في المقالين السابقين انطلقنا من السؤال: هل الاهتمام بالمعرفة الدينية من الناحية العملية والنظرية، أمراً مهما على الانسان ان يبذل جهدا فيه؟
والاجابة عن ذلك السؤال، كانت مفتاحا لسؤال آخر: ما هي قواعد الاهتمام؟ لماذا على الانسان ان يهتم بشيء، ولا يهتم بشيء آخر؟ كل ذلك أجبنا عليه في المقالين السابقين.
في هذا المقال والمقالات اللاحقة، نتناول كيف نطبق قاعدتي الحكمة والفضيلة فيما يرتبط بإهتماماتنا، وسيكون هذا المقال على في محورين أساسيين:
المحور الأول: ما هو مثلث قاعدة الاهتمام؟
المحور الثاني: كيف تعمل معادلة قاعدة الاهتمام؟
مثلث قاعدة الاهتمام: هو مثلث يشابه العديد من النماذج التي ترتبط بسلوك الانسان، وهي ليست بدعاً من القواعد، بل تشبه العديد من القواعد التي تطبق في قرارات الانسان في مختلف مجالات الحياة؛ القرار الاقتصادي، والاداري، الاجتماعي.
عندما نأتي الى قاعدة الاهتمام بالاشياء، سواء النظري أو العملي، فإننا نقدم معادلة نعبر عنها بمثلث قاعدة الاهتمام، وهذه القاعدة تتكئ على ثلاثة أضلاع:
الضلع الأول: مقدار العلم بالنتيجة، وفي هذه الضلع يكون مقدار علم صاحب القرار بالنتيجة، ونستطيع أن نمثل لذلك بأن تكون النتيجة من صفر الى مئة، وعلى حساب المثال، نقول: ان يقين الانسان إما أن يكون صفرا، أو مائة، وهنا نعبر عن هذا المقدار العلم او الاحتمال، فأنا احمل أن النتيحة التي ستنتج عن فعل معين ستكون مثلا: 1بالمئة، او 2 بالمئة وهكذا.
⭐ عندما نأتي الى قاعدة الاهتمام بالاشياء، سواء النظري أو العملي، فإننا نقدم معادلة نعبر عنها بمثلث قاعدة الاهتمام
الضلع الثاني: أهمية العمل وخطورته، او بتعبير آخر قيمة الشيء (النتيجة) المراد الوصول اليه، وهنا ايضا يمكن ان نمثّل رياضيا بأهمية النتيجة من صفر الى المئة، فقد يكون الشيء محتمل الحدوث بنسبة 90 بالمئة، إلا أن اهمية الشيء الذي سينتج عنه واحد بالمئة، او اثنين، او ثلاثة.
الضلع الثالث: مقدار الجهد، فكم هو مقدار الجهد الذي يبذله الانسان لانجاز العمل.
اذن؛ المعادلة تعتمد على ثلاثة أمور؛ الاحتمال، والمحتَمَل، والجهد، او لنقل: مقدار العلم، مقدار الاهمية، مقدار الجهد المبذول.
- كيف تعمل قاعدة المعادلة؟
تعمل على اساس نتجية المعادلة، فعند حساب المقادير الثلاثة، تكون النتيجة وجوب الفعل، أو افضيلة الفعل، أو الحياد فسواء عمل أم لا فليس هناك من تأثير كبير في مجرى حياة الانسان، او قد تكون النتيجة الأفضل عدم القيام بأي فعل، او قد تكون يجب عليك أن لا تفعل.
درجات فعل الانسان من ما يجب الى ما يُحرّم تتنوع شدةً، وقوةً، وضعفا، وفي التعبير القفهي الاسلامي يعبر عنها بخمس حالات؛ مستحب، واجب، مكروه، مباح، محرّم، وهي قضية عقلائية موجودة عند كل البشر.
فقاعدة الاهتمام تنتهي الى احد الخيارات الخمسة وبين الخيارات توجد درجات، لكنها في النتيجة تنتهي الى واحد منهن.
معادلة قاعدة الاهتمام تعتمد على مقدار الاحتمال، ومقدار أهمية الشيء، والجهد، والموازنة بين الاضلاع الثلاثة هو ان نعلم مقدار العلم (الاحتمال)، ثم ننظر أهمية المحتَمَل، ثم نرى الجهد وننقصه من الضلعين( العلم، والاهمية)، وهنا نصل الى قرار يرتبط بهذه المعادلة.
