مرة أخرى ينشط الحديث عن الهلال؛ في أي ليلة؟ وأي لحظة؟ وأين موقعه؟ و…
كما هي عادة الكثير لا يسألون عن شخص إلا عند الحاجة، وعندما تحصل شغلة او مسألة معينة، وإلا فان الاصدقاء والاقرباء متفرقون، كلٌ في مكان ما، منهمك في عمله وحياته الخاصة.
وهذا الهلال البديع، من أعظم الظواهر الكونية، والابداعات الإلهية، أوجده الله –تعالى- لنا لنعرف بداية الشهر و وسطه ونهايته، ولكننا نلجأ اليه في ساعات العسرة عندما تختلط علينا الآراء في وقت عصيب مثل بداية شهر الصيام الواجب؛ شهر رمضان المبارك، وايضاً؛ في لحظة معرفة نهاية الشهر الكريم، واستقبال عيد الفطر السعيد، وبمقدار أقل فيما يتعلق بشهر محرم الحرام، بالنظر الى تحديد يوم عاشوراء الامام الحسين، عليه السلام، بما يعني أن القضية خرجت من كونها اهتماماً شرعياً لترتبط بأعمال وطقوس خاصة تتعلق بالزمان والمكان، في وقت نقرأ في الروايات الشريفة استحباب الاستهلال لكل الاشهر الاثني عشر في التقويم الهجري، ومنها طبعاً؛ شهر رمضان المبارك.
⭐ اعتقد؛ وربما يتفق معي الكثير، إن لو تحمل كل واحدٍ منّا مسؤولية مراقبة هلال أول الشهر، سواءً لشهر رمضان المبارك، او هلال عيد الفطر، لن نخوض في أزمة الآراء والأقوال
صحيح أننا نتابع مع مكاتب العلماء ومراجع الدين التحقق من الرؤية بناءً على شهود عدول متعمدَين لديهم، بيد أننا نضيّع بالمقابل مسؤوليتنا واهتمامنا الفردي الموصى به من قبل المعصومين بأن نتحمل مسؤولية الاستهلال، فهل يصح القول بعدم وجود العادل والنزيه والمتقي بين اصدقائنا وزملائنا وجيراننا؟!
اعتقد؛ وربما يتفق معي الكثير، إن لو تحمل كل واحدٍ منّا مسؤولية مراقبة هلال أول الشهر، سواءً لشهر رمضان المبارك، او هلال عيد الفطر، لن نخوض في أزمة الآراء والأقوال، لأن كثرة المتابعين للهلال من افراد المجتمع لابد أن تأتي لنا بنتيجة يتفق عليها جمعٌ كثير من الناس من خلال الثقة الموجودة –ولله الحمد- ما بين افراد المجتمع.
إن سنّة الاعتماد على مراجع الدين خلقها المجتمع بنفسه، ولم تنشأ من توصية أو دعوة معينة، والغاية منها أن يتوحد الناس جميعاً على الإمساك لشهر رمضان، والإفطار في أول يوم من شوال، بيد أن هذا الأمل لم يتحقق لاسباب لسنا بوارد الخوض فيها، بل وحصل العكس؛ بأن افترق الناس في المدينة الواحدة، بعد أن كانوا العقود الماضية –قبل حوالي ثلاثين او اربعين سنة- يفترقون بين بلد وآخر، فتسرّبت آفة الافتراق الى المدن، ثم بلغ بنا الأمر لأن يصوم جماعة ويفطر آخرون في مدينة واحدة، بل وفي بيت واحد، وفي مدينة واحدة يكون عندنا أكثر من عيد للفطر!
الاستهلال، والصيام، والإفطار، مسائل شرعية وأحكام دينية يتحملها كل فرد في المجتمع والأمة، لا أن نجلس وننتظر الاجوبة تأتينا جاهزة، ولعل من فلسفة الصيام في شهر رمضان المبارك؛ اجتماع المسلمين في وقت واحد على مائدة السحور ومائدة الإفطار، والالتزام بيوم الصيام في يوم واحد ايضاً، كلها مواقيت محددة الغاية منها توحيدنا لا أن تكون سبباً لتفرقنا. نسأل الله –تعالى- التوفيق لأن نكون من أهل ضيافته في هذا الشهر الكريم، وأن نكون على قدر المسؤولية في كل شيء، من الاستهلال وتقرير يوم الصيام بانفسنا، ومروراً بمسؤوليتنا عن اخواننا المؤمنين من حولنا، وحتى البعيدين، بأن نكون كما أوصانا رسول الله في خطبته بأن “اتقوا الله بشقّ تمرة، اتقوا لله بشربة ماء”.