تدبرات في سورة (القيامة) شهر رمضان المبارك / 1440 هـ – (العاشر)
“فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى”
بسم الله الرحمن الرحيم
[فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى (32)ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34)ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى] (35)
صدق الله العلي العظيم
تفصيل القول
ليس سهلاً أن يزكّي الانسان نفسه، ويحتاج الانسان الى صعقة تهزّ كيانه من أجل الاستيقاظ ومواجهة النفس الأمّارة بالسوء، ولذلك تجد الآيات القرآنية تُمهّد للحديث عن الصلاة والتصديق بالحديث عن الفراق والموت.
يقول ربّنا تعالى: [فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى]
بون شاسع بين من يؤمن بالآخرة، ومن هو منها في شك، ويشمل ذلك كلّ تفاصيل حياتهم، خصوصاً أنّ من يؤمن بالآخرة يرسم الحدود الصحيحة لنفسه، و يعي الواجبات التي على عاتقه، من الأقربين والى سائر المؤمنين، و كلمة [صَدَّقَ] لا تعني مجرّد الزكاة، بل كلّ الواجبات التي على عاتقه تجاه الغير.
وتارة تكون الصدقة بالمال وتارة بالفعل، وتارة بالكلمة الطيبة، بل وحتّى ازاحة الاذى عن الطريق صدقة، وهكذا لابدّ من البحث عن الواجبات والحقوق تجاه الغير.
وَ لا صَلَّى
نحن نجهل حقيقة الصلاة رغم أنّنا نؤدّيها، جوهر الصلاة تُنظّم علاقة الانسان بربّه المتعال ولذلك هي عمود الدين، واذا كان كلمة [صدّق] تُنظم العلاقة مع الخلق، فإنّ كلمة [صلّى] تُنظّم العلاقة مع الخالق العظيم.
في الصلاة معرفة الله، من سورة الحمد التي لو تدبّر الانسان فيها مائة مرة لوجد في كلّ مرّة حقائق جديدة ولا يصل الى منتهى العلم بها وقد جاء في الحديث أن عبدالله بن عباس جاء الى الامام امير المؤمنين (عليه السلام) يسأله عن تفسير القرآن، فوعده بالليل، فلما حضر قال: «ما أول القرآن؟». قال: الفاتحة.
قال: «و ما أول الفاتحة؟» قال: بسم الله.
قال: «و ما أول بسم الله؟». قال: بسم.
قال: الباء، فجعل (عليه السلام) يتكلم في الباء طول الليل، فلما قرب الفجر قال: «لو زادنا الليل لزدنا».[1]
وهكذا لو تأمّلنا في كلّ معاني الصلاة سنجد فيها معرفة الله، ومعرفة انبياءه وسننه.
اذن لو أراد الانسان أن يطمئن يوم الفراق من الدنيا لابدّ أن نهتم بقوله: [فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى]
والصفة المقابلة لذلك هو قوله: [وَلكِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلَّى] فالتفكير الذاتي عند الانسان، و الظلم الاجتماعي، فهو التكذيب الناشئ من التكذيب بالله واليوم والآخر.
وهكذا قوله تعالى: [تَوَلَّى] في قِبال الصلاة والقُرب، حيث يبتعد عن الرب امّا بعدم اتيان الصلاة أو بالسهو عنها، واداءها كيفما اتفّق.
[ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى]
أصل التمطّي تمدّد البدن من الكسل، و هو من لوى مطاه أي ظهره. قالوا:
إنّه إشارة إلى التبختر على نهج القرآن في ذكر الصفات بالتصوير الظاهر. و لعلّه أعمّ من ذلك حيث يدل على حالة اللامسؤولية و الإشتغال باللهو و اللعب عن الجد و الاجتهاد.
ثم يتوعد اللّه من تكون صفاته التي مرّ ذكرها بالعذاب بعد العذاب فيقول:
[أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34)ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى]
أي أنّك المسؤول عن الفعل، وتأكيد على المصير الذي ينتظره جاء في الحديث عن عبد العظيم الحسني قال: سألت محمد بن علي الرضا (ع) عن قول اللّه عزّ و جلّ: «الآيتين» قال: «يقول اللّه عزّ و جلّ: بعدا لك من خير الدنيا، و بعدا لك من خير الآخرة»[2].
__________________________
[1] البرهان في تفسير القرآن، ج1، ص: 4.
[2]( 1) نور الثقلين/ ج 5 ص 466.