في ما مضى قلنا: ان الحكمة تنظر للقرار على اساس النفع والضرر، عندما نطبق هذه القاعدة في مورد الحكمة، فهنا سيكون المحتَمَل هو مقدار النفع او الضرر، والجهد سيكون بعكسه، وفي قاعدة الحكمة؛ ننظر الى مقدار العلم، مع الضرر او النفع او الخطورة، ثم ننظر للجهد المبذول، وبناء على ذلك يُتخذ القرار.
- كيف تعمل معادلة قاعدة الاهمتام؟
لو كان عندي احتمال مئة بالمئة وان النتيجة ستتحق بتلك النسبة، لكن قيمة النتيجة والجهد 1%، فهذا القعل لو عرض على العقلاء فإن قرارهم سيكون هو الحياد، لانك إذا فعلت لم تكسب شيئا، واذا لم تفعله لم تخسر شيئا حقيقيا.
لكن ماذا لو كان العلم بنسبة 1%، والنفع بنسبة 10%، والضرر (او الجهد المبذول) 70%، فغالبا سيكون رأي العقلاء ان تقدم على هذا الفعل ما دام سيكلفك أكثر من قيمته.
هناك حالة أخرى معاكسة، فماذا لو كنت متيقنا مئة بالمئة وأهمية الفعل 90%، اما الضرر سيكون 5%، عادة العقلاء يقدمون على هذا الفعل، ويقولون: يجب عليك القيام بهذا الفعل.
أما اذا كان علم الانسان مئة بالمئة، و30% النتيجة المتوقعة، و50 % الجهد المبذول، فهنا يقال للإنسان بحساب الربح والخسارة: عليك أن لا تفعل.
⭐ تعمل على اساس نتجية المعادلة، فعند حساب المقادير الثلاثة، تكون النتيجة وجوب الفعل، أو افضيلة الفعل، أو الحياد
لنضرب أمثلة من حياتنا المعاصرة، وسيكون مثلا يكثر الجدل فيه، وهو التطعيم ضد فايروس كورونا، لنفترض أنه عرض عليك لقاحا، وهذا اللقاح تعلم مئة بالمئة انه سيعطي لك مناعة 1%، وأعراض جانبية بنسبة 1%، فقرارك كإنسان عاقل يكون حياديا، فسواء لقحت أم لا فلا يوجد خسارة او فائدة مرجوة.
لكن لو كنت تعلم مئة بالمئة ان المناعة المكتسبة ستكون 10%، لكن الاعراض الجانبية المتوقعة من اللقاح ستكون بنسبة 70%، فإن العاقل لن يقدم على اخذ هذا اللقاح وسيبحث عن لقاح آخر، فيه نسب أعلى من المناعة، ونسب أقل من الأعراض.
إذا كنت تعلم بمئة بالمئة أن المناعة المتوقعة ستكون سبعين بالمئة، والاعراض عشرة بالمئة، هنا سيكون قرار الانسان الحكيم ـ بمقياس النفع والضررـ التطعيم.
وإذا كنت تعلم بمئة بالمئة ان المناعة المتشكلة من اللقاح تسعين بالمئة، وخمسة بالمئة ستكون الاعراض الجانبية، فسيكون التعطيم واجبا باعتبار احتمال الضرر.
إذا قلّت نسب العلم بالشيء الى خمسة وستين بالمئة، فإن قرارات الانسان تتغير بخلاف تعبا لنسبة العلم.
وكمثل آخر؛ ماذا لو وصلك رابطا مجهولا على الواتس او الايميل، لكنك تعلم مئة بالمئة، ان نسبة واحد بالمئة ان ذلك الرابط سيخترق حسابك، والنتيجة لاختراق الحساب، أن السارق سيطّلع على صورك الخاصة، وبياناتك الخشصية، وحساباتك البنيكة..، فهل تقدم على قرار فتح الرابط أم لا؟
لان الموضوع بمستوى عالٍ من الخطوة ـ ولو ان نسبة الخطورة واحد بالمئة ـ لان ذلك مرتبط بخصوصيات الانسان التي لا يجب ان يطلع عليها أحد؛ كصور عائلته، وحساباته..، فإن العاقل لا يقدم على فتح الرابط بأي حال من الاحوال، وهكذا كلما قلّت نسبة العلم تكون قرارات الانسان تبعا لذلك. الخلاصة: ضربنا مثالين في كيفية عمل التوازن بين اضلاع المثلث، وبه عرفنا كيف توزان بين العلم الذي عندنا وبين خطورة القضية، والجهد المبذول، فبحسب الموضوع، وبمقدار التوازن هناك عقل فطري عند الانسان يدعوه الى اتخاذ قرار حكيم بناء على هذه الأمور.