أمل النجاة، يكون الثمن بحجم تلك المشكلة، مثلاً؛ لو كان بلدٌ، ليس مثل العراق في موقعه الجغرافي الحساس، وله فيه حاكم ليس مثل صدام، ولم يكن يمتلك الثروات المعدنية والنفطية والزراعية الهائلة والمثيرة للأطماع، لكان ثمن عملية التغيير – العملية الجراحية – أقل كلفة بالدماء والدمار مما دفعه العراقيون طيلة السنوات الماضية.
فمن ديكتاتورية الى أخرى، ومن فوضى الى أخرى، ومن فساد الى آخر، مع اختلاف الظروف والاشكال، والسبب؛ أن الثقة تُعطى لدعاة الانقاذ ممن يظهرون الحب للانسانية، ويضمرون المناقض له تماماً، ولذا فهم يقولون للشعوب: عليكم خوض الحروب مهما كلّفت لتحصلوا على الحرية والرفاهية، ولا يهم ما اذا كانت هذه الحروب تؤدي الى اليتم والترمّل وهدر الكرامة وإشاعة الفوضى، وكل ما من شأنه زيادة في المعاناة التي يعيشونها بالاساس، بينما ثمة انتظار لمنقذ آخر يمثل امتداد للرحمة الإلهية النازلة مع جده النبي الاكرم، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، (سورة الأنبياء: 107)، بيد أن هذا المنقد الحقيقي والعظيم، لا يكفيه الثقة والإيمان به، إنما يحتاج الى عمل وسلسلة اختبارات مسبقة، وايضاً إعداد نفسي يجعلنا بمستوى الحدث الكبير الذي طالما ننتظره ونتحدث عنه بأنه، عجل الله فرجه، «يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلما وجورا»، فكيف يجب ان نكون نحن اليوم؟
ان تاريخنا الشيعي يروي لنا مثلان عن رجلين كانا من المقربين من الإمام الحجة المنتظر، عجل الله فرجه، وكان غائباً عنهما – ربما يكون مثل حالنا اليوم – أحد الرجلين اسمه الشلمغاني (محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوفي سنة323هـ)، وكان يحظى إضافة الى المستوى العلمي المرموق، يحظى بالوجاهة الاجتماعية، ولكن مشكلة بسيطة أوقعته في الاختبار وهي؛ الحسد، وكان يتوقع أن يكون هو السفير عن الإمام وليس الحسين بن روح، فانقلب على عقبيه، وتحول الى عدو للإمام وللدين، فصدرت بحقه لعنة من الإمام الحجة، عجل الله فرجه، رغم مؤلفاته وعلميته، بينما الرجل الآخر، وهو؛ النوبختي (ابو سهل بن اسماعيل النوبختي (237 – 311هـ)، كان بنفس مواصفات الشلمغاني، كما كان المرشح لأن يكون سفيراً للإمام، ولم يتحقق له ذلك، وعندما سُئل عن السبب؟ قال: «هم أعلمُ وما اختاروه».
جميعنا يتفق على الحاجة للتغيير الحقيقي، ويشكك بالساسة في الداخل والساسة في الخارج، وما يضمروه من نوايا غير حسنة لهم، كما لو أن البعض يتوقع تحسّن نوايا هؤلاء الساسة، وتغيّر اخلاقهم نحو الفضيلة والإحسان!
ثم لينطلقوا في مشاريع عمرانية وخدمية و»نحن ها هنا قاعدون»!
ولكن؛ كيف تنجح هذه المشاريع وتستمر؟ وما دور الانسان (الفرد والمجتمع) في تحكيم النظام العام، وقيم السماء، من عدل ومساواة وتراحم وتكافل؟
إن وجود الازمات والنكبات، من الابتلاءات الإلهية للإنسان، ولن تنتهي الى يوم القيامة، إنما العبرة في اختبار التحدي والصمود على الحق والقيم والمبادئ، وإلا مرت على أقوام وأمم من قبلنا بآلاف السنين، تعرضوا للمحن والرزايا على أنهم أهلاً بالفرج والتغيير نحو الاحسن، ولكن في معظم الحالات – إلا ما ندر- كان الفشل في الاختبار من نصيبهم، والقرآن الكريم يروي لنا في عديد من الآيات الكريمات كيف أنهم دعوا انبيائهم بما يعدونهم من الفرج وتغيير الحال {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}، (سورة الزخرف: 50).