بعد موته هي الخيرات التي جاء بها من دار الدنيا؛ وهي المبرات، والصالحات، وجميع أعمال الخير.
- مقتبس من محاضرة لآية السيد هادي المدرسي (حفظه الله).