يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه واشتد جهاده وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر”.
في هذه الرواية يبيّن الإمام عليه السلام، مواصفات الشيعي الحقيقي، يسهل على الإنسان ان يدعي الإيمان، ويسهل عليه أن يدّعي التشيع، بل من ولد في بيئة شيعية من أبوين شيعييَن اُطلق عليه شيعيا، وإن كان بعيدا عن منهج التشيّع.
التشيع ليس بالنسب، ولا بالوراثة، ولا بالبيئة، إنما التشيع هو منهج، ومواصفات، وهو الإتباع، وفي هذه الرواية يبيّن الإمام الصادق، عليه السلام، بعض المواصفات التي يتصف بها الإنسان الشيعي:
الصفة الأولى: حفظ البطن والفرج عن المحرمات.
الصفة الثانية: الجهاد الدائم.
الصفة الثالثة: العمل لله.
الصفة الرابعة: الرجاء.
الصفة الخامسة: الخوف من الله.
لو تأملنا تلك المواصفات لرأينا أنها تلخص صفات الانسان المتكامل الذي يسعى الى الكمال، وهو خطوط عريضة ورئيسية، ذلك أن مسببات الانحراف؛ البطن والفرج، يقول النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله: أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث الضلال بعد المعرفة .. والفرج..”، فالإنسان حين يكف بطنه عن الحرام تتقدم شخصيته، فلا يأكل أيّا من المحرمات، ويسيطر على شهوة بطنه، أما إذا كان خلاف ذلك، فهو كالحيوان: “همها علفها”، {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}.
📌التشيع ليس بالنسب، ولا بالوراثة، ولا بالبيئة، إنما التشيع هو منهج، ومواصفات
كثير من الناس ينحرفون بسبب شهوة الطعام، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت”، فالمال هل اكتسبه عن طريق الحلال؟ وأنفقه في الحلال؟ أم أن همّه الحصول على الأموال بأي طريقة كانت، ولو عبر مشروع ـ مثلا ـ فيه ضرر للمجتمع!
المال قوة ضاغطة على الإنسان فالبعض لا يهمّه أن يحصل عليه بأي طريقة كانت، فهو غير مستعد أن يعيش فقيرا بأموال حلال، بل لدى البعض استعداد ان يتركب الحرام لتأمين لقمة العيش، ومن أجل اشباع البطن!
الصفة الأخرى؛ كف الفرج، الإنسان يتعرض للمغريات، ذلك أن استمرار البشرية لا يتوقف على الطعام فقط، فكما أن هناك محرك لاستشعار الإنسان للجوع فيحركه نحو الطعام، كذلك هناك محرك يضغط على الانسان حينما يرى المغريات والمثيرات، وحين يكون الفرد ضعيفا تخرج زمام الأمور من تحت يديه، فيرتكب المحرمات، ويعتدي على الأعراض، ولا فرق بين المرأة والرجل، فالمرأة تستعرض والرجل يعتدي.
الإنسان الشيعي ـ رجل أم امرأة ـ غير ذلك الصنف، فهو الذي يتحكّم بشهوته البطنية والفرجية، والسيطرة على هذين المنفذين بداية السعي الى الكمال، وبداية القوة.
وهنا لابد من الاشارة؛ ان الانسان المؤمن لا يستجب لتك الشهوات عن طريق الحرام، وإلا فبالمال الحلال يأكل من نعم الله.
حين يحافظ الإنسان المؤمن على نفسه من الحرام فإن علاقته الاجتماعية في مرحلة متقدمة، ذلك أنه لا يظلم الناس، ولا يسرق أموالهم، ولا يخدعهم، هذا جانب، وفي الجانب الآخر؛ الناس في يأمنونه، فلا يعتدي على اعراضهم، ولا ينتهك الحرمات، لانه يرى أعراض الآخرين عِرضه.
روي عن مهزم الأسدي قال كنا نزولا بالمدينة وكانت جارية لصاحب الدار تعجبني وأني أتيت الباب، فاستفتحت ففتحت الجارية، فغمزت ثديها، فلما كان من الغد دخلت على أبي عبد الله عليه السلام، قال أين أقصى أثرك، قلت ما برحت المسجد، فقال: “أما تعلم أن أمرنا هذا لا ينال إلا بالورع”. (جامع أحاديث الشيعة – السيد البروجردي – ج ٢٠ – الصفحة ٣٠٤).
