قال ـ تعالى ـ {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}. (سورة الانسان/ اية 9).
ان من اسباب استمرار القضية الحسينية عبر العصور، هي معجزة الزيارة الاربعينية، ولا تستغربوا تسميتها بالمعجزة، لان في موسمها نرى العجائب التي لا تتكرر في غيرها.
📌 مشهد لم يكن مألوف لدى الوافدين من خارج العراق، فالكرم باسم الامام الحسين لا حدّ له، تلك اللهفة المنتقعة في أرواح من تقلدوا وسام الخدمة غير متوفرة عند غيرهم
وهي فعلا موسم للخير قل نظيره في العالم، إذ يتكاتف الجميع في سبيل تحقيق هدف واحد، هو خدمة الزائرين بأي شكل من الاشكال، وتحت مختلف الظروف.
مشهد اعتاد العراقيون عليه كل عام في شهر صفر الخير بكل طوائفهم، سرادق الخدمة تمتد على طول الطريق، بما لذ وطاب من الطعام والشراب والمبيت والخدمات الطبية والعلاجية والكثير الكثير من الخدمات التي تعجز الحروف عن وصفها.
حقيقة هذا يشعرنا بالفخر الكبير اننا ننتمي لهكذا بلد يعشق خدمة امامه بجنون ويبذل كل ما يستطيع في سبيل كسب شفاعته في الدنيا والاخرة.
شعب كريم اذهل العالم بطيبه وحسن ضيافته للغريب الذي استحق لقب “زائر الحسين”، جاء سيراً على الاقدام لمواساة موكب الإباء الزينبي على طول الطريق الى قبلة العاشقين كربلاء الحسين، في اكبر رحلة مليونية يسير فيها الناس على الاقدام من جميع الاصقاع.
يسيرون تحت اشعة الشمس اللاهبة باوجاعهم واحلامهم وامالهم، تاركين خلفهم زخرف الدنيا وبهجتها، لا تبرد عزيمتهم عن المسير، بل العكس كلما اشتد وجع الطريق لبعد المسافة، كلما ازدادت نبضات القلوب حبا وشوقا للثم تراب ضريح غريب كربلاء.
وهنا يتسابق أبناء العراق لتسجيل أسمائهم في سجل خدام الحسين، وكل حسب قدرته واستطاعته، يفتحون القلوب قبل أبواب بيوتهم ومضايفهم، وهو منظر تقشعر له الابدان ويذهل له كل لبيب.
مشهد لم يكن مألوف لدى الوافدين من خارج العراق، فالكرم باسم الامام الحسين لا حدّ له، تلك اللهفة المنتقعة في أرواح من تقلدوا وسام الخدمة غير متوفرة عند غيرهم.
وفي كل عام وقبل موسم الأربعين، تتكاتف بعض الأقلام الماجورة المتقزمة، لبث سمومها العنصرية والطائفية ضد الزائرين، فتبدأ بربط أمور سياسية واجتماعية مع شعيرة الاربعينية، ويجعلوها في ميزان التعامل بالمثل، ويبدأون بالتحريض ضدهم.
فنسمع او نقرأ كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات ليس وراءها إلا الفتنة مثل: ( كيف تخدمون من قطع الماء عنكم! لماذا تطعمون من كان سبب خراب بلدكم؟ تعطون الكثير بالمجان ولو ذهبتم الى بلادهم لما اسقوكم قطرة ماء مجانا).
وغيرها الكثير من المقولات التي تهدف الى زعزعة الثقة، واعتبرها لا تقل خطورة عن الإرهاب الذي يسعى لتفكيك وحدة الشعب بالتخلي عن خلقه ومبادئه الإنسانية والإسلامية.
وهذا امر غاية في الخطورة، حيث يستهدف هذا الاعلام الغير ملتزم، الفئة الشابة من جيلنا، فيبدا بتسميم أفكاره وتشجيعه على رد الصاع صاعين لاشفاء الغليل كما نقول، حيث استوقفني مقطع فيديو منتشر على الفيس بوك احزنني جدا، وادخل الرعب في قلبي، حيث قام احدهم بتصوير زائر اجنبي من دولة مجاورة وقد وضع امامه الطعام، ويكلمه بلهجته العربية لانه يعلم انه لايفهمها، فيقول له بما معناه، (انا اضع امامك طعام واضيفك في داري لكن حين اسافر لبلدك لا تقومون بالمثل بل تعاملوننا بشكل سيء) ثم يبدأ بأهنته بكلمات شتم لا تمت لشيمة أبناء هذا البلد في التعامل مع ضيفه أي كان.
لكن عندما قرأت التعليقات التي رفض أصحابها من عدة مذاهب، تلك الإهانة لزائر الحسين، اطمئن قلبي ودمعت عيني لعظيم وعمق مفهوم الخدمة الحسينية لدى محبي اهل البيت عليهم السلام، انهالوا عليه بكلام ترجم معنى الاية المباركة المذكورة في بداية المقال،
نفعل ذلك قربة الى الله ـ تعالى ـ وحبا وكرامة لسيد شباب اهل الجنة، ولا ننتظر من الذي نخدمه المعاملة بالمثل، تصرفه ذاك اشعرهم بالمهانة عكس ما يتصفون به، فخاب سعيه وانقلب السحر على الساحر.
بل إن الكرم والخير الحسيني امتد اعمق من ذلك بكثير، ليشمل الصفات والأخلاق، فنرى ان الوجه العبوس اصبح بشوش، ولا يشكو الخدام من تعب ولا يتذمرون من واجب، تسود بينهم روح التعاون وتحمل الاخر حتى وان كان مخطئا في حقهم، لان لديهم هدف واحد يودون الوصول اليه وهو الفوز بلقب خادم الحسين بجدارة.
📌موسم الخير الحسيني ان استثمر بشكل صحيح وبنية صادقة، سيصنع العجائب ويقلب الموازين، ويغير في النفوس ما تعجز عنه الاف النظريات الطبية والنفسية والتربوية
موسم الخير الحسيني ان استثمر بشكل صحيح وبنية صادقة، سيصنع العجائب ويقلب الموازين، ويغير في النفوس ما تعجز عنه الاف النظريات الطبية والنفسية والتربوية.
موسم يحاكي فطرة الانسان الحقيقية، ويجتث من مكامن روحه بذور الشر ليزرع بدلها بذور الخير والصلاح والفلاح، لتكبر شجرتها وتورق لتفيئ بظلالها على زوار ابي عبد الله الحسين عليه السلام، وما اجملها واعظمها من شجرة ان بقيت مثمرة طوال العام، من خلال الحفاظ على النفحات الروحانية المكتسبة من هذا الموسم.
فيا من تراهن على افكارك المسمومة في ضرب العقيدة الراسخة لشيعة علي، غاب عنك ان تلك الفئة قادتها اسسوا مدارس في مكارم الاخلاق، وعلموا اتباعهم دروسا في كيف تكون مواليا حقيقيا دون رياء.
واقول لمن ينتظر افول معجزة خدمة زوار اربعينية الامام الحسين عليه السلام مقولة مولاتي زينب عليها السلام للطاغية يزيد: “فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا”.