إضاءات تدبریة

هل الدين يمنع من الجنس؟

يقول الله ـ تعالى ـ: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}.

اذا كان الانسان يشعر بالحاجة بالنسبة الى القضية الجنسية، فلماذا لا ندع هذا الانسان يأخذ ما يريد؟

لماذا نقمع هذه الحاجة؟

ولماذا نقف أمام اللذة وهي حاجة طبيعية وبشرية كأي حاجة أخرى؟

هذه الكلمات كانت من اسباب انطلاق ما يسمى الثورة الجنسية عام 1960م، في الولايات المتحدة الامريكية، ولم تكن كلمات فرويد هي الوحيدة التي ادّت الى مثل ذلك، بل أن الكثير من الفلاسفة الذكور نظّروا لمثل هذه الفكرة، وسخّفوا مسألة أخلاقية الجنس؛ وأنه يجب أن يكون ضمن إطار أخلاقي قيمي.

نجد ـ مثلا ـ فيسلوف مثل ابراهم واسلوا عام 1943م، يقدم الورقة البحثية تحت عنوان (الدافع البشري)، وفي هذه الورقة يزري على كل من يتحدث عن قمع الجنسانية، وان الجنس حاجة؛ كالطعام، والشراب، والهواء، فكما أن الإنسان حينما يحتاج الى الطعام يأكل، والى الشراب يشرب..، كذلك يجب أن يُترك موضوع الجنس مفتوحا ومباحا، لكي يتمتع الجميع بما يرغبون.

📌 الشهوة الجنسية؛ شهوة مؤقتة، تبدأ مع البلوغ، وتنتهي كلما تقدم العمر في الانسان، باختلاف الاشخاص، لكن أعظم الجرائم وافضعها، وأكثر المشاكل عند البشرية هي بسبب الشهوة الجنسية

وهذا ما ينظّر له دعاة التحرر؛ من المشاريع النسوية، ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا، ونجد أن الصوت عالٍ بهذا الاتجاه، ومن هنا علينا ان نقف قبل الاسترسال مع هذه الفكرة المنحرفة، لنتساءل: ماذا بعد؟

انطلقت الثورة الجنسية في الولايات المتحدة وبدأ هذا الموضوع يستمر في البلاد الغربية، بأنواع وأشكال من الاتفتاح، وثلث السعة العالمية يصرف اليوم على الإباحيات، ومن سمات البلاد المتقدمة؛ هي التحرر، وأنها تفتح المجال امام الرغبات الجنسية بأي شكل من الاشكال، وهذا ما نجده في تلك الدول.

  • هل للجنس حد معين؟

لكن؛ ماذا بعد؟ وما هي النتيجة؟ فهل انتهى النَهَم عندهم؟

 وهل استطاعوا ان يصلوا الى السكنية والاستقرار في هذه الحاجة؟

وهل اكتفى البشر بأن يشبع نهمه بتعدد الارتباطات وتنوعنها؟ ام ان الموضوع لم يكن كذلك؟

من الاشياء التي تثار عند بعض الشباب في بلادنا ـ للأسف الشديد ـ: ان تربيتنا خاطئة، وانه حين نمنع الجنسانية؛ كالنظر، والممارسة، والصداقة، وما اشبه، تكون نتيجة هذا ـ حسب ادعائهم ـ (كل ممنوع مرغوب)، وبالتالي يصبح لدى هذا الشاب الجشع والرغبة تجاه هذه القضية، بينما الغربيين: ( مرتاحين ويمارس ما يريد، وباله متفرغ للدراسة والعمل)، فهل هذه المعلومة صحيحة؟

إذا جئنا الى لغة الارقام من المراكز البحثية العالمية، التي تتحدث أن 35% من النساء في العالم، يتعرضن الى حالة من حالات التحرش، نجد أن الدولة السادسة عالميا هي السويد؛ حيث تتعرض كل فتاة من بين ثلاث فتيات الى نوع من انواع التحرش في سن المراهقة.

