القرآن يتحدث عن فشل مكر الظالمين وهلاكهم الحتمي
أوضحنا في الحلقتين السابقتين عن الظلم العظيم والفجور والفساد الذي تقوده دول الغرب في العالم منذ أكثر من قرنين، ونحاول في هذه الحلقة بيان سنن الله في كتابه الكريم عن مآلات دول الظلم والفساد والعدوان.
في البدء هنالك ثلاث ملاحظات مهمة:
الأولى: إن إهلاك الله للدول الظالمة قديماً وحديثاً ليس بالضرورة بنزول عذاب بأمر من الله يستأصل فيها تلك الدول والأقوام الظالمة كما حدث لقوم نوح وعاد وثمود وفرعون وغيرهم الكثير، بل في كثير من الأحيان إنما يحدث عبر صراعات سياسية حادة اوحروب عسكرية أو فتن مستدامة، وهذا ما يشهد به التاريخ القديم والحديث.
الثانية: العديد من الآيات المتحدثة عن استحقاق وهلاك الدول الظالمة لا تتحدث عن أسمائها، وأنما عن جريان سنة الهلاك فيها وضرورة الاعتبار من ذلك، وحتى في الموارد التي يتحدث فيها الله عن هلاك أقوام معينة، نرى أن الله يعظ بها ان ذلك الهلاك يصيب أمثالهم من الأقوام او الدول المجرمة، والى هذا اشار الإمام الباقر عليه السلام: “إن القرآن حي لا يموت، و الآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا ماتت الآية، لمات القرآن”. (بحار الأنوار ج ٣٥ – ص٤٠٣).
الثالثة: الملاحظ ان الله ـ تعالى ـ في كتابه الكريم يستخدم اسم (القرية او القرى) و(القوم) و(القرون) – والأخير جمع قرن وهو أهل عصر واحد- في الحديث عن الأقوام او عن المناطق التي اصابها الهلاك، ولا يشير إليها بلفظ دول رغم وجود الإطار السياسي او الاجتماعي لتلك المسميات، وهذا لا ينافي استخدامنا لمصطلح (الدول) الذي هو المصطلح الشائع حالياً.
وهنا نستعرض عدداً من الآيات التي تتحدث عن سنة الله تعالى في هلاكه او عذابه لدول الظلم والفساد.
الآية الأولى: {أَوَلَمۡ یَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ یَمۡشُونَ فِی مَسَـٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَأیَاتٍۚ أَفَلَا یَسۡمَعُونَ}. (سورة السجدة ٢٦).
فالله ـ تعالى ـ يرشد بأن على الظلمة العصاة ان يتعظوا بما حدث من هلاك للأقوام السابقة في ذات الاماكن التي يسكنها اولئك الظلمة الآن.
الآية الثانية والثالثة: {قُلۡ أَرَءَیۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَاكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغۡتَةً أَوۡ جَهۡرَةً هَلۡ یُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلظَّـالِمُونَ}. (سورة الأَنۡعَامِ: ٤٧)، وفي آية أخرى: {فَهَلۡ یُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَـاسِقُونَ} (سورةالأَحۡقَافِ: ٣٥).
فالهلاك حين يذكره الله في الاقوام والدول كسنة إلهية مختص بالظالمين والفاسقين فقط دون سواهم، أي ان الصالحين حتى ولو تعرضوا للموت في ظل عذاب شامل او حرب او فتنة ما فليسوا داخلين في سنة الهلاك لأن رحمة الله تشملهم في لحظة الموت وما بعده.
الآية الرابعة: {وَإِن مِّن قَرۡیَةٍ إِلَّا نَحۡنُ مُهۡلِكُوهَا قَبۡلَ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـامَةِ أَوۡ مُعَذِّبُوهَا عَذَابࣰا شَدِیدࣰاۚ كَانَ ذَ ٰلِكَ فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مَسۡطُورࣰا}. (سورة الإسراء/ آية: 58).
وفيها تأكيد إن سنة وقانون الهلاك الاستئصالي للأقوام والدول الظالمة او تعرضهم لعذاب الله الشديد في الدنيا هو من سنته المستمرة الى ما قبل يوم القيامة. قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان عن هذه الآية: المراد بالإهلاك التدمير بعذاب الاستئصال والمراد بالعذاب الشديد ما دون ذلك من العذاب كقحط أو غلاء ينجر إلى جلاء أهلها وخراب عمارتها أو غير ذلك من البلايا والمحن.
الإية الخامسة: {وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُوا۟ وَجَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـاتِ وَمَا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوا۟ كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡمُجۡرِمِینَ}. (سورة يونس ١٣).
جاء في العديد من الآيات أن هلاك الظالمين سنة جزائية من سنن الله، ومنها هذه الآية، فبعد ان أوضح ربنا ان هلاك الاقوام السابقة إنما هو بسبب ظلمهم ورفضهم لبينات الحق التي تاتيهم تختتم الآية ب (كذلك…) اي أن ذلك الهلاك هو سنة الله الجارية في مجازاة القوم المجرمين، وقد تكرر مفاد هذه الآية في أكثر من موقع في القرآن. ومَنْ ثم فإن استحقاق دول الغرب العدوانية الظالمة للهلاك الكلي أو الجزئي هو من سنن الله الحتمية، وقد قال تعالى: {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا}.
الآيات السابعة والثامنة والتاسعة، أبان الله العظيم الجبار لنا في عدد من آيات القرآن أن مخططات ومكر وتآمر الطغاة وجبابرة الأرض يرده الله بمكر وكيد معاكس له حتى يفشل مكرهم، كقوله ـ تعالى ـ: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا}. (سورة الطارق ١٥)، وقوله: {وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَابِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ وَمَا یَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ}. (سورة الانعام ١٢٣).
والملاحظ في الآيتين وغيرها من الآيات المثيلة معنىً هو استخدام (فعل المضارع المستمر) في الحديث عن كيد ومكر الطغاة وإفشاله من قبل الله تعالى، وقد جاء فعل المضارع (يمكرون) في سبع آيات قرآنية.
وتكرار ذلك تأكيد رباني على أن الكيد والمكر السيء هو من ديدن وفعل الطغاة بصورة دائمة. وهذا ما اثبته التاريخ ويشهد به الواقع الذي نعيشه، إلا إن كيد الله ومكره إنما هو بإفشال مؤامراتهم او بسقوط أولئك الطغاة الماكرين بثورات او انقلابات او حروب شرسة.
وقد أوضح ربنا المتعال إن من سنته أن المكر يرجع على ماكريه كما قال: {وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِ}. (سورة فاطر٤٣). ولا شك أن الدول الغربية هي من تقود اليوم أعظم المؤامرات والمكائد والفتن والفساد بأنواعه في العالم كما بيناه في الحلقة الماضية، ويقيناً أن ذلك سيرتد عليهم بالفشل ودوران السوء عليهم.
الآية العاشرة: {وَإِذَاۤ أَرَدۡنَاۤ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡیَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا فَفَسَقُوا۟ فِیهَا فَحَقَّ عَلَیۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَـاهَا تَدۡمِیرࣰا}. (سورة الإسراء ١٦).
وهناك ثلاث قراءات لكلمة {أَمَرۡنَا مُتۡرَفِیهَا} الأولى، وهي الاشهر والمدونة في المصاحف بمعنى أمرهم الله بالصلاح عبر اتبيائه وآياته المختلفة لكنهم تحدوا الله بالفسق في بلادهم.
والقراءة الثانية مروية عن أهل البيت عليهم السلام بتشديد الميم، فتكون (أمّرنا) بمعنى جعلنا المترفين هم الآمرين الحاكمين والمؤثرين في تلك البلاد لأن اهلها اصبح همهم المادة والشهوات، والمترفون من اصحاب المال يكونوا هم المؤثرين في مجي الحكام المناسبين لهم، كما هو الحال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية والغربية غالباً، والقراءة الثالثة مروية عن الإمام علي عليه السلام بمد الألف: (آمرنا) بمعنى كثّرنا المترفين في تلك البلاد لأن المجتمع الفاسد يزيد من أمثالهم، وفي كل القراءات الثلاث فإن معانيها تناسب وتنطبق على واقع البلدان الغربية التي يسيطر عليها المترفون الفاسقون.
الآية الحادية عشر: {فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَالِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهَا حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلࣲ مَّنضُودࣲ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِیَ مِنَ ٱلظَّالِمِینَ بِبَعِیدࣲ}.
وفي هذه الآية أوعد الله أن هلاكه وعذابه الذي أنزله على قوم لوط مذخور وقريب ممن يفعل أفعالهم، وهو ما ينطبق على الدول الغربية التي شرّعت وتشجع اللواط والسحاق (المثّلية) في بلادها بل وتنشرهما في العالم.
وختاماً؛ إن هلاك دول الغرب إنما هو بانتهاء سيطرتهم ونفوذهم العالمي وضعفهم كدول وشمولهم بعقاب الله الشديد لهم بما قد يؤدي الى موت ساحق فيهم بسبب طمعهم وعدوانيتهم وحروبهم وفسادهم، وهذا ما سنتحدث عن ظروفه الواقعية في زمننا الحالي وما يترتب عليها في السنوات القادمة وفق علم المستقبل وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، الذين بشّرونا أن ذلك يكون قبيل قيام دولة الحق العالمية القائمة على العدل والتقدم العلمي والكرامة والإنسانية بقيادة ولي الله الأعظم الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
فإلى الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى أستودعكم الله مع التحية والسلام.