يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم فما يعثر منهم عاثر إلا ويد الله بيده يرفعه”.
المروءة تكريم النفس عن الدناءة، والالتزام بالقيم والمبادئ، والأخلاق، وتقابلها كلمة اللؤم، وذوي المروؤات هم الملتزمون بالاخلاق والقيم، وهم الذين يمارسون رجولتهم، هنالك رجال لا يمتلكون رجولة، لا يعرفون معنى للوفاء، والكرامة، والعطاء، فالذي تعطيه لكنه يمنعك فهو لئيم، ذلك الذي يمتلك الكثير، ولا يعطي لذوي الحاجة إلا القليل فهو لئيم، أما الذي يؤثر الناس على نفسه هو صاحب مرؤة، وكرامة، وعزة.
يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “المروءة مروأتان مرؤة الحَضَر ومرؤة السفر فأما مرؤة الحضر فتلاوة القرآن وحضور المساجد وصحبة أهل الخير وأما مرؤة السفر فبذل الزاد في غير ما يسخط الله وقل الخلاف على من صحبك وترك الرواية عليهم اذا فارقتهم”.
ذلك الذي يسافر، ويأكل، ويجلس معك، لكنه حينما يعود لا يتذكر إلا السلبيات، فهو لا يمتلك مرؤة، لأن الصاحب يجب أن يُحترم تقدسيا لمبدأ الصحبة، فمن احترام النفس أن يحترم الانسان اصدقاءه وأصحابه، فالذي يجلس ويذم اصدقاءه، فهو فهو في الحقيقة يذم نفسه.
⭐ إن اصحاب المروءات هم اصحاب العزة، وهم الذين يحترمون أنفسهم، ويكرمونها، والله ـ تعالى ـ يريد المجتمع الإسلامي أن لا يُذل فيه صاحب مروءة
سُئل أمير المؤمنين، عليه السلام: ما المروءة؟ قال: أن لا تفعل شيئا في السر تستحي منه في العلانية”، كرامة النفس، واحترام الذات، وأن لا تكون في السر شيئا و في العلن شيئا آخر، قيمة الرجال حينما تقترب إليهم وتلتق بهم، فإذا كان الرجل من النوع الذي كلما اقتربت إليه ازدت حبا، وثقة منه فهو الذي يستحق الصداقة، لانه صاحب مرؤة، أما اولئك الذي لهم مظهر معين، ومخبَر آخر يختلف علانيتهم، أمثال هؤلاء لا مرؤة لهم، فالذي يتظاهر امام الناس بالصدق والإخلاص والتقوى، لكن بينه وبينه نفسه يختلف، فهذا لا مرؤة له لانه لا يحترم نفسه.
سئل الإمام الباقر، عليه السلام، عن المروءة، فقال: لا تطمع فتُذل ولا تسأل فتُقل ولا تبخل فتُشتم ولا تجهل فتُخصم”.مجموعة هذه الامور ترجع الى صفة واحدة في الإنسان أن يكون رجلا وصاحب كرامة، عادة ما نقول: فلان ما عنده مرؤة ذلك يعني؛ أن لا أخلاق عنده، ولا يمتلك كرامة، ولا يعرف حقوق الناس.
- ثمرة إحترام النفس
حينما يحترم الانسان نفسه يتعلم، فلا يجهل، وكذا لا يطمع فيما لا يستحق حتى لا يعطى فيُذل، وأيضا حين يحترم نفسه لا يسأل الناس، بل هو ذلك الذي يعطي، والرجل الافضل هو المعطي لا الذي يأخذ، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “إذا استطعت أن تكون يدك العليا فافعل”، وهذه هي المروءة، والكرامة، وعزة النفس.
معالي الأمور أيضا من المروءة، سئل الإمام الحسن، عليه السلام، عن المروءة فقال: “إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها”، الله ـ تعالى ـ يحب معالي وقمم الأمور في كل شيء، فالمياه تتجمع في القمة، والسحاب تذهب الى القمة، كما أن الله ـ تعالى ـ أعطى لمعالي الجبال كرامة، كذلك أعطى لمعالي الأمور كرامة، إن كان الإنسان متعلما فعليه أن يتعلم أفضل علم ولا يقضي عمرك في السفاسف، كذلك إذا كان بقالا اوعطارا أو رئيسا أو في أي موقع كان، عليه أن يكون في معالي الامور لان الله يحب ذلك الموقع العالي، ويكره السفاسف.
الذين لا قيمة لهم في الحياة هم الذين عاشوا في سفاسف الامور، وقضوا أعمارهم في الكلام، والكلام، والعمل الفارغ، والله ـ تعالى ـ يكره هذه الأمور، ومعنى ذلك ن الله حين يحب شئيا يرفعه، وحين يكره يذله، فذلك الذليل في الحياة والمجمع هو الذي قضى عمره في التوافه، والشعب الذي لا مروءة له هو الذي يقضي أمره في سفاسف الامور، فمجالسه مقاهي، لا علوم ومعارف، وحياته تدور كما الحيوانات؛ فمن المطبخ، الى السرير، الى المتجر، ولا يبحث عن علم رفيع، وكرامة عالية.
- احذر هذه الصفات تكن عزيزا
من صفات فاقد المروءة؛ الطمع، والتسول، والبخل، والجهل، يقول الإمام الباقر، عليه السلام: “عن الباقر، عليه السلام، قال: “سخاء المرء عما في أيدي الناس، أكثر من سخاء النفس والبذل”.
بعض الناس حينما يفتخرون يريدون لقمة العيش ولو كانت مغمسة بدم كرامتهم، وعزتهم، يريد شيئا يملأ معدته وإن كان الثمن حريته، او يريد أن يمتلك بيتا فخما، وسيارة حديثة، وراتب عالٍ، وإن كان ذلك على حساب بيع شبعه وأبناء جلدته، أمثال هؤلاء يريد أن يعيش بأي وسيلة كانت: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}، فلا يهمه إن كانت حياة مع كرامة وعزة، او لم تكن كذلك، ومن هؤلاء الكثرين في المجتمعات المتخلّفة، وهؤلاء يصفهم القرآن الكريم: {إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}.
نحن نريد الحياة لكن مع كرامة، بل نريد الكرامة قبل الحياة، ونريد الحياة مع الدين، فإن أُهين ديننا فلا قيمة لحياتنا، ونريد الحياة مع الحرية، أما إذا سُبلتْ حريتنا فلا يمكن الحياة بدونها، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين”.
حينما يكون الإنسان مهزوما أمام نفسه وأمام مبادئه، ولا ينتصر لدينه وكرامته، فهذا إنسان ميت، لانه لا فرق بينه وبين الموتى، فالميت أفضل من ذلك الانسان الذي يتلف الطعام والطيبات، ويحولها الى خبائث، ولا يمتلك كرامة، ولا يعيش بحرية، ولا يتمسك بدِين ومبادئ.
إن اصحاب المروءات هم اصحاب العزة، وهم الذين يحترمون أنفسهم، ويكرمونها، والله ـ تعالى ـ يريد المجتمع الإسلامي أن لا يُذل فيه صاحب مروءة، جاء رجل الى أحد الصالحين وسأله شيئاً، فأعطاه مبلغا محترما من المال، وبكى المعطِي، فقيل له: لماذا تبكي؟ قال: لماذا لم أعطه قبل أن يريق ماء وجهه، لماذا لم أعرفُ عنه أنه محتاج!
المجتمع الاسلامي هو ذلك المجتمع الذي إن سقط صاحب مروءة، تهافت الناس على رفعه من الارض؛ بعد أن اصبح فقيرا، أو معدما “فما يعثر منهم عاثر إلا ويد الله بيده يرفعه”.
⭐ المجتمع الاسلامي هو ذلك المجتمع الذي إن سقط صاحب مروءة، تهافت الناس على رفعه من الارض؛ بعد أن اصبح فقيرا، أو معدما
ما من إنسان إلا ويقدّر صاحبَ الكرامة، وصاحب المروءة، أمير المؤمنين، وفاطمة الزهراء، والحسين، والحسين، عليهم الصلاة والسلام، وفضة، رضوان الله عليها، يصومون بناء على نذر، وعند الإفطار يأتي مسكين، فيعطون طعامهم له، ثم يفطرون على الماء، ويصومون يومهم الثاني، فيأتيهم يتيم فيعطونه، ويصومون اليوم الثالث، ويأتيهم أسير فيعطونه، بعدها يسجل الله هذا العطاء في سورة كاملة في القرآن الكريم، وهي سورة الإنسان. إن الإسلام يطالبا بأن نكون أصحاب مروءة، ففي الفقه من العدالة تكون المروءة، فلا يجوز الصلاة خلف من لا يمتلك المروءة، ولا يجوز تقليد يتصف بالمروءة، فهي جزء من العدالة، وحينما تُذكر العدالة في الفقه، تُذكر المروءة فيها، فلا يمكن أن يكون قائدا من لا يمتلك كرامة، حتى يقف لدِينه ساعة الحرج والشدة، وإلا فهو ليس بصاحب عدالة.
مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).