ان دراسة جذور المصطلحات وتحديد مفاهيمها ليس ترفاً ثقافيّاً إنما تترتب فائدة عملية وعلمية وخاصة في وقتنا الحاضر لان الواقع اليوم يفرض علينا الوعي، فيمكن ان نطلق عليه (حرب المصطلحات) لانه يترتب على معرفة المصطلح ليس أقلها إزالة اللبس الحاصل من تبني مصطلحات وأفكار لا تشبهنا؛ ونحن إذ نكرر مصطلحات ثقافات الاخرين ونرددها داعين إلى تطبيق مفاهيمها من دون تمحيص أو معرفة بالجذور الثقافية والاجتماعية والبيئة السياسية التي أنشأت مصطلحًا ما، وحددت مفاهيمه، وبالتالي ليس من المعقول ان تكونُ وظيفتنا استخدامه كما هو .
ان مصطلح “تمكين المرأة” خرج من عباءة هيئة الأمم المتحدة ومن بيئة تتناسب مع معاني هذا المصطلح وإذا ما رجعنا إلى مصطلح “التمكين” المُترجم عن وثيقة الأمم المتحدة بالإنجليزية وجدناه (Women Empowerment) و (Empowerment) تعني استقواء، في حين أن المرادف لكلمة تمكين في اللغة الإنجليزية هو كلمة (Enabling).
واستقواء المرأة (Women Empowerment) يعني تقوية المرأة لتتغلب على الرجل في الصراع الذي يحكم العلاقة بينهما، وفقا لطبيعة العلاقة بين الجنسين في الثقافة الغربية التي أفرزت ذلك المصطلح، ويتماشى ذلك التفسير مع الحركة النسوية الراديكالية التي تبنت مبدأ الصراع بين الجنسين -الإناث والذكور- انطلاقًا من دعوى أن العداء والصراع هما أصل العلاقة بينهما، ودعت إلى ثورة على الدين، وعلى اللغة، والثقافة، والتاريخ، والعادات والتقاليد والأعراف، بتعميمٍ وإطلاقٍ، وسعت إلى عالمٍ تتمحور فيه الأُنثى حول ذاتها، مستقلة استقلالاً كاملاً عن عالم الرجال.
⭐ ان مصطلح “تمكين المرأة” خرج من عباءة هيئة الأمم المتحدة ومن بيئة تتناسب مع معاني هذا المصطلح
وظهر هذا المصطلح في ستينيات القرن الماضي ثم عاد مصطلح التمكين للظهور بقوة في التسعينات عقب إعلان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية في 1994م، ثم في المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين 1995م، حيث دعا المؤتمر إلى إزالة العقبات التي تعطل تمكين المرأة في الجانب الاقتصادي؛ وذلك لتتمكن من ممارسة دورها الاقتصادي وتتفاعل مع السياسات الاقتصادية، وبعدها توسع المصطلح في وارتفع في الأُفق واستخدمته المؤسسات الدولية والبنك الدولي في لغتهم وخطاباتهم، وتعالت الأصوات مطالبةً بـ “تمكين المرأة” في جميع مناحي الحياة، والحقيقة يتضح إنَّ مصطلح “تمكين المرأة” مستمد من ثقافة (الجندر) الكلمة المستخدمة أكثر من مئتي مرة في وثيقة مؤتمر بكين للمرأة 1995م، وقد بدأ الجدل بشأن هذا المفهوم منذ أواخر السبعينات وهو مفهوم منبثق من عمق الحداثة الأوربية والأمريكية.
و كلمة جندر (Gender) كلمة إنجليزية تعبر عن الاختلاف والتمييز الاجتماعي للجنس، وهو الجنس المتعلق بمكونات الذكورة والأنوثـة بالدرجة الأولـى، وقد استعير من الوسط البيولوجي كما أنه الوجه الاجتماعي الثقافـي للانتماء الجنسـي، ومن خلاله تأتي الدعوة إلى رفض التمييز والفروق البيولوجية والتاريخية والاجتماعية بين الذكر والأنثى عند إناطة الأدوار بهما، على مبدأ أنه “لا يولد الإنسان امرأة، إنما يُصبح كذلك” كما تقول الفيلسوفة الوجودية (سيمون ديبو فواغ) في كتابها “الجنس الثاني”.
⭐ لابد ان نتعامل بشكل جدي مع ثقافة استخدام المصطلحات والتعامل معها بما يتناسب مع افكارنا ومتبنياتنا واطلاق مصطلحات جديدة تتلائم مع ذلك
ومن فكر و ثقافة الجندر وُلِدَ مصطلح “تمكين المرأة” الذي بدأنا بالقول إن ترجمته الحرفية “استقواء”، فتمكين المرأة وفق الأجندة السابقة لا يكون من خلال السعي لتزويدها بالكفاءة اللازمة وتوفير الفرص الحقيقية لها لتحقق ما تصبو إليه من تقدم علمي ومهني يخدم دورها الأسري والاجتماعي والذاتي دون تعارض مع تشريعات دينها وثقافة مجتمعها وحضارتها، بل من خلال تطبيق فكرة جديدة خلاف الفطرة والغريزة لجعل المرأة مساوية للرجل بكل شيء بل يجردها من انتمائها الجنسي وميولها الفطرية لتكون أقوى وجوديًّا. لذا لابد ان نتعامل بشكل جدي مع ثقافة استخدام المصطلحات والتعامل معها بما يتناسب مع افكارنا ومتبنياتنا واطلاق مصطلحات جديدة تتلائم مع ذلك فبدل “تمكين المرأة” نستخدم مثلا ” تأهيل المرأة” او ” تنمية قدرات المرأة” او ” شؤون المرأة”، وهذا يعتمد على ثقافة الدولة وثقافة المجتمع، لان الانسياق خلف المصطلحات المستوردة هي جزء من حرب الحضارات.