يطيب لنا بادئ ذي بدء أن نتقدم بالتهنئة العطرة للعالم الإسلامي ومراجع الأمة وعموم المسلمين بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.
قال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ} (٢- سورة الجمعة).
📌إن المهمة الأساسية لنبي الله الأعظم ،صلى الله عليه وآله وسلم، تكمن في أمرين، أولهما هداية الناس وإخراجهم من ظلمات الجهل الى نور العلم والصلاح والفضيلة، وثانيهما محاربة الفساد والرذيلة والجهل وكل عوامل الانحطاط والتخلف
إن المهمة الأساسية لنبي الله الأعظم ،صلى الله عليه وآله وسلم، تكمن في أمرين، أولهما هداية الناس وإخراجهم من ظلمات الجهل الى نور العلم والصلاح والفضيلة، وثانيهما محاربة الفساد والرذيلة والجهل وكل عوامل الانحطاط والتخلف.
ثلاث ملاحظات قبل البدء ببحث أولويات الأمة في ظل الأوضاع الراهنة التي تحكم العالم، وتهيمن عليه وما تعيشه حضارتنا الإنسانية من أزمات وتخلف وانحطاط رغم كل المظاهر المزيفة للمدنية القائمة.
الملاحظة الأولى: قانون وراثة الأنبياء، إننا نقف في هذه المناسبة العظيمة للحديث عن أعظم رجل عرفته الإنسانية وما تمثله هذه القضية من قيمة أخلاقية ومعرفية كونية كبرى ذلك أن النبي، صلي الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى عظمة شخصيته وإنجازه هو الوارث لكل ما جاء به كل الأنبياء والرسل ولذلك فإن الحديث عنه هو بالضرورة حديث عن كل الإرث الإنساني الذي خلفه جميع الأنبياء والرسل منذ بدء الخليقة وليومنا هذا، وأمام ذلك فإن المهمة لقيادة الحضارة الإنسانية شاقة وصعبة وليست كما يبدو للبعض بأنها سهلة وبسيطة.
الملاحظة الثانية: قانون الرحمة: في حركة النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، حيث يجب أن نفهم بأن الغاية الرئيسة والبعد الإستراتيجي الذي يغطي كل عناوين وتفاصيل حركة النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، تبدأ وتنتهي عند بعد الرحمة على العالمين لقوله تعالى : {وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً للعَالمِينَ}. (١٠٧-الأنبياء).
وبهذا يتضح بأن الغاية السامية والهدف الأعلى من حركة الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، هو الرحمة، والتي تتجسد في إنقاذ الناس من الشقاء والبؤس إلى عالم تسوده العدالة ومجتمعات يقوم فيها القسط، وهكذا ينبغي أن لا يفوتنا هذا القانون عند الحديث عن أي مفصل أو جانب من حياة هذا النبي العظيم وحركته الإنسانية الكونية الكبرى.
الملاحظة الثالثة: قانون القدوة والأسوة الحسنة، فنحن مأمورون بالتأسي وجعل النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، محوراً ومرتكزاً في كشف المنهج والوسائل والطرق التي نعالج بها المشكلات التي تعصف بنا لقوله ـ تعالى ـ : {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا}.(٢١-الأحزاب).
يمر العالم وأمتنا الإسلامية بظروف صعبة وقاسية ولن نجد طريقا لمجابهة كل التحديات المعاصرة الا من خلال التواضع للمعرفة الحقة والتتلمذ الجاد في مدرسة هذا النبي العظيم، صلى الله عليه وآله وسلم.
المهام الأساسية التي تحمل مسؤوليتها نبينا الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم: في البداية ولكي نستطيع أن نحدد أولوياتنا في وقتنا المعاصر على ضوء التجربة العظمى لنبي الأمة، صلى الله عليه وآله وسلم، فإننا لابد أن نتوقف عند سيرته العطرة وننظر إلى تجربته الغنية وما قام به، صلى الله عليه وآله وسلم، لنستخلص من خلالها الرؤية والمنهج، خاصة في خضم سعينا لمواصلة طريق جميع الأنبياء والرسل من أجل إنقاذ البشرية من ظلام الجهل والتخلف إلى نور الحضارة الراقية التي تشع الفضيلة والخير والرفاه والرخاء والسلام لعموم بني البشر.
