أخاف أن أتكلم وينتقدونني! أخاف أن أشهد بالحق ويزعل عليّ فلان! أخاف الحديث مع مسؤول العمل عن حقوقي، ربما سيأخذ نظرة غير جيدة عني! أخاف اترك ابني يلعب…! اخاف، و أخاف، و أخاف!
الخوف بئرٌ مظلمة تجر صاحبها من ظُلمة الى اخرى.
من أين نشأ شعور الخوف لدينا؟
ولماذا يعاني أغلب اطفالنا من حالة التردد والخوف من الظهور؟ وايضاً؛ شبابنا، يسيطر عليهم شعور الخوف والتردد من الاقدام على الاعمال التي تحتاج الى قوة؛ سواء كانت قوة كلامية، كالمحاماة، والاعلام، والتربية والتعليم وغيرها، او تلك التي تعتمد على رؤوس الاموال، و الخوف من الخسارة.
وكثيرة هي حالات الخوف التي تدخل في حياتنا وتعاملاتنا اليومية، وهي مدعاة لتحطم الشخصية، بل حصر وتقييد الشخص لنفسه ونشاطاته، فيكون سبباً كبيراً وعائقاً لأغلب النجاحات وتحقيق الاحلام، يركد الشخص محجّماً نفسه، غائباً عن ساحة النشاط والابداع، ثم يركن للانقياد وراء ما يُخططه الآخرون له، والسير ضمن مسار ضيق جدا، رغم ان الطاقات التي خلقها الله -تبارك وتعالى- فينا غير محدودة، والذكاءات متنوعة وكثيرة جدا.
- خوف قبيح و خوف حَسِن
أولاً: الخوف الحسن؛ وهو الخوف مما ينبغي منه الخوف، وهو أمر عقلائي ونعمة من نعم الله –تعالى-، وهذا الشعور هو أحد أسباب وجوب المعرفة، وإن من أفضل الفضائل هو الخوف من الله –تعالى-.
ثانياً: الخوف القبيح؛ وهو الجُبن بعينه، وهو من الرذائل، فهو الخوف مما لا ينبغي، وهي صفة مذمومة للرجل والمرأة بصورة عامة وللرجل بصورة خاصة.
📌 من الامور المؤسفة التي تصنع حاجز الخوف؛ عدم اعطاء المساحة الكافية للطفل لممارسة لعبه، بل يصل بنا الامر ان نُسكت اطفالنا، ولا نحترم كلامهم ونوجه لهم النظرات الحادة إن تكلموا امام الاخرين
ويظهر أن للجُبن معنيين في اللغة؛ ما هو ضد الشجاعة، وما هو ضد الغضب (الخوف)، وقد يكون أحدهما مؤدياً للآخر، وفي الأغلب يكون الخوف نتيجة الجُبن.
أذاً؛ الخوف هو اضطراب للنفس والشعور بالألم، وهو توقع أمر مريب فتتخوف النفس من الوقوع فيه، وغالباً ما يكون أمراً مجهولاً للنفس، وعليه قد يكون للجُبن مراحل ودرجات.
- كيف نصنع الخوف بأيدينا؟!
ثمة عوامل في المجتمع، ربما تكون عفوية وغير مقصودة، بيد أنها تنتج لنا الطفل الخائف والشاب الجبان في المجتمع، منها:
- التربية الخاطئة
نعم؛ في بعض الاحيان نحتاج أن نمارس القليل من الضغط والقوة على ابناءنا لتعديل بعض سلوكايتهم ودفعهم دوماً لما فيه صلاحهم، أما إجبارهم على ان يسيروا بنفس الطريق العملي الذي نحن عليه، فلا حق لك بذلك، لانك بذلك تحدد امكانيته وتحجم طاقاته الابداعية.
- الاسكات والتكميم تدمير حقيقي
من الامور المؤسفة التي تصنع حاجز الخوف؛ عدم اعطاء المساحة الكافية للطفل لممارسة لعبه، بل يصل بنا الامر ان نُسكت اطفالنا، ولا نحترم كلامهم ونوجه لهم النظرات الحادة إن تكلموا امام الاخرين، وهذه طريقة تنتج لنا شاب خائف وضعيف الشخصية.
- التنمّر
“تعالي ياسمين، كأنك دُب”! أو “اذهب كأنك سنّارة”!أو “لا تضحك كأنك صفارة انذار”، أو إطلاق عبارات مثل: “أنت مزعج”، “أنت سيئ”، و تطول قائمة التنمّر للأسف الشديد.
