يقول الله ـ تعالى ـ: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}
هل الدين يخالف غرائز الانسان؟
هل الالتزام بتعاليم الدين تجعل الانسان شقيا؟
لماذا يجب عليَّ ـ كمسلم ـ أن التزم بهذه التكاليف والحدود التي وضعها الدين؟
أليس ذلك يخالف وجود الرغبات داخل النفس الإنسانية؟
هذه التساؤلات بشكل أو بآخر تمرُّ بكل إنسان، وهذه التساؤلات كانت مفتاح إبليس للدخول الى أبينا آدم عليه السلام، لان هناك هاجس في داخل الانسان يريد تحقيق رغباته، وشهواته.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ}، الشطيان صوّر لآدم أن نهي الله يخالف تلك الرغبة التي في داخله، لذلك نجح إبليس في اغوائه، وأكل من الشجرة، وفيما بعد تبين أنها شجرة الطرد وليس الخُلد.
📌 من رأفة الله بالإنسان أنه ـ تعالى ـ بعث الأنبياء والرسل، حتى يبينون سبل السلام، فيعيش الإنسان حياةً طبية وهانئة
الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الإنسان وزوده بفطرة وعقل، وبفطرته وبعقله يمكنه أن يكتشف سُبل السلام، بالاضافة الى ذلك هداية الله له الى النجدين، ومع ذلك شهوات الانسان، وهوى نفسه، وكونه خُلق عجولا، وكون أن الشيطان قد أقسم بعزة الله ان يغوي بني آدم، فإنه في هذه الحالة لا يستطيع الإنسان المقاومة، ولا تشخيص سُبل السلام عن غيرها؛ أي الطريق الذي يؤدي به السعادة، أو الى الشقاء.
ومن رأفة الله بالإنسان أنه ـ تعالى ـ بعث الأنبياء والرسل، حتى يبينون سبل السلام، فيعيش الإنسان حياةً طبية وهانئة.
- هل الدين يعقّد الأمور؟
من العجيب أن يُتهم الدين بأنه معقّد، وانه صعب، وانه يخالف رغبات الإنسان، صحيح أن الدين فيه محددات، فهو لا يمنع رغبات الانسان بل ينظمها، فلا رهبانية في ديننا الاسلامي، لأن مهمة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، بصريح الآية الكريمة: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}.
التقاليد التي كانت العرب متمسكون بها، كانت عبارة عن قيود صلبة تحد من تحركهم، وقد بينت الآيات الكريمة جزءا من تلك التقاليد، يقول الله ـ تعالى ـ {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا}.
كلما اتبعد البشر عن منهج السماء، فإنه يضيف على نفسه تعقيدا إضافيا، وأبسط دليل على ذلك؛ نجد المذاهب المختلفة التي لا ترتبط بالسماء، كيف أن حياتهم مقيدة بقضايا لم ينزل الله بها من سلطان، فضلا عن اولئك الذين يعبدون البقرة والفأر.
بينما الاسلام على العكس تماما؛ فهو الشريعة السمحاء، وهذه الشريعة تأتي بمحددات ومنظِمات، لأن البشر من دونها لا يستطيع العيش.
شيخ الملحدين صاحب كتاب وهم الإلهة قال في مقابلة له: أرى أنه يجب أن يكون هناك دين، لان الناس بدون دين لا يمكنها ان تعيش”.
أحيانا قد يسمى الدين قانون، أو دستور، أو قد يسمى دين سماوي، لكن بالنتيجة أن البشر بحاجة الى دين، لأنه إذا لم يلتزم الناس بدين الله فسيذهبون الى الشعوذة، والبطالين، والاهواء، والشهوات وما شابه.
مشكلة الكثير أنه أخطأ البوصلة، واصبحت المفاهيم لديه مفاهيم مغلوطة، فبعض المفاهيم فُهمت خطأ؛ مثلا مفهوم السعادة، لم يعرف الكثير ما هي السعادة، وما هو طريقها، لذلك يأتي الدين ليعيد لنا الفهم الصحيح لكل شيء.
- مفهوم السعادة
إذا راجعنا علماء النفس وحديثهم عن السعادة، نجدهم يتكلمون ـ مثلا ـ: لماذا يشعر الإنسان بالإكتئاب؟
ولماذا يشعر بالشقاء؟
يقولون ـ علماء النفس ـ: أن الإنسان لديه رغبات يريد الوصول إليها فلا يستطيع إليها سبيلا، وفي هذه الحالة تخرج نزواته الحيوانية، فتراه يسرق، ويزني، ويعتدي على الآخرين. ولذلك نرى بعض الفلاسفة يقولون: “يجب أن يبقى الجنس مفتوحا، حتى لا يصبح هناك هلعا جنسيا”.
جون كبرلت كتب كتابا جميلا جدا أسماه “السعادة المتعثرة”، وفي هذا الكتاب جاء ما مضمونه؛ أن الإنسان يسعد بالشيء الذي لا يحصل عليه ـ ربما ـ اكثر من الشيء الذي يحصل عليه. لذلك من الخطأ أن يتصور الإنسان أن لن يسعد، إذا لم يصل الى الشيء الذي يريد.
ولتقريب المثل، اليوم تباع لفة (سندويش) الفلافل بخمسمئة دينار، هذه اللفة يأكلها العامل البسيط، ويأكلها الموظف الذي لديه راتبا عاليا، فأيهما يلتذ، ويسعد بها أكثر من غيره؟
لذلك من الخطأ أن يتصور البعض أنه إذا لم يحصل على الاشياء التي يريدها، فإنه لن يسعد في هذه الحياة.
- الدين وتصحيح المفاهيم
أول مفهوم صححه الدين، وهو ذو أهمية كبيرة، هو مفهوم العلاقة بين الدينا والآخرة، فبين ما هي حقيقة الدنيا، وما هي الآخرة، وما هي العلاقة بينهما.
وتأتي أهمية هذا الأمر ـ فهم العلاقة ـ في أنه يوفر للإنسان السعادة وذلك من خلال ثلاثة أمور:
الأمرالأول: الفهم الصحيح للعلاقة بين الدنيا والآخرة، فالإنسان إذا ضمن الآخرة فإنه يسعد في الدينا، تصوّر لو أن شخصا اخذوه الى جزر المالديف، ووفروا له ألذ الطعام والشراب، وقالوا له: لك هذه الليلة أن تأكل وتشرب كما تريد، وغدا يمكن أن تُعدم! فهل يلتذ هذا الشخص بما عنده؟
الأمر الثاني: أكد الدين أن دار الآخرة هي المقر، والدنيا عبارة عن ممر، فلا يجب أن يولي الأهمية الكبيرة لدار الدنيا، ويجب اعطاء الدنيا بقدار الاحيتاج، وليس أكثر من ذلك. خطب الإمام الحسين، عليه السلام، يوم عاشوراء فقال: “الحمد لله الذي خلق الدينا وجعلها دار فناء وزوال متصرفةً بأهلها حالاً بعد حال المغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الحياة فإنه تقطع رجاء من ركن إليها وتخيب طمع من طمع فيها”.
وفائدة هذا الفهم ـ أن الدينا دار ممر ـ أن الإنسان إذا لم يحصل على الشيء الذي يريد فإنه لا يتأسف على ذلك، ولذلك إذا ضعُف إيمان المرء بالآخرة فإن كل موازينه تختل، بينما المؤمن بالآخرة تصبح لديه طمأنينة إذا لم يحصل على شيء أراده.
كتب الإمام الحسين، عليه السلام، رسالة الى محمد بن الحنفية، وهذه الرسالة تعد أقصر رسالة في التاريخ، وأطول رسالة في مضامينها، كتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي الى أخيه محمد بن الحنفية ومن قبله من بني هاشم أما بعد فأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل والسلام”.
الأمر الثالث: أن الإنسان بالفهم الصحيح للعلاقة بين الدينا والآخرة يطرد أكثر شيء يصنع له الخوف، والقلق، وهو الموت؛ فالإنسان لا يريد أن يجوع خوفاً من الموت، ولا يريد أن يعطش لئلا يموت، لكن الإنسان الذي يفهم الدينا على حقيقتها، وان الموت آتٍ، فإن يرى أن الموت لا يشكل خطراً عليه، بل يراه كما يعبر بذلك الإمام الحسين، عليه السلام: “فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما”.
ويقول عليه السلام: خ”ُط الموتُ على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة”، فالموت يزين الإنسان المؤمن، لذلك ورد في الرواية أن أصحاب الإمام الحسين، كانوا لا يحسون بحرّ الحديد.
إذا تغير هذا المفهوم عند الإنسان من الفهم الخاطئ الى الفهم الصحيح، فإن حياته تتغير الى الأفضل، لذا نجد الإمام الحسين، عليه السلام، يقول ليلة عاشوراء: “الدنيا حلوها و مرّها حلم والإنتباه في الآخرة”.
📌 إذا طبّق الإنسان الفهم الصحيح في العلاقة بين الدينا والآخرة، في واقع حياته فسيرى التغيير الواضح في ذلك، ويعيش أسعد، وتصبح أموره على موازينها الصحيحة
إذا طبّق الإنسان الفهم الصحيح في العلاقة بين الدينا والآخرة، في واقع حياته فسيرى التغيير الواضح في ذلك، ويعيش أسعد، وتصبح أموره على موازينها الصحيحة، فيرى الصعوبات والمشقات سهلة بالنسبة له، فالصلاة ـ مثلا ـ تصبح راحةً له، لأنه يعرف أين ستؤدي به الصلاة، النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله، كان إذا جاء وقت الصلاة يخاطب بلال: “أرحنا يا بلال”. وكذا في بقية الأمور العبادية؛ كالصوم والحج وما شابه.
شهوات الإنسان خُلقت للآخرة وليس للدنيا؛ فشهوة الجنس للحور العين، وشهوة الطعام لطعام الجنة، ومشكلة من يدعو الى اشباع رغبات الإنسان دون حدود أنه يريد تكييف الحياة مع هواه، وهذا لن يحدث، فليس كل ما فيها يناله الإنسان، فأعظم امبراطور لا يستطيع فعل كل ما يريد، يقول الله ـ تعالى ـ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}.
ولهذا نجد من يلهت وراء الماديات ويريد الوصول اليها، فإذا وصل الى درجة معينة، يحتقر نفسه، ويتبين له أن ما سعى إليه تنتهي لذته بسرعة، ولذلك تنتشر حالات الانتحار بين المترفين بشكل كبير، لانه وصل الى طريق مسدود، لذلك فإن طريق السعادة هو الفهم الصحيح للعلاقة بين الدنيا والآخرة.