نعيش في نظام مورده من الخارج وهو النفط ومن الداخل رواتب الموظفين، و بدونهما يحدث الشلل التام، فالنفط يتحول إلى رواتب والرواتب إلى بضائع وسلع ثم إلى عملة صعبة لدول الجوار المورِدة للسلع.
تعيين عدد ضخم من الموظفين كان خطأ مستمراً لسنوات، والخطأ الأكبر تعيينهم بصفة دائمية لا كـعقود، فأقوى عقوبة ممكن أن توجه للموظف هي قطع راتب ٣ أيام أو شهر مع احتفاظه بالوظيفة، شاء من شاء وأبى من أبى حتى صار حلم الجميع التعيين، لأنه العمل الوحيد الذي لا يعني العمل بل استلام راتب ثابت بمقابل أو بدونه.
المخصصات الكبيرة لبعض الوزارات عمقت الشعور بالطبقية لدى الموظفين، ورغبة عدد كبير منهم لنقل خدماتهم لتلك الوزارات، مما فتح باباً كبيراً للـواسطات والرشوة وغيرها من أشكال الفساد الإداري.
سياسة التعيين غيّرت الكثير من الأشياء في واقعنا وقتلت روح الإبداع فينا، فلا أحد يبحث عن عمل حر، فراج سوق الكليات الأهلية خصوصاً الطبية منها، لأنها تضمن التعيين لطلابها وغيرها وتضمن للموظف الترقية وزيادة الراتب بحصوله على شهادة أولية أو عليا منها حتى صار التسلسل الطبيعي “معهد، تعيين في الدولة، بكالوريوس أثناء الوظيفة، إستراحة لسنتين ثلاث، ماجستير، دكتوراه، وكل هذه الشهادات لم تغير في واقع البلد الكثير”.
والدولة التي تدعي دعم القطاع الخاص تحاربه بشدة، تصور أنك تريد فتح مصنع، ستدفع كذا مبلغ كإجازة لذلك، وستدفع ٢٠٠٪ زيادة في فاتورة الكهرباء شهرياً، حتى قال أحدهم: إن وظيفة وزارة الصناعة في بلدنا هي محاربة الصناعة.
لايمكن للمواطن العراقي أن يعيش كمعيشة المواطن في الكويت والإمارات ـ علينا أن نعترف بذلك ـ، فمواردنا ومواردهم ٤ ملايين برميل نفط، ولكنهم ٤ مليون نسمة فقط، ونحن ٤٠ مليون.
إن موروثنا الحضاري كله ثقافة الكدح، والجد، و العمل؛ فتاريخياً اخترع السومريون العجلة ليحرثوا الأرض، وكانوا رواد الزراعة، والصناعة في التعدين والزجاج وغيرها حتى سكوا العملة.
وديننا الإسلامي يعمّق ثقافة العمل بكل قوة ووضوح، فهو يدعو أن يكون الإنسان المؤمن منتجا، وفعّالا في المجتمع، لا أن يُلقي بكَلّه على غيره، أو ينتظر من يتصدق عليه، وجاءت روايات تذم الإنسان الكسول، يقول الإمام الباقر،عليه السلام : “إني لأبغض الرجل – أو أبغض للرجل – أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل”. وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: “من سعادة المرء المسلم أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين به”.