أسوة حسنة

الموقف والمجاذبة بين الإمام الحسن ومعاوية

للأسف ان كثيراً من حقائق التاريخ لاتزال مغيبة عنا تماما، بل ليس هذا التغيب والتعتيم في التأريخ فقط، بل حتى في الأحداث الخطيرة والحساسة  التي نعاصرها الان حقائقها  مغيبة عن عموم الناس.

ان بيعة المسلمين للإمام الحسن، عليه السلام، او انتخابه للخلافة  تختلف عن بيعة الخلفاء الثلاثة، ماعدا أمير المؤمنين؛ فكما بايع الأنصار والمهاجرون  أمير المؤمنين، عليه السلام، طوعا واختيارا، فكذلك الإمام الحسن، عليه السلام، حيث أجمعوا على بيعته كل من الأنصار المهاجرين بملىء إرادة وحرية اختيار من دون فرض، وإجبار، ولاتهديد بسطوة حديد او طمع مال.

وقد جرت بيعته في اليوم الثاني بعد استشهاد والده أمير المؤمنين، عليه السلام، حيث روي: “ولما قتل ابوه علي، عليه السلام، بايعه اكثر من أربعين ألفا كلهم قد كانوا بايعوا اباه عليا قبل موته على الموت وكانوا اطوع للحسن وأحب فيه فبقي نحوا من أربعة أشهر خليفة بالعراق وما ورأها من خراسان.

⭐ ان بيعة المسلمين للإمام الحسن، عليه السلام، او انتخابه للخلافة  تختلف عن بيعة الخلفاء الثلاثة، ماعدا أمير المؤمنين؛ فكما بايع الأنصار والمهاجرون  أمير المؤمنين، عليه السلام، طوعا واختيارا، فكذلك الإمام الحسن، عليه السلام

وفي رواية  أخرى ان ابن عباس قام  بين يدي الإمام الحسن، عليه السلام وقال” “معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه”، فاستجاب بالخلافة  له الناس وقالوا: ما أحبه إلينا واوجب حقه علينا وتبادروا إلى البيعة له بالخلافة.

  وهذه دلالة على مدى الرصيد الموجود لأهل البيت، عليه السلام، في ثقافة المسلمين وعقيدة المؤمنين؛ بحيث جعلهم ياتون للإمام الحسن، عليه السلام، ويبايعونه طواعية بلا جبر ولا اكراه، وبلا تهديد وبلاطمع، إنما تلقائيا عقدوا تلك البيعة إمامهم، عليه السلام، وبملىء ارادتهم و اختيارهم، مع أن  الحسن  هو ابن أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يمنعهم  ذلك على عقد  البيعة له ولم يخالجهم ان تنتقل الخلافة من الأب أمير المؤمنين، عليه السلام، إلى الابن الحسن السبط لرسول الله، صلى الله عليه وآله، اي اعتراض او شبهة اوريبة وكان الحال لديهم  في تمام الانسيابية سيرا وعلى وفق وضوح من الموازين من القرآن والسنة المطهرة.

  • احتجاجات الإمام الحسن عليه السلام كشفت المستور

 من الخصائص التي امتاز بها الإمام الحسن، عليه السلام، هو محاججته الطرف الآخر سواء الأول، أو الثاني، أو الثالث، وحتى مع معاوية  كلامه، عليه السلام، صريحاً، ومقنعا، ويفلج بالحقائق وبلاتستر، وكانت كل كلماته هي كشف بالحقائق وكشف المستور وهذه خصيصة امتاز بها الإمام الحسن، عليه السلام.

ففي خلافة الأول نادى الإمام الحسن، عليه السلام، على أبي بكر وهو جالس على منبر رسول، صلى الله عليه وآله: “انزل عن منبر جدي وأبي ليس هذا المقام مقامك”، وهذا حرج شديد للسلطة الحاكمة، فقد روي ان الإمام الحسن، عليه السلام، رأى ابا بكر على منبر جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، والناس محدقون به  فاندفع نحوه مسرعا وهو يقول: “انزل عن منبر ابي”،  فتبسم له ابو بكر اي بمعنى خجل وقال: “بأبي انت يا بن رسول الله لعمري إنه منبر أبيك لا منبر ابي”. (السيوطي؛ تاريخ الخلفاء ص:٩).

⭐ لم  يقتصر الإمام الحسن، عليه السلام، على بيان مظلوميته فقط في وبحسب ما رسمه له القرآن والسنة من موقعية قيادية للدين وللمسلمين، بل بيّن مظلومية اهل البيت، عليه السلام، كلهم

من الشواهد الكثيرة في خطبه، عليه السلام، وقد قالها مع وجود معاوية في مسجد الكوفة وقالها أخرى في مسجد النبي، صلى الله عليه وآله، وبحضور معاوية وصفهم بما وصفهم رسول الله، صلى الله عليه وآله، من انهم طلقاء ولعناء هذه الظاهرة من تجاذب قوة سياسية في قبال قوة سياسية، وند في القدرة في قبال ند، وبهذه القوة يسلب الطرف الآخر كل شرعية صلاحية ولم يستطع الطرف الآخر ان يتحرك او يتكلم بشيء، أليس هذا هو سوؤدد وهيبة دينية سياسية واجتماعية!

ولم  يقتصر الإمام الحسن، عليه السلام، على بيان مظلوميته فقط في وبحسب ما رسمه له القرآن والسنة من موقعية قيادية للدين وللمسلمين، بل بيّن مظلومية اهل البيت، عليه السلام، كلهم لاسيما في خطبته الأولى أمام معاوية وكان يذكرهم  بالسقيفة ومنعهم من الفيء، وغصبهم  فدكا من أمه  الزهراء، ووضع حال أمير المؤمنين، عليهما السلام، عندما خذله الناس وبعض الصحابة، وكان هذا الكلام  والخطاب بمحضر معاوية وبمحضر بني امية ومن لفَّ لفيفهم، وكان اعتراضات وإدانة  ليس معاوية، بل على الحكام الثلاثة أيضا وبمرأى وسمع عن الناس.

وكانت خطابات في المجالس العامة والخاصة التي كانت عبارة عن مؤتمرات وندوات تنعكس على عامة المسلمين وكانت جهارا وليس سرا، إن كثيرا من الحقائق لسيرة الإمام الحسن المجتبى، عليه السلام، وهدنته مع معاوية قد غيبت عن مركز ومحط الانظار وقد حذفت من مصادر التاريخ حتى يومنا هذا.

من الواضح أن الإمام الحسن، عليه السلام، عندما هادن معاوية لم يفقد اي رصيد من قوته الأمنية والسياسية والعسكرية، قيد شعرة وذلك لان الإمام الحسن، عليه السلام، وضع شروطا كلها في صالحه، ولذلك ذكرت المصادر نزول معاوية عند رغبة الإمام وهذا مؤشر على وجود أوراق ضغط بها الإمام الحسن، عليه السلام، على أعدائه وهو لم يفقد اي ورقة من الأوراق  الغريب ان هذا التصوير غاب عن مخيلة الكثير، هذه حقائق سيرة الإمام الحسن، عليه السلام الحوار والحقيقة الضائعة.

 السلام عليك ياسيدي يامولاي يا أبا محمد ياكريم اهل البيت ع الحسن المجتبى.

عن المؤلف

أ.د سادسة حلاوي حمود ــ جامعة واسط ــ قسم تاريخ الأندلس والمغرب

اترك تعليقا