أسوة حسنة

رِسَالَةُ الإِسلَامِ مَا بَينَ زَينَب وَالسَّجَّاد

  • مقدمة إسلامية

قال أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام الغر المحجلين، الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام،: “لَأَنْسُبَنَّ اَلْيَوْمَ اَلْإِسْلاَمَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهُ أَحَدٌ قَبْلِي وَلاَ يَنْسُبُهُ أَحَدٌ بَعْدِي إِلاَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ اَلْإِسْلاَمُ هُوَ اَلتَّسْلِيمُ وَاَلتَّسْلِيمُ هُوَ اَلْيَقِينُ وَاَلْيَقِينُ هُوَ اَلتَّصْدِيقُ وَاَلتَّصْدِيقُ هُوَ اَلْإِقْرَارُ وَاَلْإِقْرَارُ هُوَ اَلْعَمَلُ وَاَلْعَمَلُ هُوَ اَلْأَدَاءُ إِنَّ اَلْمُؤْمِنَ لَمْ يَأْخُذْ دِينَهُ عَنْ رَأْيِهِ وَلَكِنْ أَتَاهُ عَنْ رَبِّهِ فَأَخَذَ بِهِ“. (الكافي: ج۲ ص45).  

هذا هو الإسلام الذي جاء به رسول الله، صلى الله عليه وآله، وأئتُمن عليه أمير المؤمنين وأبناءه المعصومين عن جدهم عن ربِّ العزة والجلال، فهو الدِّين الحق من عند الحق ـ تعالى ـ، وهو التسليم المطلق وبيقين تام لما أراد الله وشرَّع، والمؤمن الحق هو الذي يؤمن بهذا الإسلام الذي نزل من ربه وأما المنافق والكافر فإنه شاك ومرتاب ولذا ما عرفوا الله، وفعلوا أفعالاً ومنكرة يندى لها الجبين

  • قتلوا الإسلام في عاشوراء

الجريمة النكراء التي قام بها شذاذ الآفاق من جنود بني أمية وقيادة قرشية طاغية كانت تهدف إلى قتل الإسلام في أهله، ودفنه في محله حتى لا يشع نوره، ويملأ الدنيا ضوؤه، ولذا قال الإمام الحجة بن الحسن، عجل الله فرجه، في زيارته لجده الحسين، عليه السلام، منبهاً بهذه الحقيقة الناصعة حيث يقول: “فَالْوَيْلُ لِلْعُصَاةِ اَلْفُسَّاقِ، لَقَدْ قَتَلُوا بِقَتْلِكَ اَلْإِسْلاَمَ، وَعَطَّلُوا اَلصَّلاَةَ وَاَلصِّيَامَ، وَنَقَضُوا اَلسُّنَنَ وَاَلْأَحْكَامَ، وَهَدَمُوا قَوَاعِدَ اَلْإِيمَانِ، وَحَرَّفُوا آيَاتِ اَلْقُرَآنِ“، نعم لقد قتلوا الإسلام بقتلهم ممثله، وقطعوا رأسه عندما قطعوا رأس الإمام لأن الإمام هو “رَبِيعَ اَلْأَيْتَامِ، وَعِصْمَةَ اَلْأَنَامِ، وَعِزَّ اَلْإِسْلاَمِ، وَمَعْدِنَ اَلْأَحْكَامِ، وَحَلِيفَ اَلْإِنْعَامِ” فهو رأس الدِّين والإسلام، وقيِّمه، وشرفه، وعزه، وكرامته.

📌السيدة زينب، عليها السلام، كانت أمينة على وحي الله، ودين الله ورسالة جدها رسول الله إلى الخلق فكانت نعم الأمينة حيث أدَّت الرسالة على أكمل وجه

 فهم عندما أقدموا على جريمته فعلوا ذلك كله ببغيهم، وظلمهم، وتطاولهم عليه، ولكن الإمام، عليه السلام، لم يخرج من هذه الدنيا شهيداً وشاهداً على هؤلاء الأشقياء حتى أودع أسرار النبوة ومواريث الرسالة ما بين السيدة زينب، عليه السلام، جبل الصبر، ومعدن العفاف والطُّهر، وولده الإمام علي بن الحسين السجاد، عليه السلام، كإمام للأمة حقيقة ولكن كان لا بد من أن يكون هناك تقية عليه حتى لا يتعرَّض لمزيد من الضغط، والتهديد بالقتل، فكانت عمَّته أم المصائب وسيدة الصبر الجميل عقيلة بني هاشم الأكارم السيدة زينب بضعة أمها الزهراء وزين أبيها علي، عليه السلام، زين الرجال، وفخر أخويها الحسن والحسين، عليهما السلام، هي كانت الناطقة باسم الدِّين والراعية لرأس الإسلام ابن أخيها زين العابدين، عليه السلام.

