افجعنا خبرٌ مؤلم من محافظة واسط بوقوع جريمة مروعة تقضي على حياة أم وأبنائها على يد الابن الأكبر، ومن بين الابناء؛ البنت البكر، وهي طالبة كلية طب الاسنان، سنة خامسة وأخيرة. حادثٌ ليس الأول ولن يكون الأخير في مجتمع تتكالب عليه المؤثرات الثقافية بلا ناصر ولا معين، فتترك بصماتها على هذا او ذاك ليتحول على حين غفلة الى مجرم يحمل السلاح بكل قوة وثبات وثقة ويقتل افراد أسرته او ربما صديقاً له، وحتى مستطرق في الشارع لمجرد انزعاجه وتعكّر مزاجه خلال مرور السيارات، او أمر آخر.
الناس يسألون:
كيف كان يعيش هذا الأبن بين افراد أسرته؟
هل كان يهديهم التحية والسلام والابتسامة حال دخوله الى الدار؟
هل كان يحترم والدته ويقدّر مشاعرها، وهي التي فقدت رب الأسرة، و تحملت مسؤولية إدارة الأسرة؟
هل كان يضع في حساباته المالية احتياجات البيت، وتكاليف الدراسة والصحة لاخوانه الصغار؟
وهل…..؟!
بل، وهل كان ملتزماً بالفرائض الدينية، وايضاً؛ بالآداب والأخلاق الحميدة، داخل وخارج البيت؟
هذه الأسئلة المحورية نجد لها أثراً في البيوت الآمنة من جرائم من هذا النوع، بل وحتى من الانحرافات السلوكية والأخلاقية، وكما يعرف الجميع فإن نسبة الأمن والاستقرار في البيوت مرهونٌ بنسبة النجاح في هذه الأسئلة المحورية.
سؤال آخر يقفز أمامنا!
كيف ننجح في هذه الأسئلة حتى لا تنفجر تحت أرجلنا الألغام؟
⭐ إعادة الروح الى مفهوم المسؤولية الاجتماعية، فإذا صادف شخص طفلاً في الزقاق، وهو يرمي حجراً على طفل آخر، او يتفوّه بألفاظ غير مؤدبة، ثم يواصل السير ويدخل بيته كأنه لم يسمع او يرى شيئاً، فمن الطبيعي أن تنمو هذه الافعال مع نمو ذلك الطفل المخطئ
إعادة الروح الى مفهوم المسؤولية الاجتماعية، فإذا صادف شخص طفلاً في الزقاق، وهو يرمي حجراً على طفل آخر، او يتفوّه بألفاظ غير مؤدبة، ثم يواصل السير ويدخل بيته كأنه لم يسمع او يرى شيئاً، فمن الطبيعي أن تنمو هذه الافعال مع نمو ذلك الطفل المخطئ، مثل نزلة البرد التي يُصاب بها الاطفال، فنرى الاهتمام والحرص لوضع حد لهذه الحالة المرضية حتى لا تتطور في التهاب اللوزتين، او ارتفاع مستمر بدرجة حرارة الجسم وغيرها من المضاعفات، ومن ثم يطمئنون على سلامته، وان يتعافى تماماً.
الفعل الخطأ، صغيره وكبيره يشترك مع الفايروس في صفات عدّة؛ انه ينمو ويتطور، وهو قابل للاكتشاف والمتابعة ثم المعالجة، والصفة الاخرى المشهودة؛ الآثار الخطيرة في حال استفحاله، فاذا كانت نزلة البرد البسيطة، او أي مرض آخر يضع العائلة في حالة إنذار، وهو بين جدران البيت الواحد، مع سهولة معالجته، فان فايروس الانحرافات الاخلاقية لها آثار مدمرة على الأسرة ومن ثم على المجتمع وعلى الأمة بأكملها، إلا اذا تمت مكافحتها في مراحلها الاولى، ومن أول حركة خاطئة، او كلمة غير مناسبة، او موقف غير صحيح، يسارع الكبار داخل الأسرة، ثم المقربين؛ من أخوال وأعمام، والجد ـ إن وجِد- والمسؤولية تقع ايضاً على النساء في كافة مواقع القرابة بالنصح والإرشاد، و التخفيف من فورة الغضب، لإعادة صاحبه الى وضعه الطبيعي، ثم دعوته الى الحكمة والتعقّل والتفكير بمصلحته ومصلحة المحيطين قبل أن يقوم بأي عمل يعده حقاً له، او من استحقاق الطرف المقابل المخطئ حسب نظره.
أعتقد ـ وربما يتفق معي الكثير- أننا في العراق لنا حظٌ وافر دون كثير من الشعوب الاسلامية في امتلاكنا منظومة أوسع و أكبر من العادات والتقاليد والقيم مع سعة استيعاب جيدة، وإيمان والتزام بفضل عوامل استثنائية ربما أبرزها قربنا الى المراقد المقدسة، وإحياء المناسبات التعلقة بالأئمة المعصومين، عليهم السلام، مع ضخ ثقافي وفكري جيد من المنبر الحسيني، وجهود العاملين في الهيئات والحسينيات، الى جانب جهود العلماء والادباء في نشر السيرة ورسم ملامح الرموز الكبيرة بغية توجيه الناس للاقتداء بها.
⭐ المراقبة والمتابعة داخل البيت تحقق مصلحة الابناء بالدرجة الأولى، ثم تحمي الأسرة من شرور الخطأ والانحرافات في السلوك والاخلاق حتى لا ينفجر علينا لغمٌ يلحق بنا خسارة فادحة
وأعتقد جزماً أن هذه الميزة والحظوة أكبر بكثير مما يعده البعض مؤثرات خارجية مثل الانترنت وأشباهه فهذه كلها “غثاء كغثاء السيل” اذا ما وقفت أمامها الروادع والاجراءات من داخل الأسرة وخارجها لتمنع تحوّل الصور المرئية الداعية الى الضرب والقتل والعنف بكل اشكاله الى تطبيقات عملية داخل البيت او في الشارع.
ألم تكن أفلام الكابوي منتشرة في بلادنا منذ سبعينات القرن الماضي؟ هل كنا نواجه حالات قتل كالذي حصل في الكوت او يحصل بين فترة واخرى في العراق، بل حتى في سائر البلاد الاسلامية؟ المراقبة والمتابعة داخل البيت تحقق مصلحة الابناء بالدرجة الأولى، ثم تحمي الأسرة من شرور الخطأ والانحرافات في السلوك والاخلاق حتى لا ينفجر علينا لغمٌ يلحق بنا خسارة فادحة كخسارة فتاة يافعة وطبيبة كان يمكن ان يكون لها دور فاعل في خدمة المجتمع، وعلينا الانتباه الى أن قتل روح ذلك الابن المجرم سبقت قتل شقيقته، لأن لو كان حيّاً بضميره وأخلاقه لما أقدم على هذا العمل الفضيع.