يقول الله ـ تعالى ـ: { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً}.
تصور لو انك تعيش في مجتمع شعاره الخوف، وتنتشر فيه المفاسد الاخلاقية، وكل ما يحدث في المجتمع إنما هو بتسديد، وتشجيع من السلطة، والايمان بالله جريمة يمكن ان يُعاقب عليها بالقتل، فلا تتورّع السلطة من ارتكاب أي جريمة، وتفتقد الأمور المحترمة والمقدسة قيمتها في هذا المجتمع.
الناس في ذلك المجتمع يعيشون في فقر مدقع، شظف العيش في هي السمة الطاغية عليهم، فلا يمكنهم الحصول على لقمة عيش ليأكلوها.
ماذا لو كنت تعيش في ذلك المجتمع؟
هل ترى أن العيش في هكذا حال ممكن؟
الإمام زين العابدين، عليه السلام، عاش في مجتمع كهذا، ويعيش مع مجتمع قتل أبيه الإمام الحسين، عليه السلام، وهو آخر ابن بنت بني على وجه هذه الأرض، وتُساق بنات نبي الأمة أُسارى من بلد الى بلد، يتصفح وجوههن الأعداء، حتى تقول أحداهن: “قد خزينا من كثرة النظر إلينا”.
📌عمد الإمام زين العابدين، الى تهيئة الأرضية لاسقاط بني أمية، وهذا دور كبير جدا، وهذه خطوة تنبيهية أن على الأمة أن تقوم بدورها في المواجهة
مجتمع لا يتورع من أن تُهدم فيه الكعبة، وتضرب بالمنجنيق، والسلطة آنذاك لا تتورع عن فعل أي محرّم، وهي تبيح حرم رسول الله (المدينة المنورة)، لمسلم بن عقبة ثلاثة ايام، وارتكبت أبشع الجرائم.
الإمام زين العابدين جاء في ذلك الظرف، وواجه كل تلك التحديات؛ الفساد الأخلاق بأنواعه، وطغيان السلطة وانتهاكها للحرمات، والفقر والفاقة الذي أصاب الناس، والشبهات العقدية والاخلاقية المنتشرة بين الناس. واجه الإمام كل التحديات على الرغم من تعطش السلطة الى دمه، عليه السلام، وعلى رأسهم الحجاج بن يوسف الثقفي.
حياة الإمام زين العابدين، عليه السلام، وفترة إمامته تعتبر طويلة، لانه تولى الإمامة عام 61هجرية، بعد استشهاد أبيه، عليه السلام، واستشهد الإمام السجاد عام 95 هجرية، وهو فترة طويلة نظراً الى إمامة باقي الأئمة عليهم السلام.
وفي المدينة ومكة يصل الأمر الى أن يقول الإمام زين العابدين، عليه السلام: “لا يحبنا إلا عشرين شخصا”، ومع هذه الظروف العصيبة التي مرت على الإمام، إلا أنه مهد الطريق للمدرسة العلمية الضخمة التي قادها الإمام الباقر، عليه السلام، فتتغير أوضاع الشيعة، ونهضت الثورات المختلفة في البلاد الإسلامية؛ التوابين، والمختار، ثم حركة زيد الشهيد وابنائه، وحركة ابناء الإمام الحسن، عليه السلام.
- دور الإمام السجاد عليه السلام
لم تكن تنقص الإمام عليه السلام، الشجاعة لمواجهة بني أمية، وهو ابن الحسين، عليه السلام، وهو الذي واجه طاغية زمانه، لكن الإمام زين العابدين، ما كان ليترك مقتل أبيه دون أن يُحدث الأثر لذلك.
الإمام السجاد لم يواجه السلطة بشكل مباشر، لكنه قام بدور أعظم من ذلك، لأن المواجهة السياسية حينما تكون بين الحق والباطل، فإذا كانت الأمة مستعدة لهذه المواجهة فيما إذا انتصرت جبهة الحق، فإن أمور الناس ستكون الى الأفضل، لكن إذا كان الأمة منحرفة، وغارقة في المفاسد الأخلاقية، والجهل، فكيف ستكون مآلات الأمور؟
فالإمام زين العابدين، عمد الى تهيئة الأرضية لاسقاط بني أمية، وهذا دور كبير جدا، وهذه خطوة تنبيهية أن على الأمة أن تقوم بدورها في المواجهة.
- أساليب المواجهة مع السلطة الحاكمة
واجه الإمام السجاد، عليه السلام، سلطة بني أمية عبر ثلاثة اساليب:
- الأسلوب الأول: التجييش العاطفي
فما قُدم للإمام السجاد طعاما وشرابا إلا وبكي، كان يخرج إلى سوق الجزّارين حتى يهيّج الناس فيقول لهم: لماذا تفعلون هكذا؟ يقولون: يا بن الحسين نحن لا نذبح الشاة حتى نسقيها ماء، فيبكي ويقول: لا يُذْبَح الكبش حتى يروى من ظمأ ويُذْبَح ابن رسول الله عطشان.
ويشجع الناس اقامة المجالس، فمن عام 61هـ الى عام 66هـ وهي السنة التي ثار فيها المختار، لم تشعل نار (للطبخ) في بيوت بني هاشم، ولم لا اكتحلت هاشمية ولا تزوجت، فكانت دور بني هاشم دور بكاء على أبي عبد الله، عليه السلام، فيأمر الإمام السجاد النساء بالنياح، ويأمر الشعراء بقول الأشعار رثاءً للإمام الحسين، عليه السلام.
وهذا الاسلوب له ثمار كبيرة، فتساءلت الناس: لماذا قُتل الحسين واطفاله؟ ولماذا تسبى النساء مع عدم وجود سبي لامرأة مسلمة قبل عاشوراء؟
- الأسلوب الثاني: تربية الرجال
عمد الإمام السجاد عليه السلام، الى هذه الأسلوب لسببين: لمواجهة بني أمية أولا، ولقيادة الأمة ثانيا، وتربية الرجال كانت على نحوين؛ فقد كان هناك الطلاب الذي يدرسون على يد الإمام عليه السلام، والنحو الآخر، أن الإمام كان يشتري العبيد، ويربيهم سنة كاملة ويرسلهم في الآفاق، بعد أن اصبحوا كوادر رسالية مؤمنة.
- الأسلوب الثالث: اسلوب الدعاء
يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “الدعاء سلاح المؤمن”، الدعاء سلاح قوي وفعال، فأدعية الإمام زين العابدين، وتوسلاته، ومناجاته، ما كانت طريقة من الطرق الصوفية المتتشرة آنذاك، فلم يكن الإمام ليعتزل الناس كما يفعل المتصوفة.
ادعية الإمام السجاد، كنوز المعارف، واساليب تربوية واخلاقية، إذا عدنا الى ادعيته عليه السلام، نجد توحيد الله الخالص، والتذكير بعدله ـ تعالى ـ، والاشارة الى نبوة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، وتذكر بإمامة أمير المؤمنين، وبيان لفضل أهل البيت، عليهم السلام، وبيان للآخرة الى بقية المسائل العقدية والأخلاقية.
ففي أدعية الإمام زين العابدين، عليه السلام، أيضا بيان للعلاقات الإجتماعية، وكيف يجب أن تكون؛ فهناك ادعية للأب، ووللإبن، والجار.
كلمات الإمام السجاد عليه السلام، والتي تمثلت بأدعية منهج كاملة، كفيل بتغيير حياة الفرد كفرد، والمجتمع كمجتمع، ففي أدعيته، عليه السلام، العلاج الناجع لمشاكل المجتمع وآلامه.
📌 علينا ان نجعل من حياة الإمام السجاد، عليه السلام، ومن صحيفته السجادية مشروع حياة طبية وسعيدة
من مضامين الصحيفة السجادية، دعاء مكارم الأخلاق، وفي هذا الدعاء يطلب الإمام مكارم الأخلاق: “واغنني واوسع عليَّ في رزقك ولا تفتني بالنظر”، فآفة الغنى أن يصبح الإنسان من المُنظَرين؛ أي يزداد إثما مع الغنى.
يجب أن نجعل الصحفية السجادية منهجا لحياتنا، فبدلا من تحفيظ الاطفال الاشعار في المدارس، ليحفظ الطفل دعاء الإمام السجاد، “دعاء الولد لوالده”.
كذلك على البلدية بدلا من كتابة المقولات والعبارات المختلفة في الشوراع، لماذا لا يعلقون مقاطع من دعاء مكارم الأخلاق، أو أدعية الجار وما اشبه من الادعية التي تصب في تنمية العلاقات الاجتماعية، لذا علينا ان نجعل من حياة الإمام السجاد، عليه السلام، ومن صحيفته السجادية مشروع حياة طبية وسعيدة.