للأسف اقول ان التواضع في اغلب المجتمعات سيما العربية منها بات في عداد الغائبين، فالكثير من الناس تعصف بهم رياح العُجب بالنفس والغرور وكأن الدنيا خُلقت لهم، وليس لغيرهم الحق في العيش فيها نفس المستوى من العيش والحرية والكرامة، وللأسف ايضاً اصبح التباهي هذا المرض الخطير يطرّز حياة الناس ويبعدهم عن بساطتهم وفطرتهم السليمة التي فطروا عليها مخالفين بذلك قيم السماء وآداب الارض.
التكبر من اخطر الامراض التي غَيّبت بساطة الناس وجعلتهم يعيشون في وهم كبير، إذ ان اكثر المتكبرين مخدوعين بأمور يعتقدون انها حقائق بينا الحقيقة انها امور تافهة هم من وضعها وآمن بها، مثيل اعتقادهم ان المنزل والسيارة والوظيفة هي التي تجعلهم محترمين، وبالتالي يبذلون قصارى جهدهم في طريق تحقيقها، مما يجعلهم ماديين اكثر مما انسانيين والمادي في العادة لا يعنيه التعامل الانساني مع البشر بقدر ما يعينه تحقيق غاياته ومصالحه الرخيصة جداً.
الواقع يقول: إن غياب صفة التواضع لا ينفع من يتصفون به بل يضرهم ولكن لا يشعرون، وهنا نود التنويه الى اننا نقصد في التواضع هو أن تكون شخصاً لطيفاً وأن تصبح فرداً أكثر انسجاماً مع المحيط من حيث التأثير والتأثر، ولا يوقفه عنهم اي مانع او مصد وليس الابتعاد عن تحقيق الذات والمبتغى او تحقيق الرسالة التي خلقنا من اجلها نحن البشر.
📌 التكبر من اخطر الامراض التي غَيّبت بساطة الناس وجعلتهم يعيشون في وهم كبير، إذ ان اكثر المتكبرين مخدوعين بأمور يعتقدون انها حقائق بينا الحقيقة انها امور تافهة هم من وضعها وآمن بها
والتواضع لا يعني مطلقاً اننا نتنازل عن هويتنا ومكانتنا العلمية لكنه يعني وضع الشيء في محله، فأنت استاذ في جامعتك لكنك اي فرداً خارج الجامعة، وليس من المنطقي ان تحمّل المجتمع متاعبك في سبيل الوصول الى هذه المكانة، وحتى في اماكن عملنا ليس عيباً ان نتصف بالبساطة والتواضع، لأن ذلك سيجعلنا مقربين من الكل وليس مبتذلين كما يظن المصابون بمرض التكبر.
- مثال في التواضع:
في هذا الاطار اود ان اسرد على جنابك سيدي القارئ الكريم موقف ينم عن التواضع لاحد اساتذتي في مرحلة الماجستير ملخصه: انه وعند دخوله للمرة الاولى لالقاء محاضرات في مادة ما، استهل حديث بذكر اسمه الصريح دون لقب علمي وقال: “انا فلان زميلكم الاكبر سناً بينكم جئتكم اليوم لنستذكر هذه المادية العلمية معاً وانا لست بأفهم منكم بل اني كلفت بإدارة الجلسات فقط، هذا الكلام بقي راسخاً في نفوسنا ولا زلنا نستذكره حين يثار حديث عن التواضع.
وانا ارى ان المتواضع هو من يسكون بسيطاً مع الجميع ومحترماً لهم بمعنى انه يتعامل مع الطفل، والشيخ الكبير، والفقير، والضابط ،والاستاذ الجامعي، وجميع صنوف البشر واشكالهم بطريقة واحدة، حينها نقول انه متواضع، فقد يخطأ الكثير من الناس في الحكم على احد بكونه متواضع معهم ربما تواضع بهذه الطريقة لكونهم اصحاب مناصب او نفوذ او وجاهة.
- كيف يسفر علم النفس التواضع؟
علماء النفس شرعوا في الآونة الاخير بإجراء أبحاث حول مدى تأثير التواضع على الانسان المتصف به والناس الآخرين ايضاً، ففي دراسة اجرتها عالمة النفس (بيلين كيسبير) توصلت فيها الى ان: “التواضع يشمل الاستعداد لقبول حدود الذات ومكانتها في المخطط الكبير للأشياء، مصحوبًا بمستويات منخفضة من الانشغال الذاتي”.
- ايجابيات التواضع:
يقول علم النفس: أن الأشخاص المتواضعين يتمتعون بمستوى عالٍ من ضبط النفس ولو نظرنا لكثير من الأشخاص الناجحين لنجد ان السمة الشخصية الأكثر أهمية هي ضبط النفس والتواضع.
علمياً يتصف الانسان بالتواضع عبر استيعاب الأنماط والقيم السلوكية المحيطة بنوعية الفرد، وهذا بدوره سينعكس على قدرة الانسان على الحفاظ على مظاهر الشخص العاطفية والسلوكية في إطار معين، ولمراقبة الهدوء والاعتدال وضبط النفس، كما لإظهار الحد الأدنى من الدقة للآخرين وبنيتهم المادية والأسرية.
📌 علمياً يتصف الانسان بالتواضع عبر استيعاب الأنماط والقيم السلوكية المحيطة بنوعية الفرد، وهذا بدوره سينعكس على قدرة الانسان على الحفاظ على مظاهر الشخص العاطفية والسلوكية في إطار معين
ومما يزيّن المتواضع انه واثقاً من نفسه، يميل الى خدمة الآخرين بدافع صادق وليس، متملق لاحد، يتعامل مع الاحداث حسب المعطيات، ولا يتخذ موقفاً واحداً من الجميع، ولا المواقف بنظرته ممكن ان تتغير اذا تغير المعطى.
ولا يغير رأيه إلا بعد الوقائع وليس بدافع الرغبة او الإعجاب به، ويبقى الشخص المتواضع منفتحاً على الجميع على الرغم من أنه لا يضع شخصيته على رأس أولوياته، من اجل كل هذا الجمال يجب ان نتواضع لنحظى برضا الله وعباده وذلك هو التوفيق.