يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب”.
لسنا معصومين من الخطأ لابد وان الشيطان يستولي على الإنسان بين فترة وأخرى، فيرتكب المعصية، سواء كانت تلك المعصية بين العبد وبين الرب، أم بينه وبين الناس، والسؤال هو: حينما يرجع الانسان الى ضميره ويحتكم الى عقله ويكفّر عما بدر منه من معاصٍ وذنوب، فماذا عليه أن يعمل؟
الباب دائما مفتوح أمام الإنسان ولا يمكن لله ـ عز وجل ـ الذي فتح باب التوبة أن يغلق باب القبول، إنما السؤال المطروح: كيف نتوب؟
من السهل أن يستغفر الإنسان بلسانه، بل ومن السهل أن يندم على ما فعل، لكن هل يكفي ذلك للتوبة؟
إذا ارتكب الانسان ذنبا فلا يُغسل ذلك الذنب بمجرد الندم، فليس كل الذنوب تغسل بالندامة، بل لابد مع الندم من عمل، فإذا كان ـ المذنب ـ في موقف خاطئ فلابد أن ينتقل الى الموقف الصحيح؛ فإذا كان في جبهة الباطل فلابد أن ينتقل الى جبهة الحق، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “اتق الله حيث كنت وخالق الناس بخلق حسن، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحوها”.
⭐ من السهل أن يستغفر الإنسان بلسانه، بل ومن السهل أن يندم على ما فعل، لكن هل يكفي ذلك للتوبة؟
الذنوب الصغيرة تُغسلُ بالحسنات الصغيرة، لكن الذنب الكبير لا يغسل الإ بعمل عظيم عند الله، وأمير المؤمنين، عليه السلام، في هذه الرواية التي توجنا المقالة بها، يحدد ذلك العمل العظيم عند الله “من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب”، معاونة المظلوم ومد يد العون إليه من تعد من تلك الكفارات، وذلك من قبيل اذا اصيب رجل بمصيبة أو كارثة.
مبدئيا وقبل أن نرتكب الذنب العظيم فإن من واجب المسلمين أن يساعد بعضهم بعضا، فالنبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، لا ينظر الى مسلم ولا ينظر الى آخر، بل ينظر الى الأمة الإسلامية، وكذلك هو القرآن الكريم، خطاباته الى المسلمين كأمة إسلامية متكاملة، ولا يمكن أن يشكّل المسلمون وحدة مكتاملة إلا إذا كان كل واحد منهم يكاتف الاخر، ويمد اليد اليه، سواء كان في حالة الرخاء أم الشدة.
قد لا يكون عند الإنسان دافع لاغاثة الملهوف، فيكون ذلك الدافع هو ارتكاب الذنب، فيكون دافعا لغسل الذنب، يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “نصرة المؤمن على المؤمن فريضة واجبة”، بعضنا إن رأى مظلوما يصرخ فمد اليه يد المساعدة، فيظن انه متفضل على ذلك المظلوم، او تجد البعض يتردد في نصرة المظلوم، فهو بين الإحجام والإقدام. نصرة المظلوم واجبة كالصلاة، فالمؤمن حين يصلي هل له فضل على ربه؟
يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: من اصبح ولا يهتم بامور المسلمين فليس في الاسلام في شيء”، فمثل هذا لم يفهم معنى الصلاة، والصيام، والحج، فإذا اصبح الصباح فهمّه اللحم الذي يأكله في الغداء، والملابس التي يرتديها وما اشبه.
من السهل أن يصلي الإنسان لانه أناني ويريد الخير لنفسه، وهكذا فهو يحج، ويصوم وما اشبه، لكن العمل العظيم عند الله عند يمد المؤمن يد الخير الى الآخرين، ويصل النفع إليهم، “خصلتان ليس فوقهما شيء الإيمان بالله والنفع لعباد الله”، وأي عبدٍ أولى بالنفع من إنسان ملهوف، أو مظلوم؟
يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “من أطعم مؤمنا اطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقاه سقاه الله من الرحيق المختوم ومن كساه ثوبا لم يزل في ضمان الله عز وجل ما دام على ذلك المؤمن من ذلك الثوب سلك والله لقضاء حاجة مؤمن خير من قيام شهر واعتكافه”.
الصلاة التي تورث صاحبها انانية ولا تدفعه الى المعروف للناس، ولا تنهاه عن منكر بحقهم، هذه الصلاة التي يصفها النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: “كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء، حبذا نوم الأكياس وإفطارهم”.
⭐ من السهل أن يصلي الإنسان لانه أناني ويريد الخير لنفسه، وهكذا فهو يحج، ويصوم وما اشبه، لكن العمل العظيم عند الله عند يمد المؤمن يد الخير الى الآخرين
نحن نحتاج غدا الى من يأخذ بأيدينا وينقذنا من الذنوب العظام، “إن بين الواحد منكم وبين القيامة سبعون عقبة اهونها الموت”، فإن لم يكن لنا عمل نستطيع أن نقدمه فماذا سنقول لرب العالمين؟
فأيّ عمل أفضل من التنفس عن عائلة شهيد قد اصابها الكرب والغم ذلك الشهيد الذي ضحّى من أجل الجميع؟
نظر أمير المؤمنين عليه السلام، إلى امرأة على كتفها قربة ماء، فأخذ منها القربة فحملها إلى موضعها، وسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي( زوجي) إلى بعض الثغور فقتل، وترك عليَّ صبيانا يتامى، وليس عندي شئ، فقد ألجأتني الضرورة إلى خدمة الناس، فانصرف وبات ليلته قلقا، فلما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فقال: من يحمل وزري عني يوم القيامة؟
فأتى وقرع الباب، فقالت: من هذا؟
قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان، فقالت: رضي الله عنك وحكم بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لأخبز أنا، فقالت: أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، ولكن شأنك والصبيان، فعللهم حتى أفرغ من الخبز.
قال: فعمدت إلى الدقيق فعجنته، وعمد علي عليه السلام، إلى اللحم فطبخه، وجعل يلقم الصبيان من اللحم والتمر وغيره، فكلما ناول الصبيان من ذلك شيئا قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب في حل مما أمر في أمرك، فلما اختمر العجين قالت: يا عبد الله أسجر التنور فبادر لسجره فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الأرامل واليتامى، فرأته امرأة تعرفه فقالت: ويحكِ هذا أمير المؤمنين.
قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أمير المؤمنين، فقال: بل واحيائي منك يا أمة الله فيما قصرت في أمركِ”. (بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤١ – الصفحة ٥٢).
- مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي (حفظه الله).