{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا. قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم}. (سورة الحجرات، الآية14).
ليس الايمان مجرَّد إدّعاء، بل الايمان يعني تغييراً جذرياً في حياة الانسان.
فأولاً: ينبغي أن يدخل الايمان في القلب، والقلب في الثقافة الدينية هو مركز التعقل والتفكر والاعتقاد والعواطف، فالخطوة الاولى هو التغيير الفكري والثقافي والعقائدي في الاتجاه الرباني الصحيح، ولذلك خاطبت الاية الكريمة الاعراب الذين زعموا أنهم مؤمنون بأنه: {لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ولأنكم كذلك فأحكام الاسلام تترتب عليكم من صيانة النفس، والمال، والعرض، وما شابه. أما آثار الايمان فلا تترب: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}.
وثانياً: فإن الخطوة التالية – بعد دخول الايمان في القلب – هي ترجمة هذا الايمان القلبي الى ساحة العمل، ففي العمل يتجلى الايمان في الطاعة؛ طاعة الله، وطاعة الرسول ومن يشكل إمتداداً للرسول من الأئمة الهداة ونوابهم الفقهاء العدول: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}.
⭐ ليس الايمان مجرَّد إدّعاء، بل الايمان يعني تغييراً جذرياً في حياة الانسان
وإذا تتبعنا سيماء المؤمن الحقيقي في القرآن الكريم لوجدنا الكثير من الآيات الكريمة التي تدلنا على ذلك، نتلو بعضها فيما يلي:
لا للطاغوت
1- اجتناب عبادة الطاغوت والرجوع الى الله ـ تعالى ـ في كل امور الدين والدنيا: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ}.
فعباد الله الذين تأتيهم البشرى من الله بالفوز هم: من يرفضون الطاغوت ويدخلون في حصن الله.
الانفتاح واختيار الاحسن
2- ثم المؤمن ليس منغلقاً على نفسه، بل هو منفتح على كل قول وكلام ودعوى دون أن يعتقد بها ويعتنقها، إنما المؤمن يستمع القول ويقيِّمه ويعرضه على ثوابت الدين والعقيدة، فيختار أحسن القول ويدع القول السيّء جانباً: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
⭐ لا يقتصر عمل المؤمن على ما يرتبط بشخصه الفردي فقط، بل المؤمن اجتماعي الى درجة كبيرة، ولذلك فهو يتعاون مع سائر المؤمنين، بل مع عامة الناس في الامور الايجابية المفيدة
فالعاقل – والذي يعبر الله عنه بـ (اولوا الألباب) – والمهتدي بهداية الله هو من يفكر في الأقوال ويختار ما يتوافق مع ثوابت دينه.
المسؤولية الاجتماعية
3- المؤمن يشعر بالمسؤولية تجاه مجتمعه (الصغير أو الكبير)، فسواء في أسرته، أو قبليته، أو عشيرته، أو الشعب الذي يعيش بين ظهرانيه، يتبع نهج التواصي، حيث يوصي الآخرين بالاستقامة في مواجهة التحديات (الصبر) وبالتعامل الايجابي مع سائر الناس (المرحمة):
{ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}. كما يوصيهم بالالتزام بالحق: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.
الأمر والنهي
4- ولا يقف عند حدود التواصي فقط، بل يخطو خطوة أبعد في التغيير الاجتماعي حيث يأمر بالمعروف، أي بكل أمر حسن ايجابيّ مفيد، وينهى عن المنكر، عن كل سيئة وعمل سلبي ضار بالنفس أو المجتمع: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.
المسارعة في الخير
5- ولكنه لا يكتفي بأمر الآخرين ونهيهم، لأن هذا وحده لا يكون مؤثراً إن لم يكن هو عاملاً أيضاً، لذلك فهو ممن: {يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}، فيبادر لعمل الخير الذي يأمر به، فيكون قدوة في ساحة العمل والتطبيق وليس في عالم الكلام، والأمر والنهي بالقول.
التعاون الايجابي
6- ولا يقتصر عمل المؤمن على ما يرتبط بشخصه الفردي فقط، بل المؤمن اجتماعي الى درجة كبيرة، ولذلك فهو يتعاون مع سائر المؤمنين، بل مع عامة الناس في الامور الايجابية المفيدة (البِرَّ) وفيما يعمِّق التقوى في النفوس ويُصلح المجتمع، فهو يطيع أمر ربه القائل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}، وليس هذا فحسب بل يطيع ربه في الجانب السلبي أيضاً: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. فهو لا يدخل في أي عمل ونشاط وتعامل يصنَّف في خانة التعاون السلبي على المعاصي والذنوب والاعمال السلبية المضرّة بالنفس او المجتمع: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وهكذا علينا أن نتلو القرآن يومياً، ونشير على الآيات التي تطالبنا بموقف او عملٍ مّا، ثم نتدبر في الآيات ونسعى لتطبيقها في حياتنا الفردية والاجتماعية، لكي نصنَّف مع المؤمنين في يوم الحساب.