ثقافة رسالية

الشذوذ الجنسي وصفة غربية للفاشلين عاطفياً

كثر الحديث حول هذه الظاهرة الجنسية الشاذّة وغير السوّية بسبب الضجيج الاعلامي الموحي بأنها ظاهرة اجتماعية في العالم، والحقيقة؛ أنها ليست بالشكل الذي تروّج له وسائل إعلام عالمية بشكل غريب و مريب، منها؛ “بي بي سي” صاحبة المصدر الخبري المحايد والموثوق لدى الابناء والآباء والاجداد، لاسيما في بلادنا الاسلامية.

ليس في بلادنا الاسلامية، بل علت أصوات الاستنكار في عديد دول العالم من منابر دينية وثقافية وعلمية تندد بالمحاولات الرامية لتحويل هذا السلوك الجنسي الشاذ الى حالة اجتماعية طبيعية، مع الفارق إن هذا السلوك الشاذ انتشر بداية في الغرب، ليس في الزمن المعاصر، وإنما يعود تاريخه الى عصور خلت، كما يشير الباحثون في هذا الشأن ممن سلطوا الضوء على فضائح القصور الملكية في القرون الماضية، والأمراض الفتاكة التي أصيب بها الملوك بسبب شذوذهم الجنسي.

المشكلة ليست في ذات العمل السيئ الذي يتفق كل عاقل و صاحب ذوق في العالم على استنكار زواج الرجل من رجل مثله، او زواج المرأة من نظيرتها، و أن يعيش الاثنان “المثليان” تحت سقف واحد، ويناما على سرير واحد، إنما علامة الاستفهام الكبيرة حول مساعي الترويج وتعميم هذا السلوك في محاولة لتصديره الى سائر بلدان العالم، ومنها طبعاً؛ البلدان الاسلامية، وأول خطوة كانت من الإعلام الذي أزال السمة القبيحة لغوياً، فاستبدل جريمة اللواط بـ “المثليّة”، وفي الآونة الاخيرة اصبحنا نسمع بـ “مجتمع الميم” من وسائل إعلام عالمية معروفة. ثم تدخلت أصوات تحسب نفسها على “منظمات المجتمع المدني” تعطي لهذا السلوك قيمة انسانية وترفع فوقه راية الحرية الفردية، ثم لنسمع فيما بعد من هذه الجهات عن تعرّض أصحاب هذا السلوك “لاضطهاد وقمع ومضايقات” من المجتمع والدولة معاً.

كل هذا لإيهام الناس بأن مشكلة الانسان الغربي هي نفسها مشكلة الانسان الشرقي (المسلم) فالغريزة الجنسية عند الجميع، كما أن الحرية من حق الجميع ايضاً، ولكن! اذا نزيح الستار قليلاً عن طبيعة الحياة الاجتماعية في الغرب نجد الفارق الكبير في الفهم والتعامل مع هذه الغريزة بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الاسلامية.

اعتقد لو اطلعنا قليلاً على طبيعة الحياة الجنسية في الغرب لعرفنا سبب كل هذه الضجّة المفتعلة حول هذه الغريزة التي أودعها الله –تعالى- في نفس كل انسان، تولد معه، ويكبر معها الى آخر حياته، وحتى لا نظلم ابناء المجتمع الغربي، وكل من هو غير مسلم ويمارس الجنس بالشكل والطريقة التي وصلته من مصادر الثقافة والتربية، فلا مجال هنا للإدانة مطلقاً، و”الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام.

⭐ الانظمة الاجتماعية في العالم؛ سواءً المنتمية الى الأديان والمذاهب ذات التوجه المعنوي، او تلك المنتمية الى ايديولوجيات يمكن وصفها بالمادية، لديها شيء اسمه “زواج” بين رجل وامرأة

الانظمة الاجتماعية في العالم؛ سواءً المنتمية الى الأديان والمذاهب ذات التوجه المعنوي، او تلك المنتمية الى ايديولوجيات يمكن وصفها بالمادية، لديها شيء اسمه “زواج” بين رجل وامرأة، ثم هنالك انجاب معترف به، وايضاً أسرة لها حقوق، بيد أنها تفتقر –للأسف- الى شيء اسمه “قيم” كما موجود في النظام الاجتماعي بالاسلام، فالزواج نفسه يمثل قيمة عالية جداً في الاسلام، ليس لانه يجمع بين رجل وامرأة في فراش واحد، فهذا ما يفعله الجميع في كل  انحاء العالم، بل لأنه يؤسس لأسرة متماسكة فيها أبناء صالحون، وهذا التماسك والصلاح ينعكس خارج حدود البيت والأسرة ليترك آثاره على المجتمع والدولة وحتى الحضارة، فيكون التطور والتقدم، كما كانت تجربة الحضارة الاسلامية في القرون الاولى من التاريخ الاسلامي، فثمة أشياء و أمور لها قيمة وأهمية بالغة مثل؛ الحجاب للفتاة، والعفّة للرجل، ومنظومة الأخلاق والآداب؛ كلها ذات مدخلية في تحقيق حياة آمنة ومزدهرة، بعيدة عن القلق النفسي، والاضطراب وكل ما من شأنه يُسيء لحياة الانسان.

وهذا بالضبط ما تفتقده كثير من المجتمعات حول العالم، فهي تتقدم علمياً بيد أنها تعاني التخلف الاجتماعي، فنراها تبتكر وتبذل جهوداً مضنية لترقيع ثغرات نفسية في الرجل والمرأة، وما من شأنه انقاذ الأسرة من التفكك، كما هو الحال في الصين واليابان ودول اوربية، فيما نرى دولة تمد أذرعها الاخطبوطية في كل أرجاء العالم، وتعد نفسها الأقوى عسكرياً وسياسياً واقتصادياً في العالم، مثل اميركا، بيد أن المواطن الاميركي يشعر أنه الأضعف والاكثر تعرضاً للقلق والاضطراب في العالم.

