واجهنا المنع، والاضطهاد، والمطاردة، ثم السجن والموت لإصرارنا على إقامة الشعائر الحسينية، ولا أجدني بحاجة لذكر التفاصيل عن هذا التاريخ الجهادي المضمّخ بالدماء، والمشحون التضحيات والبطولات، إنما المهم في الوقت الحاضر تسليط الضوء على أجواء الحرية التي حظي بها شيعة أمير المؤمنين في العراق، فهذه ليست مكسباً سياسياً مطلقاً، بقدر ما هي نعمة إلهية، ومكافأة من الامام الحسين، وأهل البيت، عليهم السلام، على تلكم التضحيات الجسام لشباب وشابات دفعوا حياتهم ثمناً لكراس صغير عن عاشوراء، او لحديث عن الامام الحسين في حقيبة مدرسية، او حتى لزيارة لمرقد الامام الحسين في ليالي الجمعة.
الحرية نراها حالياً في إقامة المجالس والشعائر الحسينية، مدعومة بدعم مباشر من مؤسسات الدولة الخدمية في العراق التي توفر الماء والكهرباء والطرق والمواصلات، فالعراق اليوم بما يقيمه من مراسيم عاشورائية، وايضاً في زيارة الاربعين، لا يشبه أبداً العراق الأمس في ظل نظام صدام، ولكن!
📌من ابرز تلك القيم؛ الصلاة، والحجاب، والوفاء، والعلم والمعرفة، وهذه هي التي كانت تخيف الانظمة الجائرة على طول الخط، وآخرها نظام حزب البعث في العراق
هل الحرية التي كان ينشدها الشباب المؤمن والحسيني آنذاك، هي لذرف الدموع واستذكار المأساة فقط؟ أم أنهم كانوا يجاهدون لنشر القيم والمبادئ التي من اجلها ضحى الامام الحسين بنفسه وأهل بيته؟
من ابرز تلك القيم؛ الصلاة، والحجاب، والوفاء، والعلم والمعرفة، وهذه هي التي كانت تخيف الانظمة الجائرة على طول الخط، وآخرها نظام حزب البعث في العراق، ففي وقت كان أولئك الاخيار ينشرون هذه القيم، كان النظام البائد ينفق الملايين لإقامة حفلات الغناء، ولتعليم الموسيقى، والرقص، وحتى شراء الافلام الخليعة من الخارج وعرضها في مدن قريبة من كربلاء المقدسة، الى جانب الحرص الشديد على نشر الكتب والمطبوعات ذات المفاهيم المغلوطة عن الانسان والدين التي تغيب الحقيقة وتخلق واقعاً مزيفاً للناس، بعيداً عن منهج القرآن الكريم وسيرة المعصومين، عليهم السلام.
فهل ـ والحال كذلك – يمكن ان نبيح لانفسنا اليوم الابتعاد بافكارنا واجتهاداتنا لإقامة الشعائر الحسينية بما تملي عليه رغباتنا وقناعاتنا الخاصة؟
وهل هو استحقاق هذه المناسبة العظيمة أن يتكلم خطيب على المنبر عن أولوية الصلاة على إقامة الشعائر، وخطيب آخر اسمعه يتكلم نقيضه؛ بترك إقامة الشعائر في وقت الصلاة وأدائها في اوقاتها ثم العودة الى المراسيم، وآخر يفضح سرائر الناس بأن “مرتكب السرقة والخيانة والكذب هم بين المشتركين في الشعائر الحسينية”! بالمقابل نسمع بمن يستسهل ارتكاب الذنب اذا كان طريقه الى الشعائر الحسينية بدعوى غفران الذنوب في ظل هذه الشعائر!
ماهي الكلمات التي تشكلت منها القصيدة الشهيرة للشاعر رسول محي الدين، وقرأها الرادود الشهير؛ ياسين الرميثي؛ “ياحسين بضمائرنه صحنه بيك آمنه”، حتى يصدر ضدها قرار حظر تداولها وسماعها؟
📌 هل الحرية التي كان ينشدها الشباب المؤمن والحسيني آنذاك، هي لذرف الدموع واستذكار المأساة فقط؟
وعماذا كان يتحدث الشيخ الكعبي في منبره حتى يتم استدعائه عدة مرات من قبل اجهزة القمع آنذاك؟ بل لماذا كان يحظر زيارة الامام الحسين يوم الاربعين مشياً على الاقدام، وكانت مسموحة بالسيارت؟ هل كان المشي يهدد النظام السياسي لحزب البعث؟ أم إن الزائرين كانوا ينوون التوجه مشياً باتجاه بغداد لاقتحام القصر الجمهوري؟!
إنه منهج الرفض والتحدي لكل انحراف عن طريق الامام الحسين، وطريق الرسالة المحمدية، ليس في ايام عاشوراء والاربعين فقط، وإنما طيلة ايام السنة، بينما كان حزب البعث يتصور أنه الأقدر والأكفأ على تنظيم حياة الناس وقيادتهم وفق افكاره المستوردة من خارج البلاد. سيمضي على ممارستنا لحرية مطلقة في شعائرنا الحسينية في العراق، عشرون عاماً ونحن نعيش ذكرى الامام الحسين، ونهضته وتضحياته خلال ايام عاشوراء، وايام الاربعين فقط، أما سائر الايام والشهور فهي للحديث عن الفساد، والفقر، والمحاصصة السياسية، والتبعية للخارج، وكل ما أنتجه الابتعاد عن منهج الامام الحسين، وفي مقدمته؛ الإصلاح الذاتي والاجتماعي.