ونجد أن دولاً مثل بلجيكا، وألمانيا، وفرنسا، تكون في صدارة التحرش الجنسي، وفي الولايات المتحدة الامريكية في كل 107 ثوانٍ يكون هناك اعتداء جنسي على شخص، كل هذه الارقام، بل في البلاد التي يتاح فيها كل شيء، ولغة الارقام ـ عادة ـ لا تكذب، وهذه الارقام ليست في بلادنا حيث أن الاشخاص ممنوعين من ممارسة الجنس في ظروف كتلك.

  • كيف ينظر الدين الى الجنس؟

في المقابل نجد رسالات السماء، وبالخصوص الرسالة الخاتمة، التي جاء بها حبيبنا، المصطفى محمد، صلى الله عليه وآله، على العكس تماما، وهي ضبط جماح هذه الشهوة بشكل كبير جدا.

يولد الانسان وتولد معه شهوة الطعام، ثم شهوة المُلك، فالطفل حين تعطيه شيئا وتريد اخذه منه فإنه لا يقبل، وشهوة الملك تبقى مع الانسان الى آخر عمره، يقول النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان الحرص، وطول الأمل”.

بينما الشهوة الجنسية؛ شهوة مؤقتة، تبدأ مع البلوغ، وتنتهي كلما تقدم العمر في الانسان، باختلاف الاشخاص، لكن أعظم الجرائم وافضعها، وأكثر المشاكل عند البشرية هي بسبب الشهوة الجنسية؛ فتاريخ الحروب، وأغلب المشاكل حدث بسبب السعي الى اشباع هذه الشهوة، على الرغم من انها محدودة، لكنها جموحة جدا، لانه إذا اثيرت لا يمكن السيطرة عليها.

وحتى يقف القرآن الكريم أمام هذا الانحراف، فإن اول باب يسده هو الزنا، لان هذه القضية تبدأ باالارتباط، ثم التعدد، والشذوذ، الى ان يصبح نوعا من التسافل.

ولذا نجد ان القرآن الكريم لم يقل (ولا تزنوا)، بل قال: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}، ذلك ان الانسان الذي يقترب من حقل الالغام، قد يسقط على واحدة منها، ومن يمشي على الزحلوفة (حافة الوادي) فسيكون مصيره السقوط الى الوادي، يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “ألا إن لكل ملك حمى وإن حمى الله محارمه، فمن رتع حول الحمى أوشك أن تقع فيه”.

{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}، وبالعودة الى التشريعات نرى التطابق مع هذه الكلمة القرآنية، يقول ـ تعالى ـ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، و {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، لأن النظر من أهم عوامل إثارة الرجل، والمرأة تثار بالنظر لكن بصورة أقل من الرجل.

📌 إذا اردنا أن نحافظ على النسل البشري بشكل طاهر وطيب يجب أن تُوضع الحدود الشرعية للشهوة الجنسية، والدين الاسلامي وضع مجموعة من الحدود لضبط هذه الشهوة

ثم أمر القرآن الكريم المرأة بان: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}، حتى انه امرها كيف تمشي، يقول ـ تعالى ـ: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}، فحتى الاثارة بمقدار المشي يجب أن لا تكون موجودة.

ثم أمر المرأة والرجل أن يتخذ بعضهم بعضا اصدقاء، يقول ـ تعالى ـ:  {وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}، {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}، وبعدها جاءت الروايات لتقول: عن النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله: “ما من شاب تزوج في حداثة سنه إلا عج شيطانه: يا ويله يا ويله عصم مني ثلثي دينه فليتق الله العبد في الثلث الباقي”، بل اشارت الروايات الى شيء ادق من ذلك، قال رسول الله، صلى الله عليه وآله: “إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد”، والى مثل هذه القضية حرص الاسلام والشرائع السماوية ألا تكون هناك إثارة بالنسبة للشهوة الجنسية.

