الألم شعورٌ مرهفٌ له رنين شديد في النفس، يتميز عن سائر المشاعر الحساسة مثل الحزن، والفرح، والحب، والكراهية، بأنه يفرض على صاحبه التفكير المسبق بالحذر منه، فالنار، والتيار الكهربائي، والمكان الشاهق، والحُفر في الطريق، والأدوات الحادّة، وغيرها كثير، كلها ترسم في اذهاننا إشعارات الخوف والحذر المسبق من الألم في حال التعامل غير الواعي وغير المدروس معها.
القرآن الكريم؛ هذا الكتاب الذي لا ريب فيه، طالما يبين لنا حرصه –واهتمام السماء- بسلامة البشر وتحقيق أقصى درجات السعادة والخير لهم، كما يؤشر في عديد آياته المباركات الى مواطن الشر والخسران والضياع، فهو يدعونا الى الاتعاظ (أخذ الموعظة) مما جاء فيه الدلائل والسُنن والقوانين الإلهية لما يفيدنا لحياتنا في الدنيا وفي الآخرة، فالقرآن الكريم له “جانبان ينبغي التوجه اليهما؛ الأول: الجانب العلمي والعقلي، حيث لابد أن نتبع منهاج التدبر لكي نصل الى معارف القرآن، والجانب الثاني: الجانب النفسي والروحي الذي يمثل جانب الاتعاظ والاستفادة الروحية من القرآن الكريم”. (القرآن حكمة الحياة- المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي).
- لنترفع قليلاً عن الماديات
لست ممن يدعو الى التخلّي عن الماديات، وتقمّص هيئة الزهاد والعباد تاركاً خلفه الواقع الاجتماعي الذي ولد ونشأ وعاش فيه، فالاحتياجات اليومية للانسان ولمن حوله، من مأكل وملبس، و وسائل عيش مختلفة، الى جانب المستلزمات في الدائرة الأوسع مثل؛ التعليم والصحة والأمن، كلها منظورة وذات أهمية قصوى لا يجوز تجاهلها، وهو علمنا إياه رسول الله، وأئمة أهل البيت، عليهم السلام، إنما المهم ايضاً؛ النظر في القواعد والسنن الإلهية ذات التأثير المباشر على حياتنا بشكل عام.
⭐ نحن نقرّ بقيم الحق والفضيلة، مثل الصدق والأمانة، والعدل، والحرية، ولكن نطلبها أولاً من الآخرين، فما نسمعه من الخطيب من مواعظ وحكم، لا ننكر جمالها وحقانيتها، ولكنها ليست لنا، وربما يشعر البعض أنه في غنى عنها
الانغماس في الحياة المادية، والاهتمام غير المتوازن بالملبس والمأكل والحياة الزوجية، واقتناء البيت الفاره او السيارة الحديثة، او السباق المحموم نحو فرصة العمل المربحة، تنتزع منّا مشاعر الخوف والحذر من القادم الخطير على كل ما نبنيه بعرق الجبين وبالمال والعمر الطويل، لذا القرآن الكريم يقدم لنا حقائق عامة قابلة للتطبيق العملي في حياة كل انسان منذ نزل هذا الكتاب المجيد على صدر النبي الأكرم، والى يوم القيامة، والسؤال المحوري امامنا: كيف ننجح في هذا التطبيق العملي؟
نحن نقرّ بقيم الحق والفضيلة، مثل الصدق والأمانة، والعدل، والحرية، ولكن نطلبها أولاً من الآخرين، فما نسمعه من الخطيب من مواعظ وحكم، لا ننكر جمالها وحقانيتها، ولكنها ليست لنا، وربما يشعر البعض أنه في غنى عنها، كونه في مستوى عالٍ من العلم والمعرفة والثقافة، لذا فهي لعامة الناس، وكذا الحال في عناوين الكتب التي تتناول أفكار تربوية ونهضوية وإصلاحية، فهو يرى في نفسه المُنظر والمفكر الخاص لنفسه!
ولتجاوز هذه الحالة النفسية يدعونا القرآن الكريم لأن ننظر في {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}، فهنا تذكير بوجود من كانوا يمتلكون القوى المادية الكبيرة مما كان يعد مهولاً في زمانه، ولكن عاقبة العصيان والتقاطع مع السنن والقوانين الإلهية؛ انهيار كل ما بنوه وتعبوا من أجله، فالموعظة هنا تثير مشاعر الخوف من العواقب، مما يدفع الانسان لأن يطبق القوانين والسنن في حياته بنسبة اكبر، كما نحتاج الى تطبيق القاعدة الفقهية العامة المتعلقة بالبيع والشراء؛ “لا ضَرر ولا ضِرار” التي أرساها رسول الله في القصة المعروفة، فنحن نأخذ هذه القاعدة العامة ونطبقها بكل سهولة في أي معاملة نجريها بشكل خاص في تعاملاتنا التجارية.
⭐ الانغماس في الحياة المادية، والاهتمام غير المتوازن بالملبس والمأكل والحياة الزوجية، واقتناء البيت الفاره او السيارة الحديثة، او السباق المحموم نحو فرصة العمل المربحة، تنتزع منّا مشاعر الخوف والحذر من القادم الخطير
وعلى صعيد الحياة العامة، يكفي إلقاء نظرات على أحوال الشعوب والأمم المبتلية بأزمات كارثية، كالتمزق الاجتماعي، وانتشار الأوبئة المعدية والخطيرة، وانعدام الأمن والاستقرار، فضلاً عن ظواهر الجفاف والتصحّر، والتلوث البيئي، وكيف أن العالم بأسره يتخبط في هذه الازمات دون الاهتداء الى سبيل للخروج والنجاة.
من هنا جاءت الحكمة بزيارة القبور للاعتبار بمن عاشوا في هذه الحياة ثم غادروها “بغين القطن والكفن”، أو زيارة الراقدين في المستشفيات ممن فقدوا سلامتهم على حين غفلة منهم، لنعرف قيمة العافية والسلامة.
- لنقرأ القرآن قراءة جديدة
صحيح، أننا نقرأ القرآن الكريم في أوقات مختلفة، ونجلس أمامه باحترام وتقديس، ونتلو آياته المباركات، ثم نقبله بعد أن نكمل التلاوة ونعيده الى حيث كان، بيد أن هذا لا يجعلنا نستفيد الفائدة الكاملة والحقيقية من هذا الكتاب العظيم، ومن هذا النور الإلهي، لأنه يبقى كلمات ذات بعد معنوي وروحي جميل، وايضاً؛ بعيد عن الواقع الذي نعيشه وحياتنا اليومية، طريقة تفكيرنا ونمط سلوكنا في الحياة. فالآية التي نقرأها ونستشعر أنها تتكلم معنا شخصياً، هي التي من شأنها تحقيق التغيير الذي نريده في حياتنا، وهي التي تجعلنا في موقف ايجابي ومتفاعل مع من يزيدنا في الموعظة والعبرة، ولا نتعالى ونتكبر، ولا تنمو في نفوسنا حالة الخلط بين الحق والباطل، ولا بين الحلال والحرام، بحيث تذوب الحدود الفاصلة، وتختلّ المعايير، فنعمل ما يحلو لانفسنا، وما يلبي رغباتنا، وفي المحصلة؛ نتائج غير محمودة على صعيد الأسرة والمجتمع، نصاب بالألم من بعد السلامة والصحة، ونفقد عناصر الخير في الحياة بشكل مؤسف.