يقول أمير المؤمنين، عليه السلام، في صفة الضال: “وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللهِ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ. وَيَغْدُومَعَ الْمُذْنِبِينَ، بلاَ سَبِيلٍ قَاصِدٍ، وَلاَ إِمَامٍ قَائِدٍ”. ويقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “فَأَفِقْ أَيُّهَا السَّامِعُ مِنْ سَكْرَتِكَ، وَاسْتَيْقِظْ مَنْ غَفْلَتِكَ، وَاخْتَصِرْ مِنْ عَجَلَتِكَ”.
أغلب البشرية تعيش الغفلة، بل حتى المؤمنين تنتابهم فترات يعيشون فيها غفلة عما يُراد بهم؛ غافل عن الحساب، والجزاء، وغافل عن حقيقة نفسه، فتراه يعيش الغفلة بسبب استجابته لاهوائه وشهواته، او بسبب استرساله مع متطلبات الحياة.
حينما ينغمس الانسان في مشاغل الدنيا ومتطلباتها بأي اسم كان؛ بعنوان الحضارة، او عنوان الشهوة، يجعله يعيش الغفلة، وبالتالي يعيش الضلال، ولا يعرف طريق الهدى.
تارة يكون سبب الغفلة حب المال، فتراه غارق في جمع المال، وتارة يكون سببها اللهو، فيكون غارقا على جهاز موبايل مثلا، فيأخذ وقته ليلا ونهارا، وتارة يكون سببها شهوة ما؛ فيعيش لذة الأطعمة، او هوى الجنس، وهكذا يعيش الانسان في الغفلة بأي سبب كان.
⭐ الذي يطلب العلم من أجل رضا الله ـ تعالى ـ لا يعيش الغفلة لانه لن يجعل الكتاب مانعا عن صلاته، وعن معرفته بالدين، وارتباطه بقيم السماء
بعض الفتيات تكون غافلة تحت عنوان الكتاب المدرسي، فلا شغل لها الا ذلك الكتاب؛ فلا تؤدي صلاتها، ولا تعرف التكاليف والاحكام الشرعية.
بعض المبدعين والمخترعين الذين لا يعيشون الإيمان مع ما لهم من درجة علمية إلا انهم غافلين، باسم العلم والحضارة.
العلم مطلوب لكن يجب ان يكون في طاعة الله ومرضاته، لا ان يسلك الإنسان طريقا براقا، وهدفه الدنيا والمصالح الشخصية، فالتفوق يجب أن يكون له هدف، ويكون طريقا الى الجنة، اما ذلك الذي يتخذ من الحق سمعةً، ويحقق مآربه فإنه يعيش الغفلة عما يراد به.
الذي يطلب العلم من أجل رضا الله ـ تعالى ـ لا يعيش الغفلة لانه لن يجعل الكتاب مانعا عن صلاته، وعن معرفته بالدين، وارتباطه بقيم السماء.
⭐ بالقراءة الواعية للقرآن الكريم، وروايات النبي وأهل بيته، صلوات الله عليهم، نخرج من مأزق الغفلة
الحياة لا تتوقف بمجرد ان الانسان لم يدخل الجامعة، او انه لم يحصل على وظيفة معينة، فالحياة تتقدم نحو الأمام في مجالات كثيرة، كما انها تتأخر في أخرى، لكنها بالتالي تتقدم، وتتغير، وتتبدل، فبإمكان الانسان ان يستفيد من تغيرات وتطورات الحياة، لتكييف نفسه مع متغيراته وظروفه الخاصة، فيستفيد من المتغيرات لكي يعيش اليقظة الدائمة.
نحن بحاجة الى انتباه دائم من خلال قراءتنا لكتاب الله، وتطبيقه في واقعنا الخارجي، وربط ما نقرأه ـ من كتاب الله ـ مع اقعنا وواقع أمتنا، قراءة إرادة وتطلع وطموح، وقراءة واقع قابل للوجود، وليس قراءة مثالية لا واقع لها، فالوحي ما جاء إلا بما هو واقع ويمكن تطبيقه بإرادة وسعي الإنسان، فإذا اردنا ان نعيش اليقظة فلابد أن نقرأ كتاب الله قراءة واعية وواقعية.
كذلك فيما يخص روايات أهل البيت، عليهم السلام، يجب أن نقرأها قراءة معاصرة، وقراءة خطاب موجه لنا جميعا، وما على الإنسان إلا العمل وفقها، وحسب ظروفه، وامكانيته.
بالقراءة الواعية للقرآن الكريم، وروايات النبي وأهل بيته، صلوات الله عليهم، نخرج من مأزق الغفلة، وبذلك نُخرج مجتمعنا من غفلته وسباته، ذلك أن قراءة الواقع لا تتم من خلال الواقع نفسه، بل من خلال الوحي، والعقل، والإرادة الإنسانية، أما حين يقرأ الإنسان الواقع من خلال الواقع نفسه الذي هو ضيّق في نفسه، فإنه يصاب بالإحباط، لأنه إذا اردنا قراءة الواقع لابد أن نقرأه من خلال الواقع المنير ككل، لا أن يتم قراءة جزء منه.
قراءة الواقع بجزئية يصيب الإنسان بالإحباط وبالتالي الغفلة، فإذا كان هنا حالة تخلّف ففي مكان آخر حالة تقدم، وإذا كان هناك إرهاب فهناك عدالة، واذا كان في مجتمع ما خمول، ففي مجتمع آخر حركة ونشاط.
إذا قرأنا القرآن الكريم، وروايات أهل البيت، عليهم السلام، وقرأنا الواقع، بقراءة الفطرة، والعقل، حينها سنتمكن من فهم حقيقة الوجود، والنفس والواقع، ونتيجة ذلك يكون التغيير، وبذلك يخرج الفرد والمجتمع من حالة الغفلة، وتلك الثلاثة الأمور ـ القرآن والروايات والعقل ـ إذا اجتمعت فإنها تخلق نهضة حضارية ربانية تقتلع من من الأمة الغفلة والسبات الذي سبب تراجعنا وتخلفنا.