- مقدمة شبابية
حقيقة إن الشباب هو ربيع الحياة، وزهرتها، وبهجتها، فما أجمله من فصل قصير من عمر الإنسان المديد نسبياً بالنسبة لهذه المرحلة وهذا الفصل الذي يمر فيه ولكن قد يمر عليه سريعاً كمرِّ السَّحاب، فهنيأً لمَنْ عرف كيف يستثمره، ويستغله كما يجب فيزرع ما لذَّ وطاب من أنواع الحبوب المفيدة، والأشجار والفواكه المثمرة ليقطفها في أيام الصيف، ويختزنها لأيام الخريف الطويلة، ووليالي الشتاء الباردة.
وجميل المثل العربي الذي يقول عن الشباب: “سَحَابَةُ صَيْفٍ عَنْ قَلِيلٍ تَقَشَّعُ”، والشباب كتلك السحابة التي تظهر في أيام الصيف ولكن لا تلبث إلا أن تذوب وتذهب من الأفق وتنقشع من صفحة السماء الزرقاء، التي لوَّنتها بالأبيض في أغلب الحيان.
📌 تنظيم دورات تثقيفية فكرية وعقائدية وفيها كل ما يهم الشباب وتطلعاته
والربيع في فصول السنة هو الأجمل، لأنه فصل التفتح المثمر، فالأرض تنبجس بالينابيع الفوَّارة وأنواع الأعشاب الخضراء، والأزهار الجميلة والأشجار أيضاً تزهر كل شجرة بلونها وعطرها، وكل ذلك إيذاناً بموسم عطاء متجدد تُخبر عنه السماء ببركاتها، وتتحدَّث عنه الأرض بخيراتها وثمارها التي تظهر في أيام الحصاد في الصيف.
والشباب بالنسبة للبشر هو كفصل الربيع تماماً فترى الشاباب كتلة من الحركة والنشاط مع ما يتمتع به من فتوة ونضارة وجمال، فكنت منذ البداية أقول لأبنائي الشباب: أن الشاب جميل وكل ما يقوم به مبرر وقد يكون مقبولاً ومهضوماً إلا أن يكون قليل أدب وحياء – لا سمح الله – لأن ذلك يُشوِّه صورة الشباب في العيون الناظرة إليه بمحبة وأمل بالمستقبل.
- الشباب أمل المستقبل
فكل الأهل والمربين والمصلحين الاجتماعيين ينظرون إلى الشباب كما ينظر الفلاح إلى الربيع في أرضه وبستانه، فهم الأمل بغدٍ معطاء وخيِّر، ومستقبل حضاري مشرق، فإذا أحسنَّا استثمار فترة الشباب في أمتنا ضمنا المستقبل بأن يكون لنا وليس لأعدائنا الذي يراهنون على الشباب أنفسهم ولذا تراهم لا يفترون ولا يهدؤون ويعملون بكل طريقة ووسيلة في كسب الشباب، ولو كلَّفهم ذلك أخذهم من أهلهم وسرقتهم من أسرهم ليُربوهم على ثقافتهم المنحلة، وفي مجتمعاتهم المنحطَّة لما يعرفونه من أن هذا الشاب هو رجل الغد فإن كان مؤمناً هو عدو لهم، وإن كان فاسداً فهو صديق لهم فلماذا لا يصنعون من الآن أصدقاءهم ويربونهم على أن يكونوا معاول هدم وتدمير لأسرهم ومجتمعاتهم الإسلامية كما يعملون منذ عقود؟
ففي حديث تربوي رائع عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ الصَّادِق، عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: “بَادِرُوا أَوْلاَدَكُمْ (أَحْدَاثَكُم) بِالْحَدِيثِ، قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَكُمْ إِلَيْهِمُ اَلْمُرْجِئَةُ”، أي علينا أن نبادر هذا الجيل وهؤلاء الشباب الأعزاء قبل أن يسبقنا إليهم أعداءنا، فقديماً كانت المرجئة والآن الحضارة الغربية التي تُحاول أن تسبقنا إليهم فتخطفهم من بيننا ويأخذوهم من أحضاننا ويُلقوا بهم – وهم زهور يانعة – في أحضان الرذيلة والتفسخ والانحلال الخُلقي بكل معنى الكلمة ليُعيدوهم إلينا بتلك الصورة المقززة في الشكل والمضمون.
📌 الشباب طاقة هائلة يجب أن نستغلها ونستثمرها كما أراد الله ورسوله الكريم، صلى الله عليه وآلهه، ونبادرهم بالأدب، والقرآن الكريم، ثم الفقه والأحكام ليعرفوا الحلال من الحرام، ولا يعيشوا حياتهم لا يعرفون من ذلك شيء
فلماذا لا نبادر إلى أبنائنا وشبابنا الذين هم أملنا في حياتنا وبناء حضارتنا في المستقبل المنظور فندفعهم إلى أحضان الإيمان، ونرسلهم على مراتع النور وبساتين العلماء والفضلاء من الآباء والمربين ولا نتركهم بأيدي الأعداء فيصنعوا منهم معاول هدم إجتماعي لهذا البناء الرَّباني الذي أقامه رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وآله، وأهل بيته الأطهار، عليهم السلام، في قلب الجاهلية الجهلاء، ونحن في عصر النور والحضارة الرقمية نرى شبابنا يعودون إلى تلك الجاهلية التي هدانا الله وأنقذنا منها قبل أربعة عشر قرناً من هذا الزمن.
- برامج الصيف للشباب
وعليه فعلى كل الأخوة والآباء والمربين والعلماء وأصحاب الشأن أن ينهضوا من غفلتهم، وينشطوا من كسلهم ليُنقذوا هذا الجيل الشاب للأمة مما يُراد له من ذوبان في الثقافة الغربية المنحطة ويقوموا بتنظيم برامج مضادة لكل ما يقوم به الأعداء فيُبادوا الشباب قبل أن يسبقهم إليهم الآخرون فيُنظمون لهم أوقاتهم في هذا الصيف ولا يدعوا فيه أي مجال للفراغ لأن الفراغ مقتلة للشباب وطاقاته المتجددة.
- تنظيم دورات تثقيفية فكرية وعقائدية وفيها كل ما يهم الشباب وتطلعاته وأن يكون ذلك بنفس الأساليب التي يتَّبعها الطرف الآخر، ولكن بطرقنا وأساليبنا وعاداتنا التي ورثناها من رسولنا الكريم وأهل بيته الأطهار، عليهم السلام.
- القيام بسفرات ترفيهية وثقافية بنفس الوقت فكم كان جميل ما رأيته في زيارتي لسيدي ومولاي وإمامي علي بن موسى الرضا، عليه السلام، حيث التقيت في مكتب السيد المرجع محمد تقي المدرسي (دام ظله)، بعض طلاب الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، حيث جلست معهم وكانوا شباباً بعمر الزهور، فكم أحببتهم وسُررت برؤيتهم في ذلك المكان الراقي بالجوار الطاهر للإمام علي بن موسى الرضا، عليه السلام، فشجعتهم على اغتنام الفرصة بوجودهم في جوار السلطان الغريب ليتقربوا إليه بخدمته وينهلوا من علمه فإنه عالم آل محمد، عليه السلام.
- أن نُطعِّم تلك الزيارات بسفرات شابية ترفيهية لهم ليكون لهم دافعاً بالاتجاه الصحيح فالشاب عنده طاقة هائلة ويريد أن يصرفها فلماذا لا نوجهه لصرفها بالطرق الصحيحة والأساليب السليمة فيمارس الرياضة، والسباحة، والترفيه وبنفس الوقت يتثقف، ويتعلم، من الأساتذة والمرافقين لهم في سفرهم الذين يحرصون على أن يروا منهم كل جميل في الاخلاق والسلوك والمعلومة المفيدة.
- أن نعزز تلك السفرات بلقاء العلماء والفضلاء والخطباء وإن أمكن المراجع الكرام ليستنيروا بأنوارهم ويتعلموا من فيض علومهم، ويرون منهم المثال الراقي للإنسان المؤمن فيتَّخذوا منهم قدوات وأسوات علمية وعملية في حياتهم، لأن أسلوب التربية الحديثة تؤكد على التربية بالقدوة الحسنة وعلينا أن نعطي هؤلاء الشباب الأعزاء قدوات لهم إما من بطن التاريخ والسيرة النبوية والولائية العطرة، أو ظهر الواقع الذي يعيشون فيه حتى لا يتَّخذوا أولئك الممسوخات الشواذ من المغنين، والممثلين، واللاعبين قدوات كما نرى في واقعنا المأزوم بهم فعلاً، فكم هو معيب أن يتخذ شبابنا المؤمن من أولئك التوافه قدوات لهم ويتركوا عظماء الإنسانية عندهم.
- وعلينا أن نأخذهم إلى المكتبات العامرة في المراقد الطاهرة ونخصص يوماً لهم يكون للدراسة والمطالعة والعيش في تلك المكتبة يومهم، وليكتب كل منهم خلاصة ما قرأ واستفاد من الكتاب أو الكتب التي قرأها، وبذلك نشجعهم على القراءة والكتابة وهما أولى أدوات العلم والتعلم وبالتالي الحضارة الإنسانية..
- كما يجب أن يبحث المرافقون لهم والساتذة والفضلاء على المميَّزين منهم ويُحاولوا أن يكتشفوا الميول والاتجاهات لهم فيشجعوهم على ما يرغبون فيه، فأصحاب الميول المنبرية نشجعهم على قراءة الأدعية والأذان ووحفظ الأشعار وإلقاءها على زملائهم، وأصحاب الأقلام نشجعهم على كتابة كل يوم ما يرونه من فوائد في رحلتهم السياحية والثقافية والفكرية لنعزز لهم أقلامهم، وهكذا بقية الأخوة الشباب.
فالشباب طاقة هائلة يجب أن نستغلها ونستثمرها كما أراد الله ورسوله الكريم، صلى الله عليه وآلهه، ونبادرهم بالأدب، والقرآن الكريم، ثم الفقه والأحكام ليعرفوا الحلال من الحرام، ولا يعيشوا حياتهم لا يعرفون من ذلك شيء، فالعلماء يقولون: إن للحرام والحلال، والطهارة والنجاسة آثار موضوعية لا يمكن أن ننكرها، وإن كان الشاب جاهلاً بما يفعله فهو معذور في فعله، أو تناوله ولكن لا يُنكر أن لذلك تأثيراً كبيراً على روحه ونفسه النقية، فإن كانت بالحلال والطهارة استنارت وأضاءت، وأما إذا كانت بالحرام والنجاسة فتُظلم وتتكدَّر، وقد يستمر التأثير لأيام كما في الروايات الشريفة.
فلماذا لا نبادر الشباب، وهم يُبادرون بالتعلم لأحكامهم الابتلائية منذ البداية وفي أوائل التكليف لهم فهذا مما يجعلهم يسيرون على الطريق المستقيم، ويزكون أنفسهم وأرواحهم ولا يدنسونها في الحرام لا سمح الله، لأن ذلك سيؤثر عليهم طيلة حياتهم الآتية، فمن الضروري أن نعمل على تطهير كل ما حولهم في حياتهم وسفراتهم من الحرام والشبهات فيستقيموا على الطريقة بإذن الله ـ تعالى ـ.
- الصيفية فرصة تثقيفة
فالعطلة الصيفية يجب أن تكون فرصة لدورة تثقيفية بكل معنى الكلمة في كل الاتجاهات والطرق والأساليب الصحيحة الممكنة، ولنستفد من خطط الأعداء وأساليبهم بكسب هؤلاء الشباب الأعزاء ولكن بطريق إيجابي وأسلوب إيماني يتوافق مع ديننا وعقائدنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية فنكون قد حصنَّا شبابنا من التغريب والتذويب، وسلَّحناهم بأسلحة يواجهون بها الحرب الناعمية الموجة إليهم وتريد أن تقتلعهم من دينهم وأحضان آبائهم ونحن نتفرج عليهم فيضيعون وتضيع الأمة فيهم لا قدر الله.