تربیة و تعلیم

فن النصيحة

نعم النصيحة فن لايتقنه الكثيرون، فقد يرفض الكثير منّا النصح من قبل الآخرين لسبب ما، فهل من حقه الرفض؟

 وهل هناك سبب لرفضه؟ مع أن شرعنا وديننا الحنيف زكاه وأمر به.

ترى هل هناك طرق محببة للنصح وطرق منفرة؟

فقد جاء في الرواية عن أمير المؤمنين عليّ، عليه السلام : “ليكن أحبَّ الناس إليك المشفق الناصح”.

وفي رواية أخرى عنه، عليه السلام : “من أكبر التوفيق الأخذ بالنصيحة .”

وعُرّفت النصيحة بأنها : إرادة الخير والصلاح للمنصوح له، وهي تشتمل القول والفعل والمعاملة.

إنّ العديد من النَّاس نلاحظهم في الحياة اليومية لا يُمسكون زمام أمورهم بشكل صحيح، ممَّا يترتَّب على أثره نتائج تنعكس سلباً عليهم، ولابدَّ ممَّن يحاول مساعدتهم للتغلب على هذه المشكلة وانقاذهم منها أن يتبع طرقٍ عدة منها تقديم النَّصيحة لهم.

فالنّصيحة؛ هي إرشاد الناس إلى مصالحهم، وتنبيههم على ما هم فيه، وما يترتّب عليه من آثار تضر بهم، ولا تنفعهم، وهذه من أخلاقيَّات المؤمن التي جاء بها الدِّين الإسلامي وأكَّد عليها، عن رسول الله، صلَّى الله تعالى عليه وآله: “الدِّين النصيحة” .

  • رأي أهل البيت عليهم السلام بالنصيحة

النصيحة هي الركن الأساسي للشخصية الإسلامية في بناء المجتمع الإسلامي، والتي تمس حياتنا اليومية بصورة مباشرة، ولكن كثيراً من العلماء والفقهاء لم يتطرقوا لها بإعتبارها من المفاهيم الإسلامية البديهية.

ثم إنَّ القرآن الكريم ذكر أنَّ الوظيفة الأساسية لبعثة الأنبياء، عليهم السلام، هي النصح لأممهم، كما أن الأولياء والصالحين لم يفق بعضهم على بعض بالصوم والصلاة، بل بالنصيحة ففي المأثور عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم : “يقول الله تعالى من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة يا ابن آدم إنك لم تدرك ماعندي إلّا بأداء ما افترضت عليك ولا يزال عبدي يتقرب بالنوافل حتى أحبه فأكون قلبه الذي يعقل به ولسانه الذي ينطق به وبصره الذي يبصر به فإذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته وإذا استنصرني نصرته وأحب عبادة عبدي إليَّ النصيحة .”

📌 إنّ العديد من النَّاس نلاحظهم في الحياة اليومية لا يُمسكون زمام أمورهم بشكل صحيح، ممَّا يترتَّب على أثره نتائج تنعكس سلباً عليهم، ولابدَّ ممَّن يحاول مساعدتهم للتغلب على هذه المشكلة

وفي خبر سفيان بن عُيَيْنَة قال:” سمعت أبا عبد الله، عليه السلام، يقول :”عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه”.

كما أن أعظم الناس منزلة يوم القيامة عند الله أكثر الناس نصيحة لخلق الله، ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال : قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: ” إن أعظم النـــاس منزلة عند الله يوم القيـــامة أمشاهم في أرضه بالنصــيحة لخلقه.”

  • كيفية تقديم النصيحة

يكون تقديم النَّصيحة بأسلوب مؤدب رصين خالٍ من التَّوبيخ والتَّقريع والفضيحة أمام النّاس، وبأسلوبٍ موجب للمحبّة والألفة ممَّا يؤدّي هذا الأمر إلى قبول النَّصيحة براحبة صدر من الشَّخص المراد نصحه وإرشاده.

 وكذلك يُؤخذ الشّخص المراد تقديم النّصيحة له بالرّفق ولين الكلام وخفض نبرة الصّوت وفي مكانٍ لا يسمعه أحد حين تقديم النّصيحة، لكي لا يتَّضح أمره للنَّاس ويكون لديه نفور من النّصح، وبالتّعطّف إليه بالكلمات البعيدة عن الأمر الذي يتعلق بالنّصيحة وبالتّعريض دون التّصريح فإنّه أبلغ، وبضرب الأمثال له إن استطاع المنصح تقديمها للمنصوح، فهذا أحسن وأفضل من الكشف، عن أمير المُؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالبٍ، عليه السَّلَام: “النّصح بين الملا تقريع.”

فالتّقريع هنا؛ هو الإيجاعُ باللَّوْم، وقَرَّعَه تَقْريعاً، وَبَّخَه وعَذَلَه، وهذا من الأساليب التي نهى عنا سيِّد الموحّدين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب، عليه السَّلَام، فلو أُستعمل معه في نصحه أُسلوب التّعريض والمعاملة الخشنة والكلام القوي الجارح، فإنه يشعر بداخله مستصغراً بين الناس غير محترم ولا يراد من تقديم النّصح له إلَّا التَّعريض والتشهير به وفضحه بين النَّاس ليطّلعوا على عيُوبه.

فهنا قد يتبيّن للمؤمن أنّه يوجد هناك أساليب عدّة لتقديم النَّصيحة، وكذلك يستنتج: أنّه لا يجب التشهير بالشّخص المراد نصحه وتقديم النَّصيحة له بين الملأ، لأنَّ هذا من ضد الرفق ومخالف له، وشديد الوقوع على ذهن هذا الشخص ممَّا قد يؤدّي إلى إثارة غضبه وتوتّر أعصابه ولهذا السّبب نهى الإمام عن أسلوب النّصح أمام النَّاس .

  • الدين النصيحة :

قال ـ تعالى ـ في محكم كتابه المجيد: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.

العدل هو أساس علاقة الإنسان فإن العدل بين العبد وربه هو إيثار حق الله  ـ تعالى ـ على حق نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر، وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعها مما فيه هلاكها، قال الله ـ تعـــالى ـ: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى}، وعزوب الأطماع عن الإتباع ولزوم القناعة في كل حال، وأما العدل بينه وبين الخلق فبذل النصيحة، وترك الخيانة وقد حث الشارع المقدس عليها، بل اعتبرها الدين بكامله، بعدما انْسَدَ باب النصيحة في هذا الزمان الذي صار فيه التلبس بالمعاصي

والذنوب والآثام شعار الأنام فيما التصق الإنسان بالمادة العمياء، وأصبحت بديهياتها شاخصة أمام عينيه في كل حركة من حركاته، فصار رهين التطور المادي، ولجعله وسطاً علينا أن نستحضر أمامه بديهيات الدين دائماً ومنها النصيحة،

فإن النصيحة من أهم مقومات المودة وأعظم لوازم المحبة، وهي الدرع الحصين من وقوع المؤمن في الوقائع التي لا يرغب بها، أو التي حذر الشارع منها، فمثلاً لو استشار الخاطب، أو طلب النصيحة في زواجه لبنى أسرته في أفضل صورها، ولتعلم أبناؤُهُ أفضل التعليم، ولكن إهماله لها قد يجرّه إلى تطبيق بعض الأحكام الشرعية التي هي لمعالجة ظرف استثنائي، كالطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله تعالى. ومن المؤسف عندما يستشير شخص آخر ويطلب منه النصيحة في موضوع ما، فالإجابة غالباً ما تكون على مستويين:

المستوى الأول: هو الامتناع عن النصيحة بعذر أن ورعه وتقواه يحتم عليه ذلك، ويعتبر امتناعه عن الإجابة هو السلوك الصحيح، والمناخ الصحي في عصرنا.