نمط الحياة في ظل النظام الرأسمالي جعل معيشة المجتمعات الغربية نكداً، يُضاف اليها الاهتمام بالشأن العسكري والسياسي منذ الحرب العالمية الثانية، ومن ثم التدخلات السياسية والعسكرية في دول العالم الثالث وما أنتجه من ارتدادات خطيرة ليس أقلها “الارهاب”، ولسنا بوارد الخوض في هذا الحديث، بقدر ما نريد الوصول الى الخاصرة الهشّة التي آلمت المجتمع الغربي وسببت له أمراض نفسية نسمع عنها مثل؛ الكآبة، فجاءت المحاولات من أصحاب الشأن في الغرب لمعالجة هذه الحالة من خلال الجنس! فانطلقت منذ خمسينات القرن الماضي، منصّات إعلامية وفنية، مثل؛ الصحافة والسينما لعرض مواد بمحتويات جنسية بظنها أنها تبعث الراحة والانبساط في نفس الانسان الاوربي والاميركي المتعب بسبب العمل المتواصل لساعات طوال لتوفير ثمن السكن والطعام والملابس والدراسة وغيرها.

قرأت حواراً مع مؤسس مجلة “بلاي بوي” المتخصصة بالموضوعات الجنسية أن هدفه من هذه المجلة هو توفير الراحة والاستقرار النفسي للقارئ الغربي، فالقضية بعيدة عن اللهو وقضاء الوقت مطلقاً، كذلك الأمر بالنسبة لصالات السينما والصحافة والتلفاز، وحتى المؤلفات؛ كلها عبئت طاقاتها الفكرية والفنية والابداعية لنقل الانسان الغربي من حالة الكآبة واليأس، الى حياة الأمل، والحب، والنظرة الايجابية الى الحياة، ولكن؛ ماذا كانت النتيجة؟!

⭐ لنعود الى بلادنا الاسلامية ونرى هل نشكو أزمة الأخلاق والآداب والقيم الانسانية والدينية التي جاء بها الاسلام من خلال القرآن الكريم وعلى لسان النبي الأكرم والأئمة المعصومين؟

قرأت تقريراً عن الحياة الجنسية في اوربا يكشف عن جهل وتخلف غريب في كيفية الاستفادة من الغريزة الجنسية، فجاءت احصائيات مريعة بنسبة عالية من الفشل في الممارسة الجنسية بين الازواج او بين الشريكين –كما جاء في التقرير- بسبب ضرب الرجل للمرأة في لحظات يفترض ان تكون حميمية، او حتى يبصق عليها! ولذا بات من الطبيعي أن نسمع بأسرة فيها أم لها أولاد من عدّة رجال! او أن يبحث الرجل المتزوج عن متعته الكاملة في بيوت الدعارة والملاهي الليلية، والنتيجة الطبيعية؛ أن يلغي الرجل من ذهنه فكرة العيش مع امرأة تعارضه في المشاعر والحاجات ونمط التفكير، وكذا المرأة توصلت الى نفس النتيجة، والحل؛ التخلّي تماماً من فكرة الزواج بين الرجل والمرأة وتأسيس بيت جديد يعيش فيه رجلين او امرأتين علّهم يجدون الراحة والاستقرار النفسي!

لنعود الى بلادنا الاسلامية ونرى هل نشكو أزمة الأخلاق والآداب والقيم الانسانية والدينية التي جاء بها الاسلام من خلال القرآن الكريم وعلى لسان النبي الأكرم والأئمة المعصومين؟

وهل لدينا أزمة جنس في بلادنا، مثلاً؛ بحيث يصعب على الشاب إيجاد الفتاة المناسبة له؟

نعم؛ لدينا مشكلة في التطبيق، و سوء فهم المعايير والضوابط الموجودة اساساً والمؤدية الى زواج مثالي ومُثمر، بيد أن مجتمعاتنا تخلو من ظواهر طالما أرّقت ألحقت بالمجتمعات الغربية الخزي والعار، مثل؛ الانتحار، والاجهاض، وانتشار الامراض الجنسية، وأبرزها “الأيدز”.

وإذن؛ القضية لا تتعلق بالجنس بمجملها، وإن كانت هي مادتها الأساس ونقطتها المثيرة، بقدر ما هي مشكلة ثقافية بامتياز، وإلا ماذا نفسّر زواج فتاة شقراء بعينين زرقاوين من كلب أسود؟! هل ستمارس معه الجنس مثلاً؟! أم انها ستواصل علاقاتها الجنسية الطبيعية خلف الستار كما تفرض عليها الفطرة السليمة؟

ولا أشك أن حال الرجال المدّعين الزواج من نظرائهم، أنهم يطيقون الابتعاد عن النساء لايام قبل أن يعاودوا علاقاتهم وممارساتهم خُفية، ونفس الأمر بالنسبة للنساء. المجتمعات الغربية، ومعها مجتمعات أخرى في العالم تعاني من فقر شديد في الثقافة الاجتماعية والجنسية وتحتاج للمساعدة في حقيقة الأمر، ولا أدلّ على ما نقول مما يفصح عنه الاشخاص المتعرفون على الإسلام في تلك البلدان، وكيف انهم انبهروا للوهلة الأولى بما في الاسلام من نظام اجتماعي وقيم اخلاقية وانسانية عظيمة هي من تحقق للانسان السعادة في أي مكان بالعالم.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا