أن يتحلّى الانسان بصفات أخلافية مثل؛ الصدق، والتواضع، والعفو، والصبر، والحلم، فهذا ما يجعله محبوباً بين الناس.
و أن يكون مؤمناً، و متقياً، ومشترعاً، فهذا ايضاً يرفع رصيده الاجتماعي بالمودّة والثقة بين افراد المجتمع في مجالات عديدة بالحياة.
فهل يعني هذا أن يكون لدينا مؤمناً يخاف الله ـ تعالى- لكن لا يرى ضرورة أن يكون متواضعاً، ولا أن يكون متسامحاً مع الآخرين؟!
وهل يعني بالمقابل أن نجد الخَلوق والمؤدّب الذي يحترم نفسه والآخرين، ولا يلتزم بالاحكام الشرعية، وقيم الدين، مثل الحجاب –مثلاً- والفرائض الدينية؟!
- الأخلاق قبل الإيمان
انفصال الاخلاق عن الإيمان يكون عند نقطة التوقف على المسمّيات الظاهرية، فيقال لهذا: صادق، او ذاك؛ نزيه لا يغشّ الناس، بينما يكون الطريق سالكاً الى التكامل بين هاتين القيمتين المقدستين عندما نأخذ “بالمفهوم الواسع للأخلاق، وهي الخلفيات الروحية للأخلاق الفاضلة، فالصدق ـ مثلاً- نابع من الاستقامة في النفس، والإصلاح ناتج عن رؤية صافية الى الحياة، والوفاء منبثق من شجاعة نفسية، بينما الكذب والنميمة والتهمة والغيبة نابعة من انحرافات نفسية، وتشوش واضطراب في الرؤية، وفقدان البصيرة في الحياة”. (الأخلاق عنوان الإيمان- المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي).
⭐ نأخذ “بالمفهوم الواسع للأخلاق، وهي الخلفيات الروحية للأخلاق الفاضلة، فالصدق ـ مثلاً- نابع من الاستقامة في النفس، والإصلاح ناتج عن رؤية صافية الى الحياة
هذه الخلفيات النفسية والروحية للصفات الاخلاقية هي التي توفر الوعاء النقي لاحتواء الإيمان والتمسك به على طول الخط، فيكون للأخلاق قيمة، كما يكون للأيمان قيمة على ارض الواقع.
القرآن الكريم يسلط الضوء في عديد الآيات الكريمة على هذه النقطة المحورية عندما يذكر الأبعاد الواسعة للصفات الاخلاقية في شخصية الفرد والمجتمع الإيماني، فالاخلاق المتجذرة في النفس هي التي تعطي المصداقية لإيمان الانسان، ففي سورة الحجرات نقرأ ثلاث آيات كريمة متتابعة تخاطب “الذين آمنوا” محذرة إياهم من السخرية لبعضهم البعض، وهو ما يسمى اليوم “التنمّر”، وايضاً؛ من التجسس و ظن السوء، والغيبة، كلها تدور حول محور الثقة بين افراد المجتمع، فالذي يأمن الناس لسانه من التهمة والغيبة والسخرية هو المؤمن الحقيقي الذي يقصده القرآن الكريم دائماً، كما أن برّ الوالدين الموصى به في سورة الإسراء، و الصورة الرقيقة والرائعة التي رسمها القرآن بأن {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ}، تؤشر الى صفة الرحمة الواجب توفرها في نفس الولد وهو يبرّ والديه، فما يفعله من برّ لهما يمثل امتداد لتلك الصفة المشتقة من إحدى صفات البارئ ـ عزّوجل-، ومن ثمّ فأن هذا العمق من الأخلاق يجعله “قاعدة لسائر الفضائل، بل منطلقاً حتى للإيمان بالله ـ تعالى-“.
- التربية تعزز الإيمان
عندما نتحدث عن المفهوم الأوسع للأخلاق يعني أننا نعطي التربية دوراً حاسماً في التكاملية بين الاخلاق والايمان، وإلا من الذي يبين للانسان أن سوء الظن تفكير خاطئ، وأن التكبّر يؤدي لأن ينازع الانسان ربه ـ عزّوجلّ- رداءه، يقول الحديث القدسي المروي عن رسول الله: “الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في ناري”، او أن التواضع يضمن لصاحبه الرفعة من قبل الله –تعالى- “من تواضع لله رفعه”، وليس كما هو الشائع اليوم عند البعض بأن الصحيح هو التعالي والمكابرة، أما التواضع مدعاة للضعف والخسارة؟
⭐ إن التربية في محيط الأسرة، ومن ثمّ في المدرسة والجامعة والحوزة العلمية، هي التي تخلق العادات اليومية، والآداب، وتقوّم السلوك
و عودة الى القرآن الكريم وما فيه من بصائر تربوية عظيمة تبين كيف أن النبي ابراهيم يعلّم ابنه اسماعيل كيفية الطاعة من خلال الصراحة بما رأي في المنام، وكيف يعلم النبي يعقوب أبنائه ـ رغم انغماسهم في الخطيئة – كيفية الصبر والتأنّي وعدم اليأس في البحث عن أخيهم يوسف، وأكثر من ذلك؛ كيف أن لقمان الحكيم يعلم ابنه تلك المنظومة الاخلاقية الرائعة مع أن لقمان لم يكن نبياً او رجلاً معصوماً، بقدر ما كان رجلاً صالحاً عصامياً أخلص نفسه لله –تعالى- فجاءت وصاياه لابنه في إطار سورة كاملة باسمه في القرآن الكريم شرّفه بها الله –تعالى-. إن التربية في محيط الأسرة، ومن ثمّ في المدرسة والجامعة والحوزة العلمية، هي التي تخلق العادات اليومية، والآداب، وتقوّم السلوك، وتهذب النفس، من مرحلة الطفولة، وحتى المراهقة ثم الشباب، فاذا كان السلوك حسناً والنفسية طيبة، والآداب رفيعة يمكننا الاطمئنان على ايمان راسخ وحقيقي ينتقل من قلب المؤمن، ومن حالته المعنوية الكامنة في النفس، الى الميدان العملي، حيث يكون سبباً في تكوين أسرة صالحة ومعطاءة، وتنمية طاقات وقدرات جبارة في مختلف الاختصاصات تسدي الخدمة لأبناء المجتمع والامة، ثم تكون كل تصرفات الطبيب والمحامي، والمعلم، والطالب، والخباز والنجار والموظف الحكومي والمرأة والفلاح، وحتى زعيم الدولة، منبعثة من مزيج غير قابل للانفصال بين الأخلاق والإيمان، حيث نلمس على أرض الواقع مصاديق عملية للأخلاق والفضيلة.