تمتد جذور شخصيته في أفق معرفته باللـه ـ تعالى ـ، ويقينه باليوم الآخر، إنه مثال رائعً للآية الكريمة: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللـه قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. (آل عمران/191).
فاض حبُّ اللـه وانساب على شفاهه في عدة صور، منها ابتهالات ومناجاة في صحيفته الاعجازية التي عرفتنا بقـــلبٍه المفعم بالإيمان والشوق إلـى خالقه، إنّه ذلك قلب الذي كانت ولا زالت الصلاة أحب الأمور إليه، وكانت العبادة شغله الشاغل.
📌 جهود كبيرة بذلها الامام زين العابدين عليه السلام، لجمع صفوف المؤمنين، والتركيز على تربيتهم روحيا، وتعليمهم الإسلام الحق
الامام علي بن الحسين السجاد عليه السلام، اسوة بأبائه البررة، أسس منظومة عبادية غاية في الأهمية تستند على قاعدة عظيمة تمثلت بشعر جده امير، المؤمنين عليه السلام:
لَعَمرُكَ ما الإِنسانُ إِلّا بِدينِهِ فَلا تَترُكِ التَقوى اِتِّكالاً عَلى النَسَب
فَقَد رَفَعَ الإِسلامُ سَلمانَ فارِسٍ وَقَد وَضَعَ الشِركُ الشَريفَ أَبا لَهَب
جهود كبيرة بذلها الامام زين العابدين عليه السلام، لجمع صفوف المؤمنين، والتركيز على تربيتهم روحيا، وتعليمهم الإسلام الحق، واطلاعهم على أنقى المصادر الموثوقة للفكر والأخلاق الإسلامية، دون الاعتماد على الانساب فقط في تحديد مكانة الفرد.
وعمل على تحطيم مفهوم الرق والعبودية للمخلوق جسدا وروحا، وهذه هي رسالة السماء التي جاءت لعلاج واجتثاث تلك الفلسفة المهينة لكرامة الانسان، حيث كانت حالة طبيعية في الوسط الاجتماعي آنذاك، نتيجة للفتوحات الاِسلامية ووقوع الآلاف أسرى.
فأصبح هؤلاء العبيد يشكّلون شريحة اجتماعية مهمة، إلا انه يُنظر إليها نظرة انتقاص، وكان معظمهم لا يستطيع التمرد على سيده بحكم النظام الاجتماعي القائم، فكانت تلك مسؤولية كبيرة حملها الامام زين العابدين، عليه السلام، وأداها على اكمل وجه، فماذا فعل لتغيير ذلك الفكر الجاهلي المتجذر في أعماق تلك الامة؟
اول خطوة اتخذها الامام للتغيير، هي إعطاء العبيد قيمة ذاتية، من خلال معاملتهم كبشر لا يختلفون عن غيرهم في طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، اشعرهم ان لهم أهمية في هذا الوجود، هذه الخطوة اثمرت بدورها حبهم للامام السجاد عليه السلام والتقرب اليه والتعرف على فكره الذي لم يعهدوه من قبل، وبذلك كسب شريحة مهمة لصالح الدين والإنسانية.
ثم زرع في نفوسهم القيم الرسالية الاصيلة وأعاد تربية ارواحهم المنكسرة من جديد، فاصبحوا كالورقة البيضاء المهيئة لكتابة اجمل الحكم والقصص بيد كاتب لا يمل من الكتابة.
عاملهم كأخوة وأصدقاء وأبناء، يُجالسهم ويؤاكلهم ويزوّجهم، ويزرع فيهم الثقة والاعتزاز بالنفس وبالدين.
📌 اول خطوة اتخذها الامام للتغيير، هي إعطاء العبيد قيمة ذاتية، من خلال معاملتهم كبشر لا يختلفون عن غيرهم في طموحاتهم وتطلعاتهم وآمالهم، اشعرهم ان لهم أهمية في هذا الوجود
حطم قيود العبودية بشتى الطرق، لم يسمعهم تلك الكلمة التي تشعرهم بالاهانة (يا عبدي ويا أمتي)، بل يخاطبهم بلغة الرحمة والرفق فيقول: “يا فتاي ويا فتاتي”، لانه عليه السلام، يرى فيهم رصيداً اجتماعياً مؤثراً لنشر الاِسلام وقيمه وتعاليمه.
- فماذا كان هدف الاِمام عليه السلام من ذلك؟
1ـ التأكيد على قيم الاِسلام في نظرته إلى البشر بأنهم جميعاً لآدم وآدم من تراب مصداق للاية الكريم: {يَا أيُّها الناسُ إنّا خَلقناكم مِنْ ذكرً وأُنثى وجَعلنَاكمْ شُعوبَاً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفوا}. (الحجرات/ آية 13). فجسد عليه السلام، معناها النبيل لتكون اخر حلقة في تلك السلسلة هي عتقهم وبثّهم في ربوع العالم الاِسلامي لتبليغ الرسالة.
2ـ تربية المجتمع وحثه على إنهاء ظاهرة العبودية، عبر تشجيعهم على شراء العبيد وعتقهم، مع التأكيد على عدم التعالي عليهم ومعاملتهم معاملة إنسانية.
3ـ السعي إلى زجِّ تلك الفئة في المجتمع من خلال تبنّيهم ورعاية شؤونهم واحتضانهم واجتثاث عقدة النقص من نفوسهم، من اجل استثمار المؤهلين منهم في الوسط الاجتماعي كقادة ومربين ومبلّغين.
4- مواجهة الحالة العنصرية التي أوجدتها السياسة الأموية في التفريق بين العرب والموالي أو تفضيل العرب على غيرهم.
لم يكن الاِمام زين العابدين عليه السلام، بتعامله او مناقبه الفريدة، يريد التسويق السياسي اوالتجاري، وإنّما كانت سجيّته هكذا، فأخلاقه ملكة ربانية تسعى للخير لجميع الناس، وليس من أجل اكتساب السمعة أو الشهرة أو توسيع دائرة المعجبين والمحبين، كما يفعل الكثيرون.
وخير دليل على ذلك هو ما كان يفعله في شهر رمضان، حين يحصي على عبيده أخطاءهم، ويسجّل ذلك عليهم دون علمهم، ودون أن يعاقبهم أو يحاسبهم حتى إذا جاء عيد الفطر جمعهم، وذكّرهم بأخطائهم وذنوبهم أثناء الشهر الكريم فيقرون بذلك، فيعفو عنهم ويطلب منهم أن يدعوا له بالمغفرة والعتق من النار كما عفا هو عنهم، ثمّ يعتقهم أحراراً لوجه الله ـ تعالى ـ.