من تريد صنع كعكة لذيذة (كيك) بمواصفات جميلة وشهيّة، يكسوها الكاكاو، او القشطة، او عصائر الفاكهة وغيرها، فان سيدات المنزل تلجأ فوراً الى الكتب الالكترونية الخاصة بتعليمات الطبخ المطلوب.
أما التي تريد تغيير قطم الاريكات والستائر والسجاد، فانها تحرص على مراجعة المواقع و”البيجات” الموثوقة التي تعرض البضاعة الجيدة، مع فرصة الحصول على بعض التخفيضات.
أما الأطعمة الجاهزة فإن “الدليفري” اللطيف ذو السرعة الخاطفة يتكفل بتلبية أي طلب مهما كان بعيداً، والوقت متأخراً.
وهكذا سائر الاحتياجات اليومية، والمقنيات المهمة لدى الكثير، يعرف اصحابها اين يتوجهون للحصول عليها بأحسن ما يكون وبالاسعار التي يرتضونها.
ولكن!
عندما يقف الشاب امام والديه حاملاً شيئاً من العلوم والمعارف المدرسية والكتبية، وقد اشتبكت عليه الحيرة في كيفية الرد على طلباتهم، او كيفية التعامل مع تصرفاتهم واوضاعهم النفسية والصحية، الى أي كتاب يلجأ؟ والى أي موقع الكتروني يستغيث ليضيئوا له الطريق الصحيح حتى يكون ابناً باراً صالحاً، لا عاقّاً وعاصياً؟
⭐ ربما يسأل سائل؛ اذا وقعت لي مشكلة مع طبيب في المستشفى، او موظف حكومي، او مشكلة مالية في السوق، او مشكلة اجتماعية وأسرية وغيرها مما يحتوشنا في حياتنا اليومية، هل اذا فتحت القرآن سأجد حلاً لمشكلتي؟
وعندما ينتفخ الزوج –البعض منهم طبعاً- برجولته لحظة غضب او عصبية على زوجته وعلى أولاده، الى من يلجأ عندما يطفح الكيل لدى زوجته وتنتفض بوجهه ويحصل ما لا يُحمد عقباه؟ او عندما يجد أن غضبه المفرط على أولاده تسبب في عاهة لبعضهم، او ضرر نفسي؟ من المؤكد أن الجميع سيوجهون الى أصابع اللوم والإدانة بأنه يتحمل المسؤولية كاملة، ولا سبيل للحل والتعويض إلا بالتراضي والسماح، فيجد نفسه أشبه بمن يكون في قفص الاتهام ينتظر من يطلق سراحه.
- القرآن كتاب حياة
أين القرآن الكريم من حياتنا اليومية؟
إنه كتاب يشبه سائر الكتب في بعض البيوت، مصفوف في المكتبات، وللأسف لم نتخلص بعد من ظاهرة التزيّن بهذا الكتاب المجيد والعظيم، فالبعض تجذبه الطباعة الجميلة بألوانها ومتانتها، مع بعض الزخارف على الغلاف الخارجي، والبعض الآخر يبحث عن الاوراق الخفيفة لسهولة الحمل والتنقّل! والبعض الآخر تجذبه الاشارات والعلامات الملونة، وربما تكون في بعض هذا فائدة، بيد أننا نحتاج قبل هذا ما يحمله هذا الكتاب العظيم من قوانين وأحكام وسنن تفيدنا لدنيانا وآخرتنا.
ربما يسأل سائل؛ اذا وقعت لي مشكلة مع طبيب في المستشفى، او موظف حكومي، او مشكلة مالية في السوق، او مشكلة اجتماعية وأسرية وغيرها مما يحتوشنا في حياتنا اليومية، هل اذا فتحت القرآن سأجد حلاً لمشكلتي؟
طبعاً؛ الحل القرآني ليس نظير الحل القادم من القوانين والاجراءات الحكومية في أي نظام حكم بالعالم من شأنها تفضّ النزاعات وتعيد الحقوق الى أهلها، بيد أن هذا الكتاب من شأنه ان يحول دون حصول هذه المشاكل، سواءً في البيت، او المدرسة، او الدائرة الحكومية، او السوق، وفي اي مكان آخر.
كيف؟!
1- العيش في اجواء القرآن
المحيط الاجتماعي له دور مؤثر في صياغة الشخصية والتأثير فيها، فمن يعيش أجواء جامعية، تكون شخصيته منفتحة؛ فكراً وسلوكاً، ومن يعيش أجواء السوق تكون شخصيته متحفّزة متوثبة باستمرار تحيناً للفرص وتحسباً من الطوارئ والنوائب، وهكذا في سائر ميادين الحياة، ومنها؛ ميدان القرآن الكريم الذي هو بحق؛ كتاب حياة، ذو مدخلية في جميع الشؤون والمجالات، فمن المؤسف ان نسمع أحداً يُوصف بأنه من أهل القرآن الكريم، كأن يكون مقرءاً او مفسراً او متدبراً او متخصصاً، إنما من حقه أن يكون الجميع من أهله، يعيش معهم في جميع لحظات حياتهم.
وما أجمل ما قاله المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي بأننا تمسكنا بالقرآن فكان لدينا كل شيء، العمران، والعلوم، والازدهار، والأمن، والوحدة، وعندما فقدناه، فقدنا كل شيء حتى صار مآلنا ما نعيشه من البؤس والقلق والتخلف، طبعاً؛ قبله قالها أمير المؤمنين، عليه السلام، ضمن وصاياه الاخيرة: “الله الله في القرآن، لا يسبقنكم العمل به غيركم”، فماذا يعني العمل به، وهو كتاب شامل وجامع لكل شؤون الحياة، هل كما نفعل مع بعض المصادر نأخذ ما نريده وقت الحاجة ثم نطوي الكتاب ونعيده الى المكتبة، أم يكون جزءاً من حياتنا، نعيش معه من خلال محافل التلاوة والتعلّم، ومن خلال متابعة دروس التفسير والتدبّر التي يقدمها علماء الدين على الانترنت.
فعندما تندمج آيات القرآن مع حياتنا فان أي عارض او مشكلة تداهمنا نستحضر فوراً الآية التي ترشدنا وتحل مشكلتنا مع بصائر نستذكرها من العلماء أهل الشأن والاختصاص، وربما تكون البصيرة في قلوب اشخاص منوّرين يهتدون سريعاً الى الدلالة خلال قراءتهم لهذه الآية او تلك فيتعرفون على علاج الكِبر والاستعلاء، او مخاطر ظلم الآخرين، او الابعاد الاقتصادية العظيمة للقناعة والرضى وفعل الخير.
2- القرآن المعلم
عندما كنّا في ندرس “التدبّر في القرآن الكريم” في السنين الماضية، علقت في ذهني عبارة رائعة من الشيخ الاستاذ بأن “اجعلوا القرآن الكريم معلماً لكم”، في إشارة منه لأن ندع القرآن يعملنا ويرشدنا الى الطريق الصحيح من خلال التدبّر في آياته المتعلقة بالتربية، والسلوك، والاعتبار من الآخرين، وعن طبيعة العلاقة مع العباد، وايضاً؛ مع ربّ العباد.
التلميذ يُنصت أمام الاستاذ ليستمع منه ويتعلم ثم يطبق ويستفيد، فهل يُعقل أن يتحدث الاستاذ في المدرسة او الجامعة، ثم ينهض امامه احد الطلاب ويقول: لم اقتنع بما تقول، لأنه لا يتوافق مع ظروفي الاجتماعية والنفسية، وقناعاتي الخاصة؟!
كل تلميذ وطالب يصهر حياته وحياة عائلته، وكل ما لديها من أموال وامكانيات يوظفها حتى يأخذ ما يمكن أخذه من المدرسة والجامعة، ومن ثم يحصل على الشهادة الجامعية والمرتبة العلمية المأمولة.
⭐ عندما نعيش القرآن ونجعله مرآة لشخصيتنا ولحياتنا سنجد الثغرات لاصلاحها، كما نجد الاستحقاقات فنسرع لتحقيقها قبل ان تتفاقم الأمور والاخطاء والثغرات
للأسف؛ البعض يحاول –او ربما من غير قصد- جرّ آيات الكتاب المجيد الى مقاصده وافكاره لتكون متطابقة مع ما يريد، لا مع ما يريد القرآن، فعندما يصل الى آية الزواج –مثلاً- ويقرأ الدعوة الصريحة للزواج والترغيب فيه من قبل الله –تعالى- بأن {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، فانه يحاول الابتعاد عن العلاقة بين الزواج والغِنى، ويُصر على الربط الذي في ذهنه بين الزواج والفقر، وأنه من غير المعقول أن يتزوج الشاب ثم يكون غنياً!، وهذه بحد ذاتها تُعد مشكلة وأزمة عقدية خطيرة غير محسوسة لدى الكثير بأن يشكك الانسان بصحة معادلة إلهية متوافقة مع فطرة الانسان والحياة السويّة التي يعيشها، بيد أن المشكلة في انعدام هذه الحياة السويّة وسقوط الكثير في متاهات التشكيك والحيرة بسبب تغوّل الحياة المادية على عقولنا وقلوبنا.
وهكذا سائر الآيات الكريمة التي تضع أمامنا البوصلة الى الطريق الصحيح في علاقاتنا الاجتماعية، وفي عملية بناء الشخصية، وكيف يجب ان تكون، عندما نعيش القرآن ونجعله مرآة لشخصيتنا ولحياتنا سنجد الثغرات لاصلاحها، كما نجد الاستحقاقات فنسرع لتحقيقها قبل ان تتفاقم الأمور والاخطاء والثغرات.
3- حفظ القرآن
الحفظ ليس بهدف التباهي بكثرة الآيات والاجزاء، وإن كانت محببة في المحافل والهيئات والمؤسسات التي تدعو الناس، لاسيما صغار السنّ، وتحديد جوائز تشجيعية وحوافز، بيد أن الحفظ المطلوب المقرّب للقرآن الى حياتنا اليومية، ما يجعلنا نستشهد بالآيات في أي مسألة او فكرة او حديث فيما بيننا، او خلال الإلقاء على الآخرين.
هنالك من يستشهد بالأمثال الشعبية، و أقوال المشاهير من أعلام الفكر والثقافة، قديماً وحديثاً، حتى أن البعض اراه يستشد بأقوال من فلاسفة او علماء نفس او تنمية بشرية لتعضيد فكرته، او احياناً إكسائها شيئاً من الرصانة والقوة، وهذا حسنٌ اذا كان “خُذ الحكمة ولو من أفواه المجانين”، و الحديث جاء بألفاظ متعددة في الكتب، هنا تكون الفائدة للقارئ والمستمع، بيد أن هذه المقولة او تلك لا تكون بنية تحتية وقاعدة تُبنى عليها القناعات، بينما آيات القرآن الكريم لا تمثل البنية التحتية وحسب، إنما هي الفنار الذي يدلنا الطرق الصحيح.
نرجو ان نكون من أهل القرآن الكريم