وأفضل الأعمال “الورع عن محارم الله”، مما جاء عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، في جوابه لأميرالمؤمنين، عليه السلام، حينما سأله عن أفضل الأعمال في شهر رمضان.
لذلك صيام شهر رمضان يعلّم الإنسان كيف يكف بطنه وفرجه عن الحرام، حتى أنه يستحب في باقي أيام السنة الصيام لذات العلة، والإعتكاف كذلك بأن يكف الإنسان فرجه.
وإذا عدنا الى كتب الفقه في المعاملات، نجد بابا كاملا عن المكاسب المحرمة، وتُبحث في عشرات المجلدات، فكما أن هناك مجلدات للعبادات، هناك مثلها للمعاملات، وهي التي تعنى بكسب الأموال؛ من تجارة ومضاربة..، وبالتالي يأكل الإنسان منها. وأكبر مبحث في باب التجارة هي المكاسب المحرمة.
المال والعرض من الأصول الإنسانية الرئيسية، لذلك حين يتشهد الإنسان بالشهادتين، يحصن ماله وعرضه، ولذا جاءت احكام خاصة بأعراض الناس، وعدم التعدي عليها؛ سواء بالمباشرة، أو بالإدعاء من قبيل اتهام الآخرين، فمن صفات الإنسان الشيعي هي حفظ البطن والفرج عن الحرام أيّا كان نوعه.
- الصفة الثانية: جهاد النفس
جاء في روايات كثيرة أن اعظم الجهاد جهاد النفس، وهذا الجهاد ايضا يرتبط بالصفة الأولى ـ حفظ البطن والفرج ـ، فكما أن من مسوؤليات الإنسان وواجباته الدفاع عن نفسه، وعن القيم، كذلك من جهاد النفس مسؤولية، ويجب أن يوضع في خانة الأولويات.
عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهما السلام قال: “قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سرية فلما رجعوا قال:
مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس ثم قال صلى الله عليه وآله: أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه”. (بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٦٧ – الصفحة ٦٥).
📌 التربية تعني ان يُصلح الانسان نفسه دائما، فالرب معناه: الذي يرعى الشؤون باستمرار، ولهذا فإن التربية لا تنتهي إلا بموت الإنسان
لذلك حينما يترك الإنسان نفسه ولا يجاهدها ويراقبها؛ فينام متى شاء، ويتحدث دون قيود؛ فيتكلم بالغِيبة والنميمة، ولا يتحمل أي مسؤولية.
الإنسان خُلق من أجل ان يجاهد نفسه؛ منذ ولادته الى نهاية عمره، فهو منذ الصغر حينما يريد ان يقوم يسقط أرضا، لكنه يحاول ثانية وهكذا، وبهذا يتعلم شيئا فشيئا، وذلك التعلم يأتي بعد معاناة وتعب.
التربية تعني ان يُصلح الانسان نفسه دائما، فالرب معناه: الذي يرعى الشؤون باستمرار، ولهذا فإن التربية لا تنتهي إلا بموت الإنسان، فجهاد النفس وهو التربية مستمر طوال الحياة، حتى الانبياء مع بلوغهم مرحلة الكمال إلا أنهم يطلبون المزيد.
الكمال يحتاج الى جهاد؛ فحين يرى الإنسان انه يكذب ـ مثلا ـ فإنه بحاجة الى اقتلاع هذه الصفة، لكن من تعوّد على ذلك سيجد الأمر صعبا، وهكذا في بقية السلوكيات الاخلاقية المذمومة، لذلك جهاد النفس يحتاج الى قوة، يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}، وفي آية أخرى يأمرالله نبيه: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}، فالجهاد هو بذل ما في الوسع.
يقول الله ـ تعالى ـ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، يجب ان نتحرك في ضوء هذه الآية الكريمة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، فبلوغ التقوى يكون ببذل كل الاستطاعة في ذلك.