يقول الله ـ تعالى ـ: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}.
هل زيارة الابعين نهاية المطاف؟
أم أنها بداية تحول واسع وعميق في واقعنا؟
تنفرد زيارة الاربعين بجود الله ـ تعالى ـ وكرمه، وبولاية النبي الأكرم، وأهل بيته، صلوات الله عليهم، وبالنفوس المؤمنة الصالحة، بأن هيأ الله للمؤمنين ان يجتمعوا تحت ظلال رحمته، وتحت لواء الإمام الحسين، عليه السلام، وذلك بتوفر الأمن، والطعام، والشراب..، والمحبة، والاندفاع، وغيرها من الأمور التي تتهيأ خلال زيارة الأربعين، هذه كلها فوائد. لكن هناك فوائد أعظم من ذلك.
📌الجانب الآخر ـ من زيارة الأربعين ـ هو أن ينصهر المسلمون في بوتقة الإيمان، ونصبح تلك الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس، وجعلها الله أمة وسطا، وشاهدة على الأمم الأخرى
في مؤتمر زيارة الاربعين يوزع ـ حسب بعض الاحصاءات ـ أكثر مليار ومئتين مليون وجبة طعام مجانا، وتكون هناك النفوس الطيبة الطاهرة، المتحمسة بنور الإسلام، هذا جانب من زيارة الأربعين.
الجانب الآخر ـ من زيارة الأربعين ـ هو أن ينصهر المسلمون في بوتقة الإيمان، ونصبح تلك الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس، وجعلها الله أمة وسطا، وشاهدة على الأمم الأخرى، وجعل الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله، عليها شهيداً، وتكون السمة الأساسية لها؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونكون تلك الأمة التي يُشار بالبنان؛ في محبتنا لبعضنا، وكرامتنا، وعزتنا، ودفاعنا عن أنفسنا وأوطاننا وفي محبة لسائر الأمم.
إذا حكم المسلمون حقاً؛ أي الذين لا يكتفون باسم الاسلام، وإنما هم مسلمون قلبا وقالبا، إذا حكموا فإن العالَم سيعيش في أمان، ورفاه، فنحن لا نصرف المليارات في أسلحة الشامل، ثم نترك الناس فقراء، ونحن لا نؤمن أن يكون العالَم قسمين (شمال وجنوب)، فيكون الجنوب متوغل في الفقر، والشمال يتكامل في الغنى، فيزدادون غنى، ويموت الاطفال جوعا في عالم الجنوب، ويُباع السلاح لمن يستخدمه لقتل الأطفال والنساء، وفي حرمان الأمم، الإسلام لا يرضى بذلك، والإسلام فتح العالَم بالمحبة والخلق الرفيع وليس بالسيف.
- لنبقي أخلاق الأربعين طوال العام
تتمثل صفات المؤمن الحسيني في الفضائل والأخلاق التي تبينها الآيات التالية، والتي تمثل بصائر عملية في سلوك الإنسان وأخلاقه، يقول ـ تعالى ـ: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، المسلم قوي، لكن ليس ما يملكه من قوة، وإنما هو قوي بتوكله على الله، وثقته به، واعتصامه به ـ تعالى ـ.
{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ}، فالمؤمن بعيد عن الذنوب؛ كالزنا، والتهمة، والغيبة والنميمة، والاستهتزاء بالآخرين، وفي آية أخرى يبين ربنا صفات المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}، وغيرها من الآيات التي تؤدبنا، لنكون بذلك أمة فريدة، وأمة القيم، والخُلق العظيم كما كان النبي الأعظم، صلى الله عليه وآله، إذ خاطبه الله ـ تعالى ـ: {وإنكَ لعلى خُلُقٍ عظيم}.
📌تتمثل صفات المؤمن الحسيني في الفضائل والأخلاق التي تبينها الآيات القرآنية، والتي تمثّل بصائر عملية في سلوك الإنسان وأخلاقه
{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، المؤمنون لاتقودهم عواطفهم، واحاسيسهم، وردود الأفعال. كان الحلم من أبرز صفات الإمام أبي جعفر، عليه السلام، فقد أجمع المؤرخون على أنه لم يسيء الى من ظلمه واعتدى عليه، وانما كان يقابله بالبر والمعروف، ويعامله بالصفح والاحسان، وقد رووا صوراً كثيرة عن عظيم حلمه، كان منها: إن رجلاً كتابياً هاجم الإمام، عليه السلام، واعتدى عليه، وخاطبه بمرّ القول: أنت بقر.
فلطف به الإمام، وقابله ببسمات طافحة بالمروءة قائلاً: لا أنا باقر.
وراح الرجل الكتابي يهاجم الإمام قائلاً: أنت ابن الطبّاخة.
فتبسّم الإمام، ولم يثره هذا الاعتداء بل قال له: ذاك حرفتها.
ولم ينته الكتابي عن غيّه، وإنما راح يهاجم الإمام قائلاً: أنت ابن السوداء الزنجية البذية.
ولم يغضب الإمام، عليه السلام، وإنما قابله باللطف قائلاً: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك.
وبهت الكتابي، وانبهر من أخلاق الإمام الباقرعليه السلام، التي ضارعت أخلاق الأنبياء. فأعلن إسلامه واختار طريق الحق.
{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ}، حينما يناديهم منادٍ للدين يستجيبون له، فقد يكون قائدا، او مرجعا، او فقيهاً يفتي، وكذلك فإن المؤمن يقيم الصلاة، وهناك فرق بين إقامة الصلاة، وبين ادائها.
{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، يجمعون العقول مع بضعها، فعقولهم جمعية وليست فرديّة.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}، فإذا رزقه الله علما نشره، أو جاها بذله، أو مالا ينفقه، فكلما يرزقه من النعم ينفق منها، والله ـ تعالى ـ يرزق الإنسان أكثر من حاجته، فلابد أن ينفق تلك النعم على الآخرين.
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}، فكما أنهم أذلة على المؤمنين، تجدهم أعزة على الكافرين، فإذا أراد أحد ان يذلهم ينتصرون.
على عِلْية القوم؛ المراجع، والمفكرين، ولمن يملك طاقة التفكير، والقدرة على البحث، استثمار زيارة الاربعين، وكيف يجب أن تتقدم الأمة من خلال مبادئ هذه الزيارة العظيمة، يجب أن تكون هناك مئات المراكز البحثية في كيفية تحويل مسيرة الأربعين الى مسيرة مباركة، تمتد الى بقية الأمة الإسلامية، بل الى العالم أجمع.
- مقتبس من محاضرة لسماحة المرجع المدرسي (دام ظله).