والمستوى الثاني: أن يتوسع في الإجابة أكثر مما هو المطلوب، مصحوباً بالمبالغة إما بذكر العيوب مثلاً إذا كان كارهاً أو بذكر المحاسن إذا كان محباً، فهنالك إفراط وتفريط، لذلك لابدَّ من تبيان لضوابطها وأحكامها وإيضاحها لاهتمام الشارع المقدس بها.

  • ضوابط وشروط النصيحة

١- النصيحة هي معيار الأخوة، فلم تنعقد الأخوة ما لم تكن النصيحة رائدها وباعثها، ومن لم يكن ناصحاً لأخيه فليس بأخ.

٢- يُشْتَرَطُ الإخلاصُ في النصيحة، وابتغاءُ وجْهِ الله ـ تعالى ـ، وأن يكون الباعث لها قصد النصيحة لا الوقيعة بالمنصوح، كأن يكون بينهما عداوة دنيوية، أو تحاسد، أو تباغض، أو تنازع على منصب أو وظيفة، فيتكلم بمساوئه مظهراً النصح وقصده في الباطن الإنقاص من الشخص واستيفاؤه منه، فهذا من عمل الشيطان، “وإنما الأعمال بالنيات، وان لكل أمريء ما نوى”.

٣- أن تكون النصيحة لحاجة ماسة لحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

٤-أن تقتصر النصيحة على المقدار اللازم منها، فلا يذكر أو يتعرض الناصح لعيوب أخرى، بل يذكر ما يخص الأمر الذي فيه النصح، فالزيادة على العيوب المخلة بما استشير فيه حرام، فمثلا لو توقفت النصيحة على ذكر عيب واحد ذكره، ولا تجوز الزيادة عليه، أو عيبين اقتصر عليهما وهكذا.

٥- أن تكون النصيحة سراً، قال إمامنا الحسن العسكري، عليه السلام: “من وعظ أخاه سّراَ فقد زانه ومن وعظه علانية فقد شانه”.

  • شروط الناصح والمنصوح :

الرجل الناصح لغيره لابدَّ أن يبدأ بنصح نفسه، ويجتهد في معرفة ما يجب له وعليه ليعرف كيف ينصح.

وهنالك ثلاث علامات للناصح، وهي إغمام القلب بمصائب المسلمين، وبذل النصيحة لهم متجرعاً لمرارة ظنونهم، وإرشادهم إلى مصالحهم وان جهلوه وكرهوه.

وأوضح سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين، عليه السلام،  في صحيفة الحقوق حق الناصح: “أن تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عز وجل، وان لم يوفق رحمته ولم تتهمه وتؤاخذه بذلك”، كما أن للمنصوح حق قد بينه الإمام كذلك بقوله: ” وأما حق المستنصح فأن تؤدي إليه النصيحة، وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله وليكن مذهبك الرحمة.”

فعلى المنصوح توجيه سمعه وقلبه إلى الناصح، وإبداء السرور للناصح بنصيحته وقبولها وشكره، كما قال سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام: “إقبل النصيحة ممن نصحك وتلقها بالطاعة ممن حملها إليك .”

📌 النصيحة هي الركن الأساسي للشخصية الإسلامية في بناء المجتمع الإسلامي، والتي تمس حياتنا اليومية بصورة مباشرة

وختاماً نرى أنَّ النصيحة حجر زاوية في مسيرة الرسالة الإسلامية، تُقَدَّم لكل من يحتاج إليها وإلى من يطلبها أو حتى من لا يطلبها، فيجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب.

وللتشجيع على هذا السلوك الحميد فقد اعتبره الاسلام من السبل التي تعبد الطريق الى الجنة: “إن أعظم الناس منزلةً يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه.”

وعن الإمام الصادق، عليه السلام: “عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه”.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا