يصارحني العديد من الشباب بقصصهم وهمومهم ومعاناتهم، وبعضهم يصارحني بتوبته إلى الله ـ سبحانه ـ لكن أغرب هذه التوبات قصة لشاب تحول من الضياع إلى الرسالية.
يحكي لي أنّه من أسرة عفيفة، والداه صالحان، اخوته ليسوا بالأشقياء، لكن أصدقاءه في قمة الشقاوة، لا يتركون ذنباً إلا ويقترفونه، ولا محرماً إلا ويهتكونه. أغلب أوقاتهم في اللهو الباطل، دراستهم ضعيفة، أشكالهم مخيفة، سمعتهم سيئة، وقد تورط بصداقتهم وانغمس معهم.
يقول لي: لقد تعب والداي مني، أحرجت أبي مراراً وتكراراً؛ في المدرسة، في مخفر الشرطة، في الديوانية، وبين الأهل. أما أمي فكانت تبكي من شقاوتي، وتكرر دائماً: “إلهي ما ذنبي أن اعطيتني هذا الولد والله لم أأكل من حرام، ولم أتجرأ على ذنب”.
يخبرني: كنت أرى دموعها ولا يرف لي جنف، ولا يحنو لي قلب، بل أقوم بمشكلة أكبر من الأخرى.
📌كانت المرة الأولى بالنسبة لي التي أبكي فيها علي الأكبر بهذه الحرارة. ككفت دموعي وخرجت من الحسينية، وفي قلبي نور لا يوصف
على الرغم من كل ذلك، يقول لي: كان الإمام الحسين، عليه السلام، عندي خطاً أحمراً. كنت متناقضاً مع نفسي، لأني كنت أحبه حباً شديداً لكني أقوم بأعمال يزيد، ألطم في مجالسه بنفس اليد التي تسرق من البقالات، أبكيه بنفس العين التي ترى المحرمات، أمشي إليه بنفس الرجل التي اضرب بها ضعاف الخلق.
ويقول لي والدموع تملئ عينيه: كرهت نفسي عندما أنظر إليها في المرآة، ويأست من حالي.
في يوم الثامن من محرم الحرام، يقول الشاب: ذهبت إلى الحسينية، وهذه ليلة علي الأكبر، وذكر الخطيب شجاعة علي الأكبر، وبسالته في المعركة، ثم ذكر كيف سقط بعد ضربه على رأسه، وكيف بكاه الحسين، عليه السلام.
كانت المرة الأولى بالنسبة لي التي أبكي فيها علي الأكبر بهذه الحرارة. ككفت دموعي وخرجت من الحسينية، وفي قلبي نور لا يوصف، لكني كنت خائفاً من التغيير والتوبة. فرأيت أحد الشباب الصالحين، وقد كان صديقي، لكنه أكبر مني. عندما رآني، سلّم عليّ، ثم حضنني فجأة، كأنّه كان مشتاقاً ليس لي فقط بل ليراني في الحسينية، ثم همس في أذني، ولا أزال أتذكر حرار نفسه وعذوبة صوته: إلى متى بعد يا فلان؟! قرّرْ اليوم بحق علي الأكبر أن تكون رسالياً، تتوب إلى الله وتكن من المتقين. ثم نظر نظرة إلى عيني، وتركني ومشى.