منذ ان بدأت الخليقة وما ان لامس الانسان وجه المعمورة وله من الكثير الرغبات والاحتياجات المتنوعة، ولأجل اشباع هذه الاحتياجات اُنشئت المدن وقامت الحضارات وانشغل الانسان بالعمل على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، سعياً منه في الحصول على الكمال في تحقيق المصالح الشخصية، ومن ثم مصالح العائلة فالعشيرة والى ابعد من ذلك في دوائر العلاقات.
استمر هذا التفاعل بين الانسان وبيئته حتى بدأت الحياة تتعقد يوماً بعد آخر واصبح الناس يصارعون بيئتهم من جهة ويصارعون نظرائهم في الخلق من جهة اخرى، فأصبح الصراع على الوجود من أهم انشغالات الفرد والفئات والجماعات، ومن البديهي حين يسود هذا النوع من الصراع طبعياً جداً ان ينقسم الناس على انفسهم فمنهم من يغلب مصلحة الجماعة على مصالحه الخاصة ومنهم من يعمل من اجل غاياته على حساب الجماعة بل بالصعود على اكتاف افرادها.
⭐ يمثل السلوك الانتهازي لدى الانسان الانعكاس الطبيعي لما يدور في نفسه من حبه العالي لذاته ونرجسيته
هذه الحالة هي حالة حيوانية اكثر مما هي حالة انسانية، هذه حالة تدعى بـ( الانتهازية) التي تعرف على أنها استغلال الفرص التي تصادف حياة الانسان بعيداً عن القيم والعادات والاخلاقيات السائدة، والتي تحكم سير الجماعة مما يؤدي الحذر الكبير من التعامل مع البشر والميل الى مغادرة التجمعات رغبة في عدم الوقوع كضحايا لها، وهو ما يحدث تصدعاً في التماسك المجتمعي ويزيد من فرص انهياره وتشظيه.
هؤلاء الافراد او الفئات من الناس الذي يفضلون مصالحهم الشخصية على المبادئ و استحقاقاتها من الالتزام والتضحية والصبر، شوهوا صورة الانسانية الناصعة وسحقوها تحت اقدامهم وتلاعبوا بالمفاهيم، وصاروا يستبدلون الاستغلال او الانتهازية بمصطلح الاجتهاد، فهم يرون ان استغلالهم للفرص هو ذكاء وفطنة غير ملتفتين للتفصيلات التي نتجت من الامر كغياب حق الاخر وتهميشه، وهم يرون ان الاخر يستطيع العمل كما عملوا هم لا ان يلوموا الاخرين، وهذه مغالطة كبيرة جداً يعرفوها و يحرفوها.
📌 مثال على الانتهازية:
حدث ذات مرة وقد خرج جمع من حملة الشهادات العليا في البلد في تظاهرة كبير العدد امام مبنى وزارة التعليم العالي العراقية، مطالبين بحقهم بالحصول على وظائف تناسب شهاداتهم العلمية وتناسب الجهود التي بذلوها من اجل نيل تلك الشهادات، وبعد ايام طوال قضوها تحت لهيب الشمس تفاجأوا بتعيين عدد قليل من منسقي التظاهرة التي تصل الى المئات، تبين فيما بعد انهم انتهزوا فرصة عرض الجهات المسؤولة عليهم بالتعيين قبالة انهاء التظاهرات وفعلاً عُينوا وانفضت التظاهرات، ايّةُ انسانية يمتلك هؤلاء حين فعلوا فعلتهم هذه وخذلوا من معهم وضربوا بمصالحهم عرض الجدار؟ وهل سيهنأون يوماً في عيشهم؟
📌 ماذا يمثل الانتهاز نفسياً؟
يمثل السلوك الانتهازي لدى الانسان الانعكاس الطبيعي لما يدور في نفسه من حبه العالي لذاته ونرجسيته، وهذا بالطبع يعد من الانحرافات السلوكية التي تقتل الرحمة والتعاطف وتقوض الروح الجماعية بين البشر، الامر يرجع الى تقصير في التربية ادى الى عدم تأصل المبادئ في عقيدته، ذلك لأن العقائد فيما لو تأصلت في ضمير الإنسان فإنها تستطيع أن تهذب الكثير من سلوكيات الإنسان وترسم له طريقة تعامله مع كل ما يجري حوله وسيقيم وفقاً لمعطياتها علاقته مع المجتمع والأسرة والافراد.
📌 اشارة:
نود الاشارة الى امر هام مفاده انه قد لا يختلف عاقلان على ان ترجمة الفرص الى نجاحات من اجل اهدافاً سامية، ومُثلاً عُليا يكافح الإنسان في سبيل تحقيقها ويضحي بالغالي والنفيس في سبيلها، وحينئذ سيكون استغلال مثل هذه الفرص المتاحة غاية مشروعة بل واجبا وتركه يعد تقصيراً يحاسب عليه الانسان ويعاقب على التفريط به، ومصداقاً لما نقول هو حديث الامام العظيم علي بن ابي طالب، عليه السلام: “اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب”.
⭐ انتهاز الفرص يحمل الوجهتين السلبية والايجابية، وهو ليس مذموماً في جميع الحالات ولابد من التفريق بين الحالتين والتأكيد على الايجابي منه وتعزيزه والنهي عن السلبي
في الختام ايها القارئ الكريم، ومن كل ما سبق نستخلص ان انتهاز الفرص يحمل الوجهتين؛ السلبية والايجابية، وهو ليس مذموماً في جميع الحالات ولابد من التفريق بين الحالتين والتأكيد على الايجابي منه وتعزيزه والنهي عن السلبي وحصر دائرته في نفوسنا وفي المجتمع، وكبح جماح هذا المرض الاجتماعي الذي حول الكثير من ابناء المجتمع الى انتهازيين نفعيين لا يعنيهم اي شيء سوى تحقيق مآربهم الخاصة ومنافعهم التافهة، وكنتيجة لهذه الممارسات ساد الباطل ووهن الحق وغيب الشرف وضاعت القناعة وحل تسلق الناس لبعضهم البعض.