تُرى هل أراد منَّا الله صيام شهر رمضان لأجل الصيام فقط، أم لأنَّ في الصيام دروس أخلاقية في الصبر وقوة التحمُّل وتهذيب النفس مما قد يصيبها من أمراض وعلل، فهو بمثابة دورة سنوية تعلمُّنا الكثير، ومنها القدرة على ضبط النفس، وذلك على عكس مايحصل في أغلب مجتمعاتنا وبيوتنا أثناء الشهر الفضيل من سوء خُلقٍ أو تعامل سيء بين الزوج وزوجته، بين الآباء والأبناء، بين رب العمل والعامل، وردات فعل لامبرِّر لها سوى أنَّ الصائم ربط بين ضيق الخلق بالصيام، فيتملَّكُه الغضب ويخسر الكثير.
📌 ماهو الغضب؟
هو انفعال يحصل عند غليان دم القلب، يزداد حينها معدل ضربات القلب، والادرينالين والنواردينالين، ويظهر على وجه صاحبه آثار كإحمرار العينين والكلام السريع وضيق النفس والتعرق الشديد، والشخص الغاضب يفقد القدرة على مراقبة وضبط النفس والملاحظة الموضوعية لما حوله، فيكثر خطؤه لانه يفقد حسن التدبير والتفكير .
📌 القوة الغضبية
ولشدة ما للغضب من آثار على الشخص الغاضب والأشخاص من حوله، فهل علينا ألا نغضب أبداً؟
إنَّ الغضب ليس بكلِّه منبوذاً بل هناك غضب ممدوح بل غضب نحتاجه، فالقوة الغضبية قوة أنعم الله بها علينا تستلزم منَّا الامتنان لله والشكر عليها لعظمتها.
وهي كما كل قوة في الانسان، اذا استخدمها الانسان باعتدال أي بلا إفراط أو تفريط خدمته وكانت معه لا عليه، فوجود هذه الغريزة في الانسان وفي الحيوان أيضاً، تمكنُّه من الدفاع عن نفسه وردِّ كل تهديد يتعرض له سواءاً من الطبيعة أو من أشخاص آخرين، ولولاها لآل أمرهم إلى الزوال والاضمحلال.
⭐ إنَّ الغضب ليس بكلِّه منبوذاً بل هناك غضب ممدوح بل غضب نحتاجه، فالقوة الغضبية قوة أنعم الله بها علينا تستلزم منَّا الامتنان لله والشكر عليها لعظمتها
إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنفيذ الحدود والتعزيرات والجهاد ضد الأعداء ودفع المؤذيات والمضرات عن الفرد والمجتمع والدين وسائر التعاليم السياسية الدينية والعقلية لا يكون إلا في ظل القوة الغضبية الشريفة وتحت لوائها.
ولولا هذه القوة لما استطاع الإنسان أن يصل إلى الكثير من مراتب تطورُّه وكمالاته، ولأبتلي بكثير من العيوب والمفاسد كالخوف، والضعف، والخمود، والتكاسل، والطمع، وقلَّة الصبر وعدم الثبات، وتحمُّل الظلم، وقبول الرذائل، والاستسلام لما يصيبه، وانعدام الغيرة، وخور العزيمة، والله ـ تعالى ـ يصف المؤمنين بقوله: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.(سورة الفتح/ ٢٩).
أمَّا عن جانب التفريط؛ فالقوة الغضبية قد تكون خاملة عند البعض، ولابدَّ من تنشيطها وتحريكها من خلال محاولة الإقدام على الأمور المخيفة نسبياً، وخوض الصعاب، كميادين الحرب والجهاد ضدَّ أعداء الله،والقيام بالأعمال التي تحمل شيئاً من الصعوبة والشدَّة، قال أمير المؤمنين، عليه السلا : “إذا هبت أمراً فقع فيه.”
📌 هل للغضب حدود؟
كما كان التفريط ونقص الاعتدال من الصفات المذمومة التي تؤدِّي إلى كثير من الفساد، كذلك الإفراط وتجاوز حد الاعتدال، فهو أيضاً من الصفات المذمومة التي تقود إلى مفاسد كثيرة، وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي عبد الله، عليه السلام: “الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلُّ العسل”.
فهذه السجية تسمَّى بأمِّ الأمراضِ النفسية ومفتاحُ كلِّ شر، على المستويين، الخلقي والعملي، كالحقد على عباد الله وأذيتهم وربما تصلُ لحدِّ القتل، أو سبِّ أولياء الله، أو الذات الالهية والعياذ بالله، وهتك الحرمات الإلهيَّة، وخرق النواميس المقدسة، وقتل الأنفس الزكية، والإفتراء على العوائل المحترمة والتسبب لها بالعار والذل، ويقضي على النظام العائلي بكشف الأسرار وهتك الأستار، وغيرها من المفاسد التي لا تحصى، لقد وقعت أفظع الفتن، وارتكبت أفجع الأعمال بسبب الغضب واشتعال ناره الحارقة، والكثير الكثير من الآثار والنتائج التي لاتعدُّ ولاتحصى.
ورد عن الإمام الباقر، عليه السلام: “مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عزوجل به موسى: يا موسى أمسك غضبك عمن ملَّكتك عليه أكفُّ عنك غضبي”.
وجاء عن أبي عبد الله، عليه السلام : “قال الحواريون لعيسى، عليه السلام : أي الأشياء أشد؟ قال: أشد الأشياء غضبُ الله عزوجل، قالوا: بِمَ نتقي غضب الله عليه السلام قال: بأن لا تغضبوا.”
📌 آثار الغضب على النفس والآخرين
للغضب آثار دنيوية وأخروية، على النفس وعلى الجسم، فله نيران تؤلم وتؤذي كلَّ ماتصل إليه، فمن الممكن أن يتسبب الغضب بأمراض مزمنة كالقلب وارتفاع الضغط ومرض السكري وكثير من الأمراض، وهو على المدى البعيد له أثره على الجهاز المناعي وآلام المعدة والمشاكل الجلدية أيضاً.
أمَّا على الصعيد النفسي، فروح الانسان تتأثر بالغضب ومن الممكن أن تصبح لديه بسبب الغضب أمراض نفسية كالحقد والحسد والكراهية، فلا يعترف بأخطائه وتخرج منه كلمات غير لائقة، ويؤدي فيه إلى القلق والاكتئاب والعزلة ويتعلم قلَّة الصبر فيصبح هشَّاً، ويفقد السيطرة على العقل والتفكير ويفقد التركيز أيضاً، أمَّا على صعيد المجتمع، فللغضب آثار تؤثر سلباً على المجتمع؛ كانتشار الخصومات والنزاعات، وظهور العداوة والبغضاء بين الناس وانتشار الحقد الدائم، فتضعف العلاقات الاجتماعية وخاصة على الصعيد الأسري.
⭐ للوضوء وتبريد الجسم دور كبير في تخفيف الغضب فعن الباقر، عليه السلام، أنه قال : “إنَّ الغضب من الشيطان وإنَّ الشيطان خُلق من النار، وإنَّما تُطفئُ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ”
فالكثير من الطلاقات سببها الغضب، وأيضاً بالنسبة للعلاقة بين الآباء وأبنائهم فالغضب له أثره القوي، فالأب الغاضب من الممكن أن يتسبب ببعد أبنائه عنه تجنُّباً لغضبه، وفي بعض الأحيان يوصِل الأبناء لحالات وعقدٍ نفسية تستمر معهم طوال حياتهم تؤثر في حياتهم المستقبلية سلباً.
أما نتائجه الأخروية فإذا صارت صفة الغضب راسخة في نفس الإنسان لا سمح الله، كانت المصيبة أعظم وأصبحت صورة الإنسان في البرزخ ويوم القيامة صورة الوحوش والسباع، السباع التي لا شبيه لها في هذه الدنيا، لأن سبعية الإنسان لا يمكن مقارنتها بسبعية أي حيوان، وقد وصفهم الله ـ تعالى ـ بقوله: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًاً}. (سورة الفرقان/٤٤)، ووصف قلوبهم فقال: {هِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. (سورةالبقرة/٧٤).
وفي بعض الأحيان يستتبع الغضب معاصٍ أخرى، كهتك الحرمات أو القتل، وجاء في الكافي عن الإمام الباقر، عليه السلام : “أي شيءٍ أشد من الغضبِ إن الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله ويقذف المحصنة”
📌 كيف أتعامل مع الغضب وأعالجه؟
بداية لنكون واقعيين فالحياة مليئة بالمشاكل التي تجعل الانسان عصبياً، لذلك لابدَّ من أن نعيَ مشاعرنا وما يجري في أجسامنا، وأن نكون واعيين لتحديد أسباب الغضب في المراحل الأولى قبل أن يتحول إلى ردات فعل غير لائقة ومدمرة.
عن أبي جعفر الباقر، عليه السلام أنه قال عندما ذكِرَ عنده الغضب : “إن الرجل ليغضب فما يرضى أبداً حتى يدخل النار فأيما رجل غضِب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان وأيما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه، فإن الرحم إذا مسّت سكنت.”
📌 طرق علاجية عملية للغضب:
١ـ أقوى الطرق العلاجية للغضب هو شعورنا بأن هناك سلطة أعلى من سلطتنا وهي سلطة الله ـ عزوجل ـ، وهو ـ تعالى ـ بالرغم من كثرة أخطائنا لكنه عفوٌ غفور حليم مسامح، جاء في تحف العقول أن رسول الله، صلى الله عليه وآله، قال: “ياعلي لاتغضب فإذا غضبت فاقعد وتفكَّر في قدرة الربِّ على العباد، وحلمه عنهم، واذا قيل لك اتق الله فانبذ غضبك وراجع حلمك”.
٢ـ اذا كان سبب غضبنا كلام أحد الأشخاص، علينا أن نصمت قليلاً وذلك كفيل بتهدئتنا بنسبة لابأس بها، ومن ثم يأتي دور التفكير العقلاني بالرد المناسب والمتوازن .
قال أمير المؤمنين، عليه السلام في غرر الأحكام :”داووا الغضب بالصمت” .
٣ـ ترديد عبارات علمنا إياها أهل البيت، عليهم السلام، كعلاج للغضب ومنها “لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم”.
٤ـ الرد الايجابي وهو من الصعوبة بقدر ولكنه مع التدريب يصبح سهلاً.
٥ـ تغيير الحالة من وقوف إلى جلوس ومن جلوس إلى تمدد … وهكذا، وأيضاً الإبتعاد عن مسببات الغضب سواء كان شخصاً، مكانا، أو اي شيء آخر.
٦ـ للوضوء وتبريد الجسم دور كبير في تخفيف الغضب فعن الباقر، عليه السلام، أنه قال : “إنَّ الغضب من الشيطان وإنَّ الشيطان خُلق من النار، وإنَّما تُطفئُ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ”. وبعد أن يدرك الانسان في حال سكون نفسه وتعقله، المفاسد الناجمة عن الغضب ومالها من آثار عليه وعلى الآخرين، وعلى دنياه وآخرته، فعليه أن يدرك بدايةً أسباب غضبه، ثم يسعى لعلاجها وإيجاد الحلول لها، كي لاتصبح عنده ملكة الغضب، وهذا الأمر ممكن حتماً بشيءٍ من مخالفة النفس والعمل ضد هواها، وبقليل من النصح والإرشاد والتدبر في عواقب الأمور.