يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “كن في الفتنة كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب”.
هناك كلام لأمير المؤمنين فيما يرتبط بالاستراتيجية والأهداف العليا في الحياة، وفي هذه الكلمة يتناول طريقة التكتيك فيما يرتبط بالفتنة
بعض الناس يظن بأن الامام علي قال: لتكن رجلا انانيا لا يصل عطاؤك ونفعك الى احد ويستشهد بهذه الكلام لأمير المؤمنين (لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب).
الفتنة تختلف عن الصراع بين الحق والباطل، فإذا كان هناك صراع بين الحق والباطل فإن مسؤوليتك أن تنصر الحق وتواجه الباطل، أما إذا كانت هناك فتنة بين المؤمنين فيجب أن يكون للإنسان على أقل التقادير موقف سلبي، فلا يجد اصحاب الفتنة ظهر يركبونه ولا ضرع ليحلبونه.
والفتنة تكون في ثلاثة مواقع:
الاول: في الصراع بين باطلَين.
الثاني: ظروف صعبة توجب على الانسان التنازل عن مبادئه وقيمه.
الثالث: حينما يكون صراع بين رجلين كلاهما على حق، ولكن الصراع شخصي.
وفي هذه المواقف الثلاثة يحتاج المؤمن ان يكون كابن اللبون، وهو ابن الناقة، فليس له القدرة على الحمل الثقيل، وليس له ضرعا فيُحلب منه، فجيب التظاهر بالضعف، فلا يدفع الانسان المؤمن شيئا من امواله للباطل، ولا يتحول ـ في ذات الوقت ـ ظهره الى مركوب يركب عليه الباطل.
⚡ الفتنة تختلف عن الصراع بين الحق والباطل، فإذا كان هناك صراع بين الحق والباطل فإن مسؤوليتك أن تنصر الحق وتواجه الباطل، أما إذا كانت هناك فتنة بين المؤمنين فيجب أن يكون للإنسان على أقل التقادير موقف سلبي
حينما نسمع أن واحدا من الصحابة في صراع أمير المؤمنين، عليه السلام، ومعاوية، يصلي مع الإمام علي، ويأكل مع معاوية، وحين احتدام المعارك يذهب الى التل، ويقول: الطعام مع معاوية ادسم، والصلاة مع علي أتم، والوقوف على التل أسلم، حينما نسمع ذلك نعرف أنه لم يفهم معنى الفتنة.
الصراع بين أمير المؤمنين، عليه السلام، ومعاوية لم يكن فتنة لكي يقوم ذلك الصحابي ما قام به، بل كان صراعا بين الحق والباطل، وكان الموقف المطلوب أن ينصر الانسان الحق ويقاوم الباطل.
أو نجد ـ مثلا ـ في بيعة أمير المؤمنين، امتنع احد معاصيره، وهو عبد الله بن عمر، من مبايعة الإمام علي، فقيل له: لماذا لا تبايع علياً؟
قال سمعت رسول الله يقول: “ستكون بعدي فتنة النائم فيها خير من القاعد والقاعد فيها خير من القائم”. وانا اراها فتنة.
فامتنع من بيعة امير المؤمنين، عليه السلام، ومر الايام الى زمن الحجاج، وذلك حينما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير وعلق رأسه في باب المسجد، اسرع ذلك الرجل الى الحجاج، ودخل عليه وكان يأكل.
فقال عبد الله بن عمر: مد يدك أبايعك.
قال الحجاج: ما الذي اتى بك في هذا الوقت من الليل؟
قال بن عمر: سمعت رسول الله يقول: من مات ولم يكن في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية. فخفت ان اموت هذه الليلة فاموت على الجاهلية.
قال: يا هذا اين كنت من هذه الرواية في بيعة علي؟ فمد الحجاج رجله وقال: بايع رجلي فأن مشغول بالطعام. فالذي رفض ان يبايع امير المؤمنين، عليه السلام، بيمينه، بايع رجل الحجاج!
فالصراع بين الولايات المتحدة وروسيا صراع بين باطلَين وهي الفتنة، أو أننا نرى دول البترول العربية تتحول الى ضرع تحلبها الولايات المتحدة الامريكية، فقد ساعدت هذه الدول احدى الحكومات العملية للغرب والتي اوشكت على السقوط، لكن اموال البترول حالت دون ذلك، فهي إذن ضرع يُحلب.
📌 الموقف تجاه الفتنة
الموقف الايجابي المطلوب في صراع الباطلين ان نقضي على الباطلين معا، ولكن إذا لم يكن الانسان قادرا على الموقف الايجابي، فإن الحد الادنى هو الموقف السلبي وهو ان لا يكون المؤمن وقودا في نار غيره، فلا يساعد بلسانه او يده او اي شيء آخر.
عند بداية اي صراع يجب على الانسان ان لا يغلق الباب على نفسه، ولذا نرى البعض حين قامت بعض الحكومات باعتقال المؤمنين، قام البعض بسد الابواب على انفسهم، مع ان هذا لم يكن صراع بين شخصين، فليس كل صراع فتنة، ولهذا يجب التفكير جيدا والسعي الى معرفة طبيعة الصراع.
كان الاسرئيليون في سنة 1967يجمعون الاموال في الغرب تحت عنوان: ادفع دولارا تقتل مسلما، فهل يوجد مسلم على وجه الارض لا يستطيع دفع دولار لنصرة المسلمين في اي مكان في العالم. