مكارم الأخلاق

مواصفات الشيعي الحقيقي (7) كرة القدم أم مجالس الوعظ والإرشاد؟

يقول الإمام الحسين، عليه السلام: “إنّ هذِهِ الدُّنْيا قَد تَغَيَّرَت وَتَنَكَّرَتْ وأدْبَرَ مَعرُوفُها، فَلَمْ يَبْقَ مِنْها إلاَّ صُبابَةٌ كَصُبابَةِ الإناءِ، وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالمَرعَى الوَبِيلِ، ألا تَرَوْنَ أنَّ الحَقَّ لا يُعْمَلُ بِه، وَأنَّ الباطِلَ لا يُتناهى عَنهَ لِيَرْغَبْ المُؤْمِنُ في لِقاءِ اللهِ مُحِقّاً فَإنِّي لا أرَى الْمَوتَ إلاّ سَعادَةً، وَلاَ الحَياةَ مَعَ الظَّالِمينَ إلاّ بَرَماً.

 إنَّ النّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيا وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلى ألسِنَتهم، يَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانُونَ”.

الدنيا فيها مدٌ وجزر، وإقبال وإدبار، والمقصود بالدنيا أهل الدنيا، قد يقبل أهل الدنيا على المعروف والخيرات، فيكون هناك إقبال على الصالحات، وقد يدبرون عن عمل الخير في فترة من الفترات.

الحياة متغيرة على حسب أوضاع الناس، وارادتهم، فتؤثر عليهم المتغيرات الخارجية؛ سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وما شابه، تلك المتغيرات الخارجية تنعكس على الناس، ويعتمد ذلك على استعدادهم لاستقبال تلك المتغيرات، وبناءً عليها يكون التغيّر سلبا أو إيجابا.

حالات الدنيا تتبدل وتتحول وذلك هو حال أهلها، فإذا بدا الانحدار عند أهل الدنيا، وظهر التغير السلبي، وبالتالي تشيع المنكرات، وتمنع الخيرات، هنالك يتطلب من الإنسان المؤمن أن يكون حذرا، فعليه أن يقف وقفة بصيرة؛ فلا ينجرف مع الناس، وفي ذات الوقت لا يُحبط من افعال الناس، فلابد أن يحافظ على قيَمه، ومبادئه، ولابد أن يحافظ على مواصلة طريقه، لان من طبيعة الدنيا والإنسان التحوّل والتغير؛ سلبا أو إيجابا، فإذا كان التغيّر والتحول إيجابيا لابد أن نتعاطى ونتفاعل معه، أما إذا كان التغير سلبيا، وكان هناك منكرات، وإدبارعن المعروف، فلابد حينها أن نتوجه الى الله أكثر، وهذا ما يؤكده الإمام الحسين، عليه السلام.

⭐ الحياة متغيرة على حسب أوضاع الناس، وارادتهم، فتؤثر عليهم المتغيرات الخارجية؛ سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، ثقافية

فهو حين يُعبر: “إنّ هذِهِ الدُّنْيا قَد تَغَيَّرَت وَتَنَكَّرَتْ” بذلك إنما يقصد أهل الدنيا، فأين أهل زمانه من زمن رسول الله، صلى الله عليه وآله، حيث كان الإيمان الخالص، وصفاء القلب وما شابه من قيم كان يحملها الرعيل الأول مع رسول الله، إذ أنهم كانوا يحملون ارواحهم على أكفهم، يقدمونها في سبيل الله، وفي سبيل الخيرات، لا في سبيل الذات والأنانية الضيقة، وإنما كان همهم بناء مجتمع إيماني، وأمة قوية، وحضارة إسلامية، من اجل بناء الانسانية من جديد وفق القيم الربانية.

كذلك كان أصحاب رسول الله المنتجبين، وحواريي الأئمة، عليهم السلام، لكن الدنيا الآن تغيرت وتنكرت، فتنكر المؤمنين، والصالحين، فأصبح الإنسان المؤمن لا كرامة ولا مكانة له.

“وأدْبَرَ مَعرُوفُها”، فلم يعد هناك من الناس من يتصدى للخير، وعمل الصالحات، فلا نرى إلا أجيالا ضائعة، ترتكب المنكرات، ويمارسون سلوكيات هدامة، ذلك لا يعني عدم وجود الصالحين، لكنهم اصحبوا “فَلَمْ يَبْقَ مِنْها إلاَّ صُبابَةٌ كَصُبابَةِ الإناءِ”، وهم اشبه بقطرة ماء، فهذه القطرة لا تروي إنسانا، بل تبقيه حيا فحسب.

الكثير من الناس يتهربون من تحمل المسؤولية الاجتماعية “ألا تَرَوْنَ أنَّ الحَقَّ لا يُعْمَلُ بِه”، فأين الناس من ارتياد المساجد، وارتباطهم بالقرآن والعلماء؟ وأين المبادرة الى الخيرات وتحمل مسؤولية الفقراء والمساكين؟

مبارة لكرم القدم ـ مثلا ـ يحضرها الشباب ويشاهدونها بشكل مباشر، في  حين لا تراهم في مجالس الوعظ والإرشاد، والمحافل الرمضانية، وما اشبه من مجالس الذكر.

“وَأنَّ الباطِلَ لا يُتناهى عَنهَ”، بسبب هذا يعذب الله أقواما، فبنو اسرائيل فقدوا ميزة خير الأمم، لانهم كانوا لا يتناهون عن الباطل.

“لِيَرْغَبْ المُؤْمِنُ في لِقاءِ اللهِ مُحِقّاً”، وذلك بالالتزام بقيم السماء؛ عبر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وصلة الرحم، وتأديه بقية الحقوق الشرعية، فلقاء المؤمن لله عبر التزامه بالحق لا يكون هروبا من هذه الدنيا، وإنما يكون في سبيل الله، أمير المؤمنين، عليه السلام، كان ينتظر الموت ويرغب فيه، وذلك لم يكن هروبا من الدنيا، وإنما طلبا للشهادة، وهناك فارق بين الأمرين، ولذلك على المؤمن أن تكون رغبة في لقاء الله على الحق، وإلا فهناك من الناس من تضيق به الدنيا فيتمنى الموت.

⭐ الكثير من الناس يتهربون من تحمل المسؤولية الاجتماعية، فأين الناس من ارتياد المساجد، وارتباطهم بالقرآن والعلماء؟

“فَإنِّي لا أرَى الْمَوتَ إلاّ سَعادَةً”، فالموت في طريق الحق، وفي سبيل قيم السماء، وفي ظل التغيرات السلبية سعادة للإنسان المؤمن، فهو لم ينجرف، ولم يضع مع الضائعين، “والحياة مع الظالمين إلا برما” أما الحياة مع الجاهلين، والفاسقين فلا فائدة منها، فضلا أنها تعود على الإنسان بالوبال.

“إنَّ النّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيا”لابد أن يعرف الإنسان المؤمن طبائع الناس، وهنا تعريف لها، حتى نحذر؛ فهناك من يعبد المال، والطعام، والجاه، والشهوة..، “وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلى ألسِنَتهم”، مثل هذا النوع يتكلم عن الدين وكأنه علّامة زمانه، يظنه المستمع أنه أتقى الناس وأورعهم، فهو لا يتكلم بكلمات تنبئ عن حقيقة سلوكياته.

“يَحُوطُونَهُ ما دَرَّت مَعائِشُهُم، فَإذا مُحِّصُوا بِالبَلاءِ قَلَّ الدَّيّانُونَ” فما دامت هناك مصلحة فهو يتكلم باسم الدين، لكن حين يتشد الحال، ويكون للدين دفع ضريبة؛ كفقر، او اعتقال، او عدم حصول على عمل..، وغيرها من المشاكل، فإنه يقف عند ذلك الحد، ويقدم مصالحه قبل الدين، فأهل الكوفة أرسلوا الرسائل الى الإمام الحسين، عليه السلام، لكن بعد أن جاء الإمام وطلب نصرتهم تخاذلوا، وقبل ذلك كانوا قد خذلوا مسلم بن عقيل، إذ كان يأم مئات المصلين لكنه حين أنهى صلاته وجد ان جميعهم قد هربوا وتركوه. بهذه الكلمات بيّن الإمام الحسين، عليه السلام، صفات أهل الدنيا، وأشار الى الطريق الذي علينا أن نسير فيه، حتى لا نقع في مطبات ومتعرجات الدنيا، التي قد تؤدي بالإنسان الى الخسران في  الدنيا والآخرة.

عن المؤلف

آية الله الشهيد المجاهد الشيخ نمر باقر النمر

اترك تعليقا