يظن بعض الناس أن رفع أصوات الأغاني في السيارة أو المنزل من الحريات التي لا ينبغي لأحد أن يكلمه فيها أو ينكرها أو يعظه ويذكره بحرمتها وخطرها، فتراه ما إن ركب السيارة رفع صوت الأغاني، تشاهد ذلك في الشوارع وعند الإشارات، وعند المنتزهات، غير مكترثٍ بحقوق الآخرين من المارة ، وإن ذهب في رحلة سياحية رفع أصوات الأغاني، وأذى من حوله غير مكترث بحقهم، وكأنه ليس للاخرين حق من الراحة مثلما له، كل ذلك بدعوى أن له من الحرية أن يسمع ما شاء متى شاء وبأي طريقة شاء.
فإلى هؤلاء أقول: إن رفع أصوات الأغاني في أي مكان وفي أي وقت ليس من الحرية أبدا، ولا يحق لأي أحد أن يفعله، ولا يعذر أحد بهذا التصرف مطلقا، وذلك للأسباب الآتية:
أولا: إن هذا التصرف مجاهرة بالمنكر.
ثانيا: إن هذا التصرف فيه أذية للأخرين، إذ إن رفع الأصوات المباحة كطرق الحديد أو أعمال الهدم والإنشاء يجب أن تكون فالأوقات التي لا يتأذى فيها غيره، فكيف بالأصوات المحرمة، إذ هي أذى من وجهين: من جهة رفع الصوت في مكان مشترك، ومن جهة أن هذا الصوت محرم.
⭐ إن رفع أصوات الأغاني في أي مكان وفي أي وقت ليس من الحرية أبدا، ولا يحق لأي أحد أن يفعله، ولا يعذر أحد بهذا التصرف مطلقا
ثالثا: إن هذا التصرف من الاعتداء على حقوق الآخرين، فإن كان من حقك أن تأنس فمن حق الآخرين أن يأنسوا كذلك، ولذا فكلٌ له الحق أن يأنس بما شاء من غير أن يعتدي على حقوق الآخرين، فيسمعهم مالا يريدون أن سماعه، وإذا خفيت هذه المعاني على الصغار، فلا أسوا من أن تخفى على الكبار!
كنتُ يوماً في رحلة برية مع بعض الأصدقاء والإخوان، وبينما نحن جالسين سمعنا صوت الأغاني ينبعث من حولنا، فحاولنا أن نتجاهله ولكن الأمر أكبر من ذلك، فليس أمامنا إلا أن ننكر على صاحبه أو نرحل من مكاننا، فذهبنا إلى تلك الجماعة، فإذا الغناء يصدر من سيارتهم التي فتحوا أبوابها، فلما أقبلنا إليه أغلق الغناء، وأقبل أحدهم بوجه عبوس، فسلمنا عليه وكأننا ننتزع السلام والتحية منه انتزاعا، فأخبرناه بجوارنا لهم وأن هذه الأغاني المحرمة لا يجوز سماعها وأنها تضايقنا، وكلمناه كلاما نحو هذا بلطف وابتسامة، ثم ودعناه وانصرفنا، فعاد إلى أصحابه وقال مخاطبا لهم: (حتى في هذه الأماكن) مستنكراً ومتعجب، ثم أمر صاحبه أن يفتح المسجل مرة أخرى على هذه الأغاني، فتأمل وتعجب!
هكذا يفهم بعض الناس معنى الحرية فيرتكب المحرمات على أنها حرية، ويؤذي الآخرين أو يضايقهم بحجة أن عمله حرية، ولو فهم أن الحرية تكون في فعل المباح، إذا لم يتعد ضرره للغير، لكف عن فعله، فالإنسان إذا كان حراً فيما يقول عليه أن يفعل بشرطين:
الأول: أن يكون فعله مباحا، فإن كان فعله منكراً فلا حرية له فيه بل يجب أن ينكر عليه ويناصح.
الثاني: أن لا يتضرر به أحد، فإن تضرر به أحد وجب منعه ورده حماية لحقوق الآخرين.