📌 من شدة حب الأبوين للطفل، لا يتركانه يخوض أي تجربة خوفاً عليه من الانكسار النفسي، ولكن في الحقيقة؛ الذي ينتج من هذه الثقافة هو طفل مُعاق نفسياً
بهذه الكلمات انت تحمل الفأس لتحطم شخصية ابنك الذي سينمو من غير ثقة، ويكبر وهو خائف من الانتقاد وكلام الناس و رأيهم فيه، وعندما ينتبه، ويريد ان يثبت ذاته، سيتصرف بجنون، كأن يخرج للشارع بدراجة نارية تصدر أصوات غريبة، او يلبس بشكل غريب، وهذا ينطبق على كلا الجنسين، فوضع “الميك اب” نوع من انواع سد النقص والخوف، وعدم الثقة بالنفس.
- الدلال الزائد
قد تكون ثقافة البيئة الاجتماعية هي ثقافة “المعلبات”، والمقصود بهذا هو حد الإفراط في تدليل الطفل، فمن شدة حب الأبوين له، لا يتركانه يخوض أي تجربة خوفاً عليه من الانكسار النفسي، ولكن في الحقيقة؛ الذي ينتج من هذه الثقافة هو طفل مُعاق نفسياً، لأنه يكون غير قادر على مواجهة الحياة، لأنه كان دوماً داخل تلك الزجاجة التي وُضع فيها، فما إن تنكسر تلك الزجاجة لفقدانه الأبوين او نتيجة استقلاله، إلا وتجد أبرز ملامح تلك الشخصية، وهي الجُبن.
- نظرة الدين للخوف والجُبن
كلما ازداد الإيمان بالله –تعالى- قل الجُبن حتى يصل الى الاضمحلال، فهي علاقة عكسية في الواقع، وذلك لأن الإنسان المؤمن هو الإنسان الغارق في التسليم والرضا لله تعالى فهو لا يهاب ما قد يحدث ويعلم جيداً بأن الله –تعالى- هو الذي بيده الأمور وإن شاء أن يغير الأحوال لفعل بـ “كن فيكون”، فليس هناك قوة تستحق أن يهابها الإنسان ويرتعد منها غير قوة الله -عز وجل-.
وهذا لا يعني أن يتجرد الإنسان من صفة الخوف، ويعطل عقله ثم يرمي نفسه في التهلكة، وإنما يجب عليه مواجهة المخاطر، وذلك بعد أن يحصن نفسه ويهيأها لذلك، ويستمد قوته من القوي العزيز الذي لا يخيب من رجاه.
قوله –تعالى-: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا* وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} سورة النساء: آية [72،73].
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} سورة الأنفال: آية [15،16].
فالقران الكريم ذم التقاعس نتيجة الجُبن والخوف. وإن أهل بيت العصمة، صلوات الله وسلامه عليهم، كان لهم من ضمن وصاياهم؛ النهي عن هذه الرذيلة أيضاً كونها من الصفات التي تقعد بالإنسان عن الاستمرار في سلم التكامل الذي خُلق لأجله، وجاء في روايات شريفة نذكر منها:
عن الرسول الأعظم، صلى الله عليه وآله، أنه قال: “لا ينبغي للمؤمن أن يكون بخيلًا ولا جبانًا”.
📌 يؤسفني، كتربوية أن أسمع بعض الطلبة يعانون كثيراً لانهم لم يختار نوع الدراسة التي يرغبون بها، او المجالات التخصصية التي يبدعون بها، بل هم يدرسون بضغوط من اهاليهم، او تأثراً بالاصدقاء ممن اختاروا طريقاً فاضطروا لمسايرتهم
وعنه أيضاً، صلى الله عليه وآله، أنه قال: “اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد الى أرذل العمر”، و عن الإمام الصادق، صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: “لا يؤمن رجل فيه الشحّ والحسد والجبن، ولا يكون المؤمن جباناً ولا حريصاً ولا شحيحاً”.
- حدد نوع ابداعك واختر مصيرك بنفسك
يؤسفني، كتربوية أن أسمع بعض الطلبة يعانون كثيراً لانهم لم يختار نوع الدراسة التي يرغبون بها، او المجالات التخصصية التي يبدعون بها، بل هم يدرسون بضغوط من اهاليهم، او تأثراً بالاصدقاء ممن اختاروا طريقاً فاضطروا لمسايرتهم، في نفس القسم رغبة بالبقاء معهم، او لاسباب اخرى، و لاندرك حجم الضرر حينما نجبر احدهم في العمل بما لايُطيق فسيفسده لامحالة.
وسيلة التحليق في سماء النجاح؛ التحرر من المخاوف، فلنربي ابناءنا على التحرر منها لنرقى بهم العُلى بالعلم والعمل والاخلاق.