وفي هذا السياق، نحاول في هذه العجالة أن نقرأ من سيرته المباركة أهم المهام والمسؤوليات التي تحملها وقام بها، لقد قام النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، بثلاث مهام استراتيجية وهي:
المهمة الأولى: نشر العلم والمعرفة، لقوله تعالى : {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ}. (٢-الجمعة). فلا يخفى إن الإرتقاء بالمستوي العلمي والمعرفي كان هاجساً ملحاً في فكر وحركة النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، بل تمحورت رسالة السماء حول إثارة العقول واستنهاضها للعلم والمعرفة، وها هو نبينا الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم.
📌 لا يخفى إن الإرتقاء بالمستوي العلمي والمعرفي كان هاجساً ملحاً في فكر وحركة النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، بل تمحورت رسالة السماء حول إثارة العقول واستنهاضها للعلم والمعرفة
إننا نلاحظ اليوم في عالمنا المعاصر كيف تتفوق الأمم التي تمتلك ناصية العلم والمعرفة وأدواتها التقنية المتعددة بينما تتخلف وتتأخر المجتمعات التي تعيش أسر الأمية والجهل.
المهمة الثانية: التزكية والتهذيب، لقوله ـ تعالى ـ: {لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ}، (١٦٤-آل عمران)، فلا قيمة للعلم والمعرفة اذا لم يضبط إيقاع البواعث والمنطلقات للإستفادة من العلم والمعرفة في تحقيق السعادة والرفاه للإنسانية، وهذا هو بالدقة أحد معاني قانون الرحمة الإلهي حيث يغطي كل شاردة وواردة في الحركة والتأثير في المجتمعات الانسانية.
وهنا لابد من الإشارة الى أن ثقافة الكراهية وبث الضغائن والأحقاد ليس لها مكاناً او محلاً في قاموس حركة النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يعني بالنسبة للإنسانية الشيء الكثير الذي يجب ان نلتفت اليه.
المهمة الثالثة: بناء الحياة الطيبة، والسعي من أجل بناء الإطار الذي تتحقق من خلاله وفيه الحياة الطيبة لقوله تعالى : {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱسْتَجِيبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.(٢٤-الأنفال)، ولقوله تعالى: {ولنحيينكم حياة طيبة}.
إن الحياة الطيبة غاية من الغايات الكبرى في الإسلام وبها ومن خلالها تتحقق إنقاذ البشرية من ظلام الجهل الى نور العلم والمعرفة التي من خلالهما تتحقق السعادة والرفاه.
- أولويات الأمة في المرحلة الراهنة
ان عالمنا المعاصر يعاني من تحديات صعبة وقاسية وان الخروج من النفق المظلم هو الإعتصام برسول الله الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، كمنهج والتأسي به في مختلف مفاصل الحياة.
فما هي أولوياتنا في المرحلة الراهنة؟
- أولاً: تحديد الرؤية والمنهج
إن خلاصة ما قام به النبي الاعظم، صلي الله عليه وآله وسلم، هو العلم والتزكية وارساء وبناء قيم ومبادئ ما يحقق العزة والكرامة والحياة الطيبة التي عبر عنها القرآن المجيد، ولذلك لابد لنا من تحديد اتجاه بوصلة العمل والحركة بإتجاه هذا البُعد الأخلاقي الكبير وتأصيله في حركتنا من أجل الإنتصار للقيم والمبادىء التي جاء بها النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، في كل المجالات وسائر الإتجاهات المدنية، والاجتماعية، والسياسية، كمنهج للحركة والسلوك والعمل.
- ثانياً: المراجعة وترتيب الأولويات
إن الإحتفاء بالنبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، ليس مجرد كرنفالات إجتماعية تقدم فيها العروض البروتوكولية المجردة، وليس مناسبة مجردة لإلقاء القصائد البديعة، كما أنها ليست مناسبة لينثر فيها الورود العبقة، وإنما هي فرصة ثمينة لتقييم مناهجنا في الحياة، ومحطة مهمة لمراجعة طريقة تعاطينا مع كل التفاصيل المرتبطة بواقعنا السياسي والمدني، والإجتماعي المعاش وما فيه من تحديات ومشكلات، لنتمكن من ترتيب أولوياتنا حسب تلك المعطيات وعلى قاعدة الأهم والأولى ثم المهم.
وهكذا فإننا مع حركة الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، لنصحح المسارات المغلوطة بالمراجعة والتقييم الشامل لكل مواقفنا وسلوكنا، وبذلك نقوم بتثبيت ما هو صحيح منها وفق جميع القيم والمبادئ الأخلاقية التي نزل بها الوحي الأمين وجاء بها نبينا الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، وحسم خياراتنا في الإتجاهات الصحيحة، ولنكن على يقين بأن أمة بلا أولويات هي أمة تسير نحو الهاوية ولو بعد حين.
- ثالثاً: المبادرة وحسن الأداء
في الحقيقية لا يكفي مجرد الإيمان بجمال الفكرة وقيمتها الحضارية الكبرى، ولا يكفي التغني بمجد الإنتماء لما تمثله الرسالة الإسلامية من رقي في الأهداف وعمق في الرؤية الكونية، وإنما لابد من المبادرة إلى صناعة هذه الحضارة الإنسانية التي ينشدها الإسلام العظيم بالمثابرة والتخطيط والعمل المتواصل.
📌لابد أن يتأمل المؤمنون بالمنهج الذي سار عليه النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال قراءة سيرته برويّة وتأمل وعمق، ولابد من الارتكاز في عملية إتباع المنهج بفكرة القدوة الصالحة والتاسي الجميل بنبينا الأعظم
لا يخفى أن الذين يركنون علي هامش حركة التاريخ فإنهم لن يتقدموا شبراً واحداً في أي إتجاه، فالوصول إلى القمة، وقيادة المجتمعات البشرية بحاجة إلى النزول من منطقة السباحة في بحر النظرية والأماني الجميلة إلى النزول إلى ميدان الواقع والتصدي لتغييره بما يستلزمه من فكر وعطاء وإيثار وتضحية.
لابد أن يتأمل المؤمنون بالمنهج الذي سار عليه النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، من خلال قراءة سيرته برويّة وتأمل وعمق، ولابد من الارتكاز في عملية إتباع المنهج بفكرة القدوة الصالحة والتاسي الجميل بنبينا الأعظم، صلى الله عليه وآله وسلم، وإنطلاقاً في الحركة والعمل من قانون الرحمة الذي يشكل العمود الفقري في رسالة الإسلام.
وهذا ربما ليس ما تحتاجه المجتمعات الإسلامية اليوم فحسب، بل إنما هو ما تحتاجه البشرية وحضارتنا الإنسانية جمعاء في أن يعودوا لهذه السيرة المباركة وينهلوا منها ما يعينهم على صناعة حضارتنا الإنسانية التي صرعتها المصالح.
وهنا لابد أن يقوم المخلصون ببعث السيرة النبوية المباركة كمنهج ورؤية ورسالة، لإنقاذ البشرية والعالم من التخلف والإنحطاط والرذيلة التي تسحق إنسانيتنا اليوم تحت عجلاتها الكريهة وبلا وازع من ضمير أو دين أو أخلاق.
إن الاحتفاء بسيد أخلاق البشرية وعنوان عظمتها المتجلي في سمو وعلو مكانته في تاريخنا الإنساني هو فرصة ثمينة للغاية يجب إستثمارها في مراجعة علاقتنا مع هذه السيرة المباركة، وكيف يمكن لنا الاستفادة منها والإفادة بها لإحياء وإعادة بعث قيمها الرسالية السامية الكبرى في حياتنا وحضارتنا الإنسانية، وهو فرصة لإحياء كل عناوين الرسالة الإسلامية وقيمها ومبادئها الخلاقة، ليحيا الجميع وتحيا الإنسانية الحياة الطيبة التي وعد الله بها وهو بذلك فرصة تساعدنا في التخلص من حياة البؤس والشقاء والإحتراب الذي يسحق العالم ويطحن الإنسانية تحت عجلاته الكريهة.