يقول الله ـ تعالى ـ: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ}
يبين ربنا ـ سبحانه وتعالى ـ حقيقة هامة علينا أن نتفقه في الدين حتى نعرفها؛ حينما خلق الله الكائنات، وجعل بينها وبين الانسان رابط، من خلاله يكيّف نفسه عما حوله من المخلوقات، وذلك عبر السمع والبصر، فمن خلالهما يرى الظواهر ويسمعها، فإذا فُقدت العلاقة بينه وبين ظواهر الطبيعة من حوله، حينئذ تتحول الطبيعة ـ التي خلقها الله للإنسان ـ الى عدو؛ فقد يصطدم الإنسان بجبل، أو يقع في بئر، وما اشبه.
📌 الإنسان الذي يفقد السمع والبصر لا يستطيع أن يتكيف مع الطبيعة من حوله، كذلك الإنسان الذي يفقد البصيرة لا يستطيع أن يتكيف مع عالم الغيب.
مثل ذلك فيما يرتبط بعالم الغيب؛ فنحن لو كنا مثل غيرنا من الاحياء نموت ونصبح ترابا، ربما كان الأمر أسهل، لكن نحن ينبغي أن نقوم برحلة طويلة تبدأ بالموت، والقبر والبرزخ، وتنتهي في عالم الخلود؛ جنة، او نار.
نحن بحاجة الى مصباح؛ الى عين تبصر، والى أذن تسمع، لان من يفقدهما فإنه سوف يصطدم بالواقع، حاجتنا الى العين والسمع ليستا اللذين نرى ونسمع بهما الحقائق، بل نحتاج تلك العين، والأذن التي تكشفا لنا الغيب.
الإنسان يرى الحقائق ويتكيف معها، لكن هذه الحقائق ـ الموجودة ـ جزء من الحقائق الكبرى، لان الانسان في رحلة طويلة؛ منذ عالم الذر، الى عالم الاصلاب، الى الرحم، الى الدينا..، فما دام في رحلة طويلة فإنه بحاجة الى عين وأذن تختلفان عن العين والأذن التي تعبتر من الادوات المحسوسة، فاذا سافر الإنسان عبر سفينة يمتلك ربانها السمع والبصر، لكنه لا يمتلك بوصلة، فهل يكفي سمعه وبصره ليصل الى الهدف المنشود؟
نحن البشر اُعطينا ادوات أخرى غير الأدوات المحسوسة يكشف لنا الغيب وما وراء الحقائق، وكل إنسان في ذهنه عشرات التساؤلات لا يستطيع التخلص منها؛ مَن أنا؟
من أين جئتُ؟
الى أين أذهبُ؟
لماذا الموت؟
ما هي الحياة بعد الموت؟
الإنسان الذي يفقد السمع والبصر لا يستطيع أن يتكيف مع الطبيعة من حوله، كذلك الإنسان الذي يفقد البصيرة لا يستطيع أن يتكيف مع عالم الغيب.
- بصائر الآيات
كيف نعرف اصحاب الجنة واصحاب النار؟
وكيف يعرف الإنسان هل هو في الجنة أم النار؟
يقول ـ تعالى ـ: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ}، أي اصحاب الجنة، واصحاب النار، فكما أن الأعمى لا يستطيع أن يبصر الحقائق الظاهرية، والأصم لا يستطيع سماع الحقائق الظاهرية، كذلك الكافر مثله تماما كالأعمى والأصم.
{وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}، فهذا هو الإنسان المؤمن، {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ}، فقد تجد شخصين؛ أحدهما يعرف الحقائق الغيبية، والآخر لا يفقه شيئا، فهل هما في مستوى واحد؟
إن من صفات الإنسان المؤمن الإيمان بالغيب، لان ذلك يمده بمعرفة الحقائق الكبرى، التي لا يمكن الوصول اليها إلا عبر هذا الايمان، وحتى يكيّف الإنسان نفسه مع هذا العالم الواسع والرحب عليه أن يسعى الى تنمية البصيرة الإيمانية، لانها الطريق الموصول الى الحقائق الكبرى.
- مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله).