يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “أفضل الزهد إخفاء الزهد”.
الزهد ليس فقرا، وليس ان لا تملك شيئا، إنما الزهد ان لا يملكك شيء، فهو حالة نفسية في الانسان تقطع طمعه عن الحياة، رغم انه قد يكون ثريا.
الزهد قد يُفسر بمعنى خاطئ؛ وهو ان تعيش رث الثياب، فقير الحال، مريض الجسم، في الإسلام من حق كل انسان ان يملك ما يحتاج اليه من أمور ديناه، والسعي في سبيل ذلك سعي مشروع ومقدّس، ان تسعى لسد الرمق في نفسه، ولبناء بيت، ولكي تملك مركوبا، وما شابه.
⭐ الزهد يأتي من موقع قوة الانسان لا من ضعفه
“الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله”، أما ان يترك عياله من دون ان يسعى لهم، ويعتبر ذلك زهد، فهو لم يفهم الإسلام ولم يعي ما هو الزهد، أولسنا نقرأ في التاريخ: أن رجلا ثريا مات وكان رسول الله، صلى الله عليه وآله، غائبا حين موته، وحينما عاد رأى أطفالا يتكففون في الشارع، فسأل رسول الله: أطفال من هؤلاء؟
قالوا يا رسول الله: اطفال فلان.
فقال رسول الله: عهدي به غنيا.
قالوا: انفق أمواله قبل موته في سبيل الله.
فسأل النبي: وأين دفنتموه؟
قالوا: في مقابر المسلمين.
قال: لو كنت حاضرا لمنعتكم عن ذلك.
حينما تسعى لكي تجمع الاموال لكي تدخرها في البنك فهذا خلاف الزهد، أما من يسعى ليعطي عياله ما يحتاجون اليه، فهذا كالجهاد في سبيل الله.
- ما هو الزهد الحقيقي؟
يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال، ولا بتحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما في يد الله عزوجل”، فأن يضيع الانسان ماله فليس زهدا، لو ان رجلا اخذ أمواله وذهب الى ساحل البحر وبدأ برميها فيه، فهل يعتبر ذلك زهدا؟
لو ان رجلا كان يملك مجموعة من الحيوانات وتركها تتضور جوعا فماتت، فهل يعتبر عند الله مثابا أم لا؟
فذلك الذي يُحرّم الاستفادة من الوسائل الحديثة فليس زاهدا، فهو عبارة عن رجل أحمق، فالذي يستطيع ان يعيش في هذه الدنيا براحة من البال والحال، ولكنه يحرم على نفسه الطيبات، فأمثاله يخسر الدنيا والآخرة.
الزهد أن يكون الانسان واثقا بالله، وبما في يده، لا بما في يده نفسه، حينما يطلب الله منك ان تنفق، لا تقل: إنني اصبح فقيرا إذا اعطيت في سبيل الله! ومعنى ذلك انك تثق بما في يدك ولا تثق بأمر الله.
⭐ الزهد من صفات العظماء، كما ان الحرص من صفات الفاشلين، فالزهد له قيمة حضارية
الزهد يأتي من موقع قوة الانسان لا من ضعفه، ومثل ذلك من خسر تجارته واصبح فقيرا وحسب ذلك على الله، او ذلك الذي يعجز عن الكد والسعي والعمل ويعتبر ذلك زهدا، فهذا الزهد من موقع الضعف، وليس في نظر الإسلام زهدا.
الفقير له مفهوم في الإسلام، ولا يقال له زاهدا، ويعتبر الإسلام الفقر الموت الاكبر، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: لو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته”، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: “الفقر سواد الوجه في الدارين”، الزهد من موقع الضعف؛ إما أن يكون عجزا او فقرا، وكلاهما مذموم في الإسلام، كما ان الزهد حالة حقيقة في الانسان لا التظاهر بها.
فائدة القيم حينما تكون حقيقة لا حينما تكون مزيفة، كما ان السيارة تمشي إذا كانت حقيقية، أما إذا كانت من بلاستك فلا تمشي، فحينما يمتلك الانسان صفات حضارية فإنه يرتفع، لكن إذا لم يملك منها شيئا ويتظاهر بها، فلا ترفعه إن لم تكون موجود حقيقة وبالكامل.
الزهد من صفات العظماء، كما ان الحرص من صفات الفاشلين، فالزهد له قيمة حضارية، وما من عظيم إلا وكان بشكل أو بآخر زاهدا، ذلك الرجل الذي كل همه ربطة عنقه، ولون حذائه، وديكور بيته، وجدار حمامه فلن يكون عظيما في التاريخ، أما ذلك الذي لا يهمه أي ثوبيه لبس، وكيف أن يكون شعره في سبيل العلم.
الكثير من الناس يقف أمام المرآة لساعات لكي يضع شعرة الى جانب اليمين او العكس، وكل همه ديكوره الخارجي امثال هذا لا يكون شيئا في الحياة. ما من عظيم إلا وهو زاهد في أمور معينة بلا إشكال، فقلبه ليس متعلقا إلا بتلك القيمة أو ذلك الهدف الذي يسعى اليه، فالزهد له قيمة حضارية إن كان موجودا لا بالتظاهر؛ الشجاعة، والكرم، والزهد..، هي التي ترفع صاحبها في الدنيا والآخرة.