  • الدين لا يعجب البعض

يجب عدم التقليل من الدين بسبب عدم اعجاب الناس به، يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا}، فالحجاب ـ مثلا ـ في مجتمعنا ليس الحجاب الذي يريده الله، والفقهاء يقولون: “يجب أن لا يُعد زينةً في نفسه”، فبعض النساء اليوم تتزين بالحجاب، وهذا الحجاب هو الذي لا يريده الله، لان الغاية منه منع الاثارة.

وعادة نظرة المرأة الى الرجل، حتى في العلاقة العاطفية تكون نظرة بريئة، لكن المشكلة في نظر الرجل الى المرأة، لأن الرجل يقيّم المرأة جنسيا، لذلك عند اختيار الرجل للمرأة فإن اول معيار له أن تكون جميلة.

وهنا الاسلام وضع حداً للمرأة ونبهها بأن نظرة الرجل إليها ليس نظرة عادية، فالحجاب حصن وحفظ للمرأة، والنساء ـ عادة ـ عالميا يتعرضن للتحرش أكثر من الرجال، ويشتبه على بعض النساء فيقلن: “الرجل عنده مشكلة لذلك فهو يتحرش”! فإذا كانت عند الرجل مشكلة، فإنه يجب على المرأة الاحتماء منه، فإذا كان هناك شخص مصاب بكورونا وهو لا يلبس الكمامة، فهل على البقية أن لا يحذروا منه؟!

{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}، الفحش: الخروج عن الطريق، إذا اتينا الى عالم الحيوانات، فإنها تفهم الزواج بشكل جيد جدا، فالذكر حين يرتبط بأثنى يعرف أنه مسؤول عنها؛ فيدافع عنها أمام الذكور الآخرين هذا اولا، ثانيا؛ بعض الحيوانات من الذكور يكون المسوؤل عن حماية الاثنى اثناء تغذيتها للصغار، ثالثا؛ يرى أنه مسؤول عنها ما دامت أمّاً لاولاده.

بينما البشر يريد أن يتخلص من المسؤولية، ويكون لديه ما يسمى (الزواج الابيض)، والمتضرر من ذلك هي المرأة، فالذي ينظّر بهذا الاتجاه من الذكور، إنما يريد بذلك اشباع نهمه وغرائزه بإغراء المرأة المسكينة، فيصبح أسوأ من الحيوان الذي يفهم بأنه مسوؤل تجاه الانثى.

  • الدين والتوجيه الصحيح للجنس

الاسلام كدين وتشريع لم يمنع الرجل من أن يصل الى المرأة، لكن بشرطها وشروطها، وهو تحمل المسوؤلية تجاهها؛ وذلك بما تحتاج إليه المرأة، وهو ما يقيم أودها”، وفوق ذلك على الرجل أن يدفع اليها الصِداق (المهر)، وهو علامة صدْقه، أنه واقعا متلزم بمسؤولته تجاه المرأة، وهذا هو الدين الذي رفع المرأة الى القمة.

{ وَسَاءَ سَبِيلاً}، في الآية السابقة يقول ـ تعالى ـ: { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}، والتي بعدها: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}، إذا جئنا اليوم الى الاحصاءات ففي عام واحد قٌتل سبعة وسبعين مليون طفل في ما يعرف (الاجهاض القانوني) اي الرسمي، وتشير الاحصائية أن 66% جاء نتيجة حمل غير مرغوب فيه وهو (الزنا).

 إذا اردنا أن نحافظ على النسل البشري بشكل طاهر وطيب يجب أن تُوضع الحدود الشرعية للشهوة الجنسية، والدين الاسلامي وضع مجموعة من الحدود لضبط هذه الشهوة؛ كحرمة النظر بشهوة الى الآخر، وأن تلتزم المرأة بالحجاب الذي أراده الله، وأن يغض الرجل بصره عن النظر الى المرأة..، وغيرها من الاحكام الشرعية التي تصب في بناء أسرة ومجتمع فاضل بعيداً عن الفوضى الجنسية التي اصابت بعض البلدان.


  • مقتبس من محاضرة اُلقيت في شهر رمضان المبارك.

عن المؤلف

السيد مرتضى المدرّسي

اترك تعليقا