القدوة هي التأثر بشخصية معينة ومتابعتها وتقليدها والتأسي بها، ومنها؛ القدوة الحسنة التي هي العنصر المهم في المجتمع، والإنسان بأمس الحاجة لرؤية القدوات مهما كان أفراده صالحين، يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله: “جالسوا من تذكّركم بالله رؤيتُهم”، كيف لا وقد أمر اللهُ نبيَه ، صلى الله عليه وآله، بالاقتداء فقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ}، (سورة الأنعام: 90).
إن القُدوة والقِدوة هي الأُسْوة، كما يقال: فلان قدوة يُقتدى به، والأُسْوَةُ والإسْوَةُ هي القُدْوة، كما يقال: والقوم أُسْوةٌ في هذا الأَمر، أَي حالُهم فيه واحدة؛ والحال التي يكونُ الإنسانُ عليها في اتِّباع غَيْرِه؛ إنْ حَسَناً، وإن قَبيحاً، و إن سارّاً أَو ضارّاً، مِثْل القُدْوَة في كوْنِها مَصْدراً بمعْنَى الإِئتِسَاء، واسْماً بمعْنَى ما يُؤْتَسَى به، وكَذلِكَ القُدْوَة؛ يقالُ: لي في فلانٍ أُسْوةٌ، أَي قُدْوَةٌ؛ ويقال ائتَسِ به أي اقتدَ به وكُنْ مثله، وفلان يَأْتَسِي بفلان، أَي يرضى لنفسه ما رضيه ويَقْتَدِي به وكان في مثل حاله؛ وإنما هناك فارق بسيط من جهة المصاديق من كون أن القدوة هي الاقتداء بصفات الآخرين من حيث القوة والشجاعة والكرم وغير ذلك، أما الأسوة هي التأسّي بشخصية الإنسان نفسه كما هو التأسي برسول الله، صلى الله عليه وآله.
- التمييز بين القدوة الحسنة والقدوة السيئة
ميل الإنسان بفطرته إلى الاقتداء والتأسّي يدفعه لأن يتخذ له أسوة يقتدي بها، فإن لم تكن حسنة فسيئة، وإن لم تكن صالحة ففاسدة، هذا هو من البديهيات، ولكن المهم كيف تختار هذه القدوة الحسنة وتميزها عن القدوة السيئة؛ والكارثة تكمن في الخلط بينهما، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}، (سورة الكهف: 104).
📌 فعلى المرأة المسلمة ان تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق بناء الذات معنويا وأخلاقياً، وان تكون في الطليعة في ميدان الجهاد والكفاح
لكل إنسان توجهات مختلفة في تحديد مسار حياته، وهذا بدوره مقرون بما يحب وما يكره، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}، (سورة البقرة: 165)، لذلك نلاحظ بعض الناس توجهاتهم إلحادية، فيتخذون لينين ـ مثلاً- قدوة لهم، والبعض الآخر توجههم علماني وهكذا.
أكثر الفئات التي تحتاج إلى معرفة طريقة اختيار القدوة الحسنة هم الأطفال، فعندما يقوم المربون بتعليمهم طريقة اختيار القدوة الحسنة منذ الصغر، إذ كثيراً ما نلاحظ أن الإنسان يكتسب خبراته ومهاراته بالتقليد والمحاكاة، كالطفل يحاكي أباه ويتقمص شخصيته، كون أن التعلّم بالرؤية والمشاهدة أسهل و أيسر وأسرع، لأنه من طبيعة الإنسان حبه الحصول على الشيء بأسهل الطرق وأسرعها، وإن كان محرماً، لذا جاء الشارع المقدس لينظمها.
وهنا تكمن خطورة الموضوع؛ كون أن القدوة الحسنة لها بريقها ولمعانها الذاتي فتنجذب إليها النفوس وتتأثر بها إجابياًّ، والكلام فيما لو كانت سيئة؛ لاحظ أنها تزخرفت وتزينت بالأصباغ والألوان اللامعة الخادعة، فهناك من يقع في حبالها وشراكها، فتكون الطامة الكبرى.
- حاجة المرأة إلى القدوة الصالحة
لأجل ذلك اشتدت الحاجة إلى القدوة في المجتمع، بسبب ابتعاد الناس عن الإلتزام بقيم السماء وأحكامه، والابتعاد عن التطلعات الثقافية الأخرى لتفتح ذهنه كي يحمي نفسه من خطر القدوة السيئة، وخصوصاً من جانب المرأة بوصفها نصف المجتمع، وكونها الأم المربية والمعلمة في المدرسة والأخت والزوجة وغير ذلك من المكانة التي تحظى بها في المجتمع؛ لذا يجب العناية بها منذ صغرها لكي تكون القدوة المثالية في المستقبل، يقول الشاعر حافظ إبراهيم:
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق
فمن الضروري أن نسلط الضوء على المرأة، كونها محل تأمل ونظر لمكانتها السامية التي رسمها لها الشارع المقدس، وإنها أساس الأسرة؛ أصبحت خطورة هذه القضية اليوم أكثر من أي وقت مضى، خاصة لو أخذنا بنظر الاعتبار العولمة وأدواتها التي ظهرت في الأزمنة الأخيرة، وما تحمله لنا الثقافات الغربية.
فعلى المرأة المسلمة ان تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق بناء الذات معنويا وأخلاقياً، وان تكون في الطليعة في ميدان الجهاد والكفاح، وأن لا تهتم بزخارف الدنيا وزبرجها، وأن تكون في البيت سكينة للزوج والأولاد، والأم المثالية لمجتمع ناجح، والأفضل لها ان تتأسى وتقتدي بالسيدة الزهراء، عليها السلام، والتي تتمثل بها في جميع شؤون الحياة من إرشادها للمسلمين وتوعيتهم ورعايتها للحجاب، و دفاعها الشجاع عن الدين، وهذا ليس بالأمر الهيّن، فعلى الفتاة أن تستعد لدور الأمومة المستقبلي وتربي رجالا قادرين على خوض التحديات، ومستعدين للعطاء والتضحية والبناء.
- الصديقة الزهراء، النموذج الصالح والقدوة الحسنة
كل ما تفعله النساء في زماننا يبقى قليلاً أمام الصديقة الطاهرة، فهي تجلّي العظمة الالهية التي أعدها رسول الله، صلى الله عليه وآله، و إشرافه على توجيهها وفقاً لما تقتضيه إرادة الله – تعالى -، فأصبحت في مبادئها وأخلاقها كما لو كانت رسالة الله تمشي على الأرض، فهي تجسيد حيّ وعملي لكلّ ما يريده الله – تعالى -؛ لذا احتلّت أرفع موقع في دنيا النساء إلى قيام الساعة، فهي بمكانتها المرموقة أخذت مكانتها الطبيعية كقدوة وأسوة للأمة المسلمة بكلّ أجيالها.
📌 ينبغي على المرأة المسلمة أن تكون القدوة الصالحة المعبرة عن تعاليم وأحكام الإسلام، لتكون سببًا في إرشاد وهداية ابنائها والمحيطين بها
فعلى من يريد أن يسلك طريق الهداية والاستقامة والفضل في الدنيا والسعادة الآخرة، عليه الاقتداء بالزهراء، عليها السلام، وبمقدور كلّ امرأة أو رجل أن يتعلّموا منها، عليها السلام، دروساً في مكارم الأخلاق والفضيلة، وكون الزهراء، سلام الله عليها، في هذه المرتبة العظيمة، لا يعني أنها بعيدة عن الاقتداء وصعبة المنال، بل إن الارادة الإلهية شاءت لتكون مثالاً ونموذجاً عملياً لنساء العالمين، من أيام حياتها قبل اربعة عشر قرناً، وحتى اليوم، والى يوم القيامة.
بامكان نساء اليوم الاطلاع على سيرتها المباركة والاقتداء بها بما قدمته للدين والإنسانية في صورة جميلة، ليتسنى لها أن ترسم لنفسها أجمل صورة لتقرّب نفسها الى السيدة العظيمة، ولتكون هي القدوة الحسنة والصالحة لابنائها وافراد اسرتها، كما كانت الصديقة الزهراء، عليها السىلام.
هناك نماذج عالمية من النساء اللاتي تأثرنَ بالزهراء، عليها السلام، كما حصل في تلك السيدة اليابانية التي اطلعت على حياة الزهراء، عليها السلام، فتأثرت بها وقالت: “هذا هو النموذج الذي کنت أبحث عنه”، ثم أعلنت إسلامها، وما خفيَ من أشباه هذه القصص كان أعظم.
ينبغي على المرأة المسلمة أن تكون القدوة الصالحة المعبرة عن تعاليم وأحكام الإسلام، لتكون سببًا في إرشاد وهداية ابنائها والمحيطين بها، حتى أهل المعاصي والمعاندين، بالامكان تليين موقفهم والتأثير في قناعاتهم واستنتاجاتهم مهما كانت مستندة على سلبيات موجودة في المجتمع، من خلال التطبيقات العملية للأخلاق والآداب، وإظهار الآثار التكوينية للالتزام بالاحكام الاسلامية على الحياة، مثل أكل ما يخلو من الشبهة والحرام، والحرص على احترام الآخرين، وبالنتيجة؛ يستشعر الابناء أنهم أمام قدوة حسنة وعملية في نفس الوقت، وليس فقط ادعاء وأوامر.