فضائل محمدية، وشجاعة حيدرية، وتربية فاطمية، ومكارم حسنيّة واخلاق حسينية، امتزجت بأنوار الهية، لتكوين معجزة لا مثيل لها على مر الدهور، انها عقيلة الطالبيين زينب الكبرى عليها السلام.
حفيدة بيت النبوة، زلزلت عروش الطغاة بكلمة الحق لم تأخذها في الله لومة لائم، وقفت بصلابة كأنها الجبل الاشم، وقفت مع أخيها أبي الأحرار في خندق واحد، لإعلاء كلمة الدين امام المخطط الاموي الرامي الى إجتثاث الإسلام من جذوره، بإقصاء أهل البيت، عليهم السّلام، عن المشروع المحمدي التبليغي، فأكملت مسيرة إمام زمانها، لتصبح رائدة الاعلام الحسيني بخطبها في بلاط الكابوس المظلم، لتعيد من خلالها موازين العدل الإلهي كأبيها علي عليه السلام.
- فمن اين جاءت بهذه القوة الهائلة والصمود العجيب للتغلب على المصائب التي واجهتها منذ نعومة اظفارها؟
حقيقة هذا التساؤل سيكون في محله إذا كان البيت الذي تربت فيه السيدة زينب عليها السلام بيت عادي، إلا انها شهقت اول أنفاسها في بيت الدعوة إلى الله ـ عزوجل ـ، بيت الوحي والتنزيل، الذي انطلقت منه كلمة التوحيد الى اصقاع المعمورة، فأشربت حبّ الله ـ تعالى ـ في عواطفها ومشاعرها حتى صار ذلك من مقوماتها.
📌 التغذية الروحية السليمة لها دور كبير في ولادة القادة العظماء الرساليين رجالا او نساء على حد سواء
إذن التغذية الروحية السليمة لها دور كبير في ولادة القادة العظماء الرساليين رجالا او نساء على حد سواء، فالطفل الذي ينشأ من طهر المأكل والمشرب ومعرفة الحلال والحرام، وتطبيق السنة النبوية الشريفة بحذافيرها، سيخلق منه عبداً مطيعاً لله ـ سبحانه وتعالى ـ يعبده لا طمعا في جنته، ولا خوفا من ناره، بل وجده اهلا للعبادة فيعبده وحده.
وإذا وضعنا البيت العلوي تحت المجهر وبحثنا في تفاصيل الحياة داخله، سنشاهد عظمة الايمان وقمة الاخلاق في التعامل، زوجان متكاملان في الإيمان، لم يعرف الحرام سبيلا لباب بيتهم، لتكون محصلة هذه الزيجة المباركة أعلام هداة للبشرية جمعاء، نعم؛ جاءت زينب من هذا العمق الاعجازي، من كل طهر مطهر، جاءت بسدال رباني احتضن الطف بكل مصائبه واوجاعه وثقل رسالته الإصلاحية.
ببراعة منطقها أظهرت معاني الوراثة النبوية، فاصبحت سراجاً منيراً بيد كلّ من سعى للإصلاح الحقيقي الخالص لوجه الله ـ تعالى ـ، امرأة بكل ما واجهته من اهوال مفجعة بأحبتها، أعطت دروساً متجددة لا تندثر مهما مرت الأزمنة.
اثبتت أن ما يمر علينا من محن وابتلاءات يجب ان نشاهدها بعين البصيرة، وكأنها تقول لنا: “لا تعيشوا في اللحظة ذاتها مشاعركم فقط، بل اجعلوا لبصيرتكم مدى أبعد ليأتي الزرع اكله كما هو مخطط له.
نعم؛ فالمدرسة الزينبية إرث ديني رصين، لا غنى للاسرة المسلمة عن دروسها التربوية، فهي تعلمنا كيفية الصمود بوجه البلاء بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله ـ تعالى ـ، تعلمنا التجلّد وقوة النفس أمام أعداء الله، تعلمنا المقاومة بقوة المنطق السليم والصبر، فلم يشاهد في جميع فترات التأريخ سيدة مثلها في قوة عزيمتها وصمودها أمام المصائب التي اضطرب الكون لعظيم فاجعتها.
فلنقف سوية على هذا المشهد الذي يدمي القلوب، ونحاول ان نفهم ماذا تريد السيد زينب عليها السلام ان تعلمنا؟
حين اُخذت بعد مقتل أخيها من كربلاء إلى الكوفة، سبية ومعها بنات رسول الله، صلّى الله عليه وآله، ولطول الطريق والتعب الشديد أضرّ الجوع بألاطفال، فترفعت العقيلة أن تطلب من جنود ابن مرجانة شيئاً من الطعام لهم
ولمّا انتهى موكب السبايا إلى الكوفة، سارعن النساء إلى تقديم الطعام إلى الأطفال، انبرت سيّدة الخلق العظيم مخاطبة نساء أهل الكوفة فقالت: “الصدقة محرّمة علينا أهل البيت”، ولما سمع أطفال أهل البيت من عمّتهم ذلك ألقوا ما في أيديهم وأفواههم من الطعام، وأخذ بعضهم يقول لبعض: إنّ عمتّنا تقول: الصدقة حرام علينا أهل البيت.
في موقفها هذا كأنها تقول لكل من نطق الشهادتين بأيمان راسخ، أيها المؤمن انتبه لعزة نفسك وكرامتك مهما حلت بك الخطوب، فأنت عزيز على الله سبحانه وتعالى فلا تمدن عينيك ويديك الى من أراد ان يرى نظرة الذل في عينيك.
فأيّ تربية تلك التي تعلمنا إياها؟ تربية لم تجعلها تضعف امام جوع أطفال لا زالوا يعيشون أجواء مصيبة فقد اباءهم وامام زمانهم ، إنّها تربية الأنبياء والصدّيقين التي تسمو بالإنسان فترفعه إلى مستوى ملكوتي يكون من أفضل خلق الله.
تعلمنا الانتباه الى حلية الطعام هل هو حلال ام حرام علينا، وهذا درس بليغ في تربية أجيال نأمل فيهم الخير الكثير ليكونوا جنودا مؤمنين بكل جوارحهم لنصرة الامام الموعود.
لان عدم التورع عن اكل الحرام بمختلف الطرق له آثار كبيرة في الدنيا والاخرة، ومنها انه يمنع قبول العبادات فعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: “إذا وقعت لقمة حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والارض”.
📌المدرسة الزينبية إرث ديني رصين، لا غنى للاسرة المسلمة عن دروسها التربوية، فهي تعلمنا كيفية الصمود بوجه البلاء بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله
واكل الحرام يقسي القلب ويحيطه بالظلمة، وبعدها لايعود الانسان قادرعلى تقبل الحق ولايتأثر باي تحذير او وعظ ولا يتجنب ارتكاب أي جناية.
وكما قال سيد الشهداء عليه السلام ضمن خطبته لجيش ابن سعد: “فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصفون ألا تسمعون”.
هكذا هي حفيدة الرسول وعقيلة بني هاشم، بطلة علوية في جميع مواقفها، كيف لا تكون كذلك وهي امام مهمة عظيمة لاكمال نهضة اخيها في نصرة الدين والمذهب،
فسلام على قلب زينب العظيم، وسلام على من سار على خطاها.