يقول الله ـ تعالى ـ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
كانت قد نذرتْ ما في بطنها محرراً لله، لكنها فوجئت بأن المولود أنثى، يقول ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}، فذلك المجتمع لم يرَ للأنثى دوراً، ولا يقيم لها وزناً، فما عسى هذه الأنثى تنفع إذا نُذرتْ لله؟
ماذا ستقدم في الحياة الاجتماعية؟
هل ستدعو الناس الى الله؟
تلك الانثى التي ولدت محرراً لله مريم بنت عمران، يقف اليوم اجلالاً لها أكثر من ثلثي البشرية، لأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد تقبلها بقبول حسن، وأنبتها نباتا حسنا، وصارت هذه المرأة الوعاء الطاهر لنبي عظيم من أنبياء الله، وهو عيسى بن مريم، عليهما السلام، وصارت هذه المرأة سيدة أهل زمانها، ومن سيدات أهل الجنة.
📌 لو عدنا الى الدين نجد أنه اعطى مكانة كبيرة للمرأة، ولا يمكن أن تُقارن بالمواثيق الدولية التي يتحدثون عنها بالنسبة الى حقوق المرأة
هذا الموقع الذي جعله الدين للمرأة، بالرغم من ان الاسلام على وجه الخصوص، وسائر الديانات الالهية، من انها جعلت مكانا مرموقا، إلا انه ومع الاسف الشديد نجد بأن هذه القضية كانت ولا تزال، من السيوف المسلّطة بيد أعداء الدين على الدين نفسه، وبالذات الدين الإسلامي.
في مثل هذه الايام نحن نعيش حملة شرسة على الدين باسم تحرير المرأة، وباسم احترام حقوق المرأة، أو ما يُطلق عليه بالنسويات، وهذا لا يقتصر على البلاد الغربية، بل تعدى الى بلادنا، وهناك منظمات لديها دعم كبير، وتعمل في بلادنا على محاربة الدين تحت يافطة: احترام مكانة المرأة، أو المساوة بين الرجل والمرأة.
ومع الاسف الشديد كان هذا الشعار منفذاً من منافذ ابليس من هذه الوساوس الشيطانية الى نسائنا وبناتنا.
- مكانة المرأة في الدين الإسلامي
لو عدنا الى الدين نجد أنه اعطى مكانة كبيرة للمرأة، ولا يمكن أن تُقارن بالمواثيق الدولية التي يتحدثون عنها بالنسبة الى حقوق المرأة؛ فميثاق الأمم المتحدة الذي يحتوي على سبع عشر بنداً، أحد هذه البنود يتكلم عن حقوق المرأة، والمساواة بين الجنسين، فإذا قرأنا تلك البنود، وقارنا بينها وبين ما ورد في الدين الاسلامي عن المرأة؛ سواء كانت هذه الأنثى بنتاً، أم اختاً، أم زوجة، أم أماً، نجد الدين اعطاها مكانة مرموقة.
الدين اراد أن تكون المرأة سعيدة، فأعطاها مكانة، وحملها مسؤوليات كما حمل الرجل، ولكن كل بحسبه، ولا يمكن أن نتصور مجتمعا، أو امة سعيدة إذا كانت المرأة في هذا المجتمع مهانة، أو لم تأخذ دورها بالشكل الصحيح، ولذلك نجد النصوص الكثير، فضلا عن السيرة الوفيرة في قضية المرأة والإهتمام بها.
إذا عدنا الى الروايات ـ مثلا ـ في كتاب الكافي للشيخ الكليني نجد بابا في هذا الكتاب تحت اسم “باب فضل البنات”، وجمع في هذا الباب مجموعة من الروايات، عن النبي وأهل بيته، صلوات الله عليه وعليهم، في فضل البنت على الولد.
في مجتمعنا لا يحبون أن يرزقوا بناتا، لكن نجد الروايات عكس ذلك؛ يقول : “عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم: “نعم الولد البنات؛ ملطّفات، مجهّزات، مؤنسات، مباركات، مفليات”.
وإذا كانت هذه الانثى أخت، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: و واحدة “.
وحديث قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرحه الله تعالى يوم القيامة”.
أما الزوجة فجاءت روايات كثيرة، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لأهلي”، ويقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “المرأة ريحانة وليست بقهرمانة”.
جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموما قالت: ما يهمك، إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هما، فقال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: بشرها بالجنة وقل لها: إنك عاملة من عمال الله ولك في كل يوم أجر سبعين شهيدا”.
مكانة الأم في الروايات كبيرة وعظيمة، يقول الإمام زين العابدين في حق الأم: “أمّا حقّ اُمك أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً ووقتك بجميع جوارحها ولم تبالِ أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتعرى وتكسوك وتضحّي وتظلك وتهجر النوم لأجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها وانك لا تطيق شكرها إلاّ بعون الله وتوفيقه”.
- المرأة في الحضارة المادية
نحن نرى ان شعارات وافلام الحضارة المادية بالنسبة للمرأة، جميلة من حيث الظاهر، لكن الحقيقة أن هذه الحضارة تهين المرأة وتسليعها، وتضيف إليها مزيداً من العبودية الجنسية، وغيرها من الاهانة للمرأة.
فأخرجوا المرأة من بيتها ووضعوها في السوق، فحرب ـ الماديين ـ ضد الأسرة لهذا السبب، فهم يتعاملون مع المرأة على انها قوة اقتصادية.
وإذا جئنا كيف أنهم يقيمون المرأة فنجد أنهم يقيمونها على جمالها، بعيداً عن عقلها، وفهمها، أو كونها مدبرة، فلا يمكن لاي شركة طيران أن تأتي بامرأة قبيحة، وكذا الامر في القنوات التلفزيونية.
لذلك نجد النساء ـ في الحضارة المادية ـ تهلث وراء ارضاء الرجل؛ بعمليات التجميل، وانواع الزينة، وعمليات شفط الدهون وما اشبه، كل ذلك من أجل ان تكون للمرأة مكانة في العجلة المادية التي تسحقها، وسرعان ما يتم التخلي عنها، في حال أنها كبرت في السن، او اصبح وجهها قبيحا!
📌 للإعلام دور كبير في هذا الاتجاه، فهو يصور للمرأة اشياء ليست واقعية، ولذلك نجد الاسلام حتى يسعد المرأة، يبدأ تصحيح المفاهيم، فيبين دور وعظمتها بأي موقع كانت
أن تُجعل المرأة منافسة للرجل، فإن ذلك أكثر جريمة وإهانة بالنسبة للمرأة، فلا يمكن ـ مثلا ـ ان يجتمع الرجل والمرأة في فريق كرة قدم، لان كيان المرأة يختلف عن الرجل، وهذه هي طبيعة خلق الله لكلا الجنسين، أنهما مختلفان عن بعضهما.
الذي يريد المرأة ان تنافس الرجل في سوق العمل يرتكب ثلاث جرائم:
اولا: تدنيس موقع المرأة كأنثى، فمكانة المرأة لا تظهر في السوق، وإنما تظهر مكانة الحقيقية في الأسرة.
ثانيا: يدنس مقام الأمومة وهو المقام العظيم الذي جعله الله للمرأة، وهذا المقام محارب من قبل الكثير في الحضارة المادية، نجد ـ مثلا ـ صاحبة كتاب “الجنس الآخر” وهي من النسويات المتشددات، تقول في كتابها: “لا يوجد قداسة لمسـألة أمومة المرأة، لأن الأمومة تخلق اضطربات هرمونية للمرأة”.
ثالثا: حين تُجعل المرأة بعيدا عن الأسرة، يفتح بذلك بابا للتحرر الجنسي، وهذا ينتج الكثير من الويلات منها الاجهاض الجنسي، وغيرها من المشاكل. لذا نجد ان الله ـ تعالى ـ يحرم الزنى الذي هو مقدمة لقتل الأولاد خشية الإملاق (الفقر)، لذلك هناك احصاءات كبيرة حول أولاد الزنى التي ترتفع بشكل عجيب.
للإعلام دور كبير في هذا الاتجاه، فهو يصور للمرأة اشياء ليست واقعية، ولذلك نجد الاسلام حتى يسعد المرأة، يبدأ تصحيح المفاهيم، فيبين دور وعظمتها بأي موقع كانت؛ أمّاً، أختا، زوجة، لذا نجد الاعلام يصور ربّة البيت على انها منهكة وغير مرتبة، بخلاف المرأة العاملة فهي تُصور على انها ناجحة وصاحبة انجازات كبيرة.
- هل للمرأة دور في الحياة العامة؟
هناك اشكالية في فهمنا لدور المرأة في الحياة العامة، و نوع من التطرف في فهم عملها الرسالي، ولذا يجب أن نعود الى قصص النساء الرساليات، لنعي حقيقة الدور الذي قمن به، فحين نقرأ قصة موسى عليه السلام، وكيف بدأت مسيرته الرسالية، لانقاذ بني اسرائيل الذي يرزحون لسنوات تحت رحمة الفراعنة.
تبدأ الحياة الرسالية لهذا النبي، من قوله ـ تعالى ـ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}، ثم دور أخت موسى، ثم دور زوجة فرعون التي ضربها الله مثلا للذين آمنوا من الرجال والنساء.
وكذا نبوة عيسى بن مريم، عليهما السلام، بدأت من: {إِذْ قَالَتْ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، ثم دور مريم عليه السلام.
أما إذا جئنا الى الاسلام فنجد المرأة حاضرةً في كل مواطن الرسالة، يقول الله ـ تعالى ـ: {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، جاء في الرواية أن الذكر علي بن ابي طالب، عليه السلام، والانثى الفواطم”.
فهل يُتصور بقاء الإسلام من دون خديجة، ومن دون فاطمة الزهراء، عليها السلام، وفاطمة بنت أسد، هذه المرأة العظيمة والجليلة، التي ذهبت مشياً الى المدنية المنورة اجلال لرسول الله، صلى الله عليه وآله.
وهذا باقٍ الى آخر الزمان، فصفوة جيش الإمام الحجة بن الحسن، عجل الله ـ تعالى ـ فرجه، ثلاثمة وثلاثة عشر رجلا، بينهم خمسين امرأة، هذا هو الدور الريادي، والقيادي للمرأة في الإسلام.
حينما أراد الله ـ تعالى ـ لكربلاء أن تكون بما هي عليه الآن، وان يستقيم الدين بهذه الفاجعة الأليمة، سئل الإمام الحسين، عليه السلام: وما حملك النساء يا أبا عبد الله؟
قال: شاء الله ان يراهن سبايا. ولذا كان لابد أن تكون للمرأة بصمة، ودوراً مهما في هذه المعركة المصيرية.
على المرأة اليوم أن تعي دورها الحقيقي، فلا تغتر بما يقال في الإعلام، ولابد على المرأة المؤمنة أن تبحث عن الشيء الذي لا تبحث عنه النساء الأخريات، نقرأ في زيارة أبي الفضل العباس، عليه السلام: “والراغب في زهد فيه غيره من الثواب الجزيل”، فمن المهم جدا أن تلفت المرأة المؤمنة الى تربية ابنها ليصبح غداً عالما من علماء الأمة، فيُقر عينها به. وكذا على المرأة الرسالية أن تعين زوجها حينما يقوم بدور رسالي في هذا المجتمع
و إذا جئنا الى كربلاء نجد دور المرأة الرسالي، كدور زوجة زهير بن القين البجلي، حينما جاءه رسول الإمام الحسين، عليه السلام، فقال: أن الحسين يدعوك إليه.
فرفض زهير.
جاءته زوجته فقالت: واعجباه، يبعث إليك ابن بنت رسول الله ولا تجيب، هلّا سمعت كلامه.
وبعد ان رجع من عند الإمام الحسين، عليه السلام، قال لها: ارحلي لا اريد ان يصيبكِ شيئا بسببي.
فقالت: خار الله لك واعانك الله على ذلك، اريد ان تذكرني يوم القيامة عند جد الحسين.
هذا هو الفهم الحقيقي لدور المرأة، وهذه في السعادة.
المرأة الثاني، هي زوجة حبيب بن مظاهر الاسدي، حينما جاءه رسول الامام الحسين، عليه السلام، الى داره في الكوفة، فقرأ حبيب الرسالة وكانت زوجته تسمع رسالة الحسين، عليه السلام.
فجاءت الى زوجها وقالت: ابو القسم، أيدعوك اب بنت رسول الله ولا تكترث لدعوته؟
فرأته لا يجيب، فأخذت مقنعتها (غطاء رأسها) وقالت: خذها واعطني سيفك وجوادك وسألتحق بالحسين.
فقام وقبل بين جبينها، وقال: لأنعمنك عينا يا ابنة العم.