لقد قتلوا الإسلام في يوم عاشوراء ولكن لم يدفنوه لأنهم دفنوا أشلاء وجثث قتلاهم من الشياطين وتركوا قرآن رب العالمين الإمام الحسين، عليه السلام، مبضعاً ومقطعاً على رمضاء كربلاء تلفحه الهجير، وتسفي عليه رياح الصبا ذرات الرمال المتعطشة لملامسة ذاك الجسد الطاهر.

 ولكن لشدة غباءهم، وسكرهم في جهلهم وطغيانهم حملوا الرؤوس على الرماح لاسيما رأس الإسلام فكان يتلو عليهم سور القرآن لاسيما سورة الكهف المباركة، وأينما وضعوه يترك للتاريخ والأجيال والإنسانية أثراً لا تمحوه الليالي والأيام، كقطرة من الدم الطاهر الزكي في كل عام في عاشوراء تتحول إلى دم عبيط كما في مشهد النقطة في حلب الشهباء، أو ذاك الشعر الذي كُتب بيد من حديد بالدم القاني، قال: “لما قُتل الحسين بن علي، عليهما السلام، بُعث برأسه إلى يزيد فنزلوا في أول مرحلة فجعلوا يشربون النبيذ ويتبجحون بالرأس فيما بينهم، فخرجت عليهم كف من الحائط، معها قلم من حديد فكتبت أسطراً بدم:

أَتَرْجُو اُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً *** شَفاعَةَ جَدِّهِ يَومَ الحِسَابِ

فهربوا وتركوا الرأس الشريف، ثم عادوا إليه وأخذوه إلى يزيد الشَّر، وقيل أنه وُجد مكتوباً على جدران بعض الكنائس ولأديرة في العراق والروم وبيت المقدس، فلما سألوا راهباً عن السَّطر ومَنْ كتبه، قال: “مكتوب ههنا من قبل أن يُبعث نبيكم بخمسمائة عام، وقيل أكثر، ورَجل من بيت المقدس قال: والله لقد عرفنا أهل بيت المَقْدِس ونواحيها عَشيّةَ قتل الحسين بن عليٍّ، عليهما‌السلام، قلتُ: وكيف ذاك؟ قال: ما رَفعنا حَجَراً ولا مَدَراً ولا صخراً إلاّ ورأينا تحتها دَماً عَبيطاً يغلي، واحمرَّت الحيطان كالعلق، ومطر ثلاثة أيّام دَماً عَبيطاً، وسمعنا منادياً ينادي في جوف اللّيل يقول: أَتَرْجُو اُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً

ولذا قيل: ما رُفع حجر بالشام، وبيت المقدس، يوم قُتل الحسين ، عليه السلام، إلا وُجد تحته دم عبيط، وأمطرت السماء دماً قانياً، ونزل عليهم منها هباباً وأظلمت ثلاثاً، ولولا وجود ولده السجاد، عليه السلام، لأمطرت عليهم حجارة من سجيل مسومة للمجرمين.

  • الإسلام فُجع برأسه

نعم؛ هذه حقيقة واقعية وواضحة كعين الشمس أن الإسلام فُجع بنفسه، عندما قطعت أمته رأسه الشريف ورفعته على رمح طويل لتهديه إلى بغي من بغايا بني أمية اللعناء، والذي حفظه وحماه وسار به في البلدان ومع الركبان كانت السيدة زينب بنت علي والزهراء، عليهم سلام الله، لتحكي للشجر والحجر، والسماء والأرض قبل البشر قصة عاشوراء الدامية ومقتل رأس الإسلام النَّامي وفرع الرسول السَّامي وهذا رأسه على الرمح يقرأ القرآن.

فالسيدة زينب، عليها السلام، كانت أمينة على وحي الله، ودين الله ورسالة جدها رسول الله إلى الخلق فكانت نعم الأمينة حيث أدَّت الرسالة على أكمل وجه، وصانت الأمانة إلى أن سلمتها إلى ابن أخيها زين العابدين فقام بمهمته كأتم قيام.

  • الإمام زين العابدين  عليه السلام

والتاريخ الظالم يقول: بأن الإمام علي بن الحسين كان صامتاً في حياة أبيه، عليه السلام، الإمام الناطق بالحق والصدق، وبقي كذلك حتى بعد شهادته وفي مرحلة السبي والسجن فكانت الناطقة عمته السيدة زينب، عليه السلام: “العَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ، فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَة”ٍ، كما كان يقول لها، وما نطق إلا للضرورة وعند الحاجة كخطبته العصماء في مجلس يزيد الشر في الشام، إلى أن رجع من بعد زيارة الأربعين الأولى فأخذ مواريث الأنبياء والأوصياء وقام في الأمة يبعث فيها روحها التي أماتها صبيان بني أمية من جديد، وراح يُعيد لها توازنها، وثقتها بنفسها التي خلخلها يزيد الشر بأعماله الإجرامية الثلاثة بحق الله بضرب الكعبة وهدمها وحرقها، ورسوله وأهل بيته الأطهار ، عليه السلام، في كربلاء، وبحق المسلمين وأبناء الصحابة في وقعة الحرَّة التي يندى لها جبين التاريخ خجلاً.

📌 الجريمة النكراء التي قام بها شذاذ الآفاق من جنود بني أمية وقيادة قرشية طاغية كانت تهدف إلى قتل الإسلام في أهله

فالإمام السجاد الذي كان مراقَباً كظله ويعدُّ عليه مروان الوزغ أنفاس نفسه، ولا يستطيع أن يجتمع مع أحد ولا يجلس إليه أحد لاسيما بعد أن فرَّقوا بينه وبين عمته السيدة زينب ، عليه السلام، حيث أخرجوها من المدينة لأنهم لا طاقة لهم عليها وهي تبكي إخوتها وتحكي قصة سبيها فكانت في كل مجلس تقيم الدنيا ولا تقعدها على بني أمية في مدينة جدِّها.

فأخرجوا السيدة زينب ، عليه السلام،، وحاصروا الإمام السجاد، عليه السلام، في بيته، فما كان من الإمام إلا أن يُبدع في إيصال الرسالة وصوت المظلوم الشهيد، فكان يبكي ليله ونهاره، كرسالة رفض قاطعة لحكم الظلم والطغيان الأموي البغيض.

ثم كان يقضي حياته الشريفة بالعبادة والضراعة والدعاء إلى الله وهذا لا يستطيع أحد أن يمنعه فيه، فضخ في صحيفته الرائعة وهي بمثابة زبور آل محمد كل ما يختلج في صدره الشريف من معاني إسلامية وإيمانية وروحانية راقية فأعاد إلى الأمة الروح التي داستها خيول بني أمية الطلقاء.

ثم علمها الحقوق الواجبة والمهدورة برسالة الحقوق التي تعد بحق دستور حضاري لبيان الحقوق المختلفة بين البشر، ثم كان يشتري العبيد ويعلمهم، ويثقفهم، ويحكي لهم عن مأساة عاشوراء وما جرى فيها على السِّبط الشهيد وإخوته وأبنائه وأصحابه الكرام الشهداء حتى إذا كان يوم العيد يُصلي بهم ويعتقهم ليكونوا دعاة له في هذه الأمة التي يحكمها الطغاة والظلمة من أشقيائها من أبناء الشجرة الملعونة الزقومية في القرآن بني أمية الطلقاء الأشقياء.

  • حفظ الإسلام بزينب والسجاد عليه السلام

وهكذا حفظ الله الإسلام العظيم ما بين السيدة زينب، عليه السلام، التي حفظت الأمانات كلها، وحفظت حتى ابن أخيها الإمام السجاد عندما كان يتعرض للخطر فترمي بنفسها الشريفة عليه لتنقذه، وأما الإمام علي بن الحسين، عليه السلام، الذي قام بمهمة الإمامة والقيادة للأمة التي قتلت أباه وإخوته وأعمامه جميعاً أمام باصرته وعينيه ولم تراع الله فيه، فإنه كان نعم الإمام لأمة قتلت إمامها وقطعت رأسه وأهدته لبغي من بغايا بني أمية، ولكن الدِّين والإسلام كان الهدف الأرقى، والأسمى، والأعلى الذي كان يهدف كل أهل البيت، عليه السلام، حفظه وبقاءه واستمراريته في هذه الحياة، وكان ذلك كله ما بين زينب والسجاد عليهما السلام.

عن المؤلف

الحسين أحمد كريمو

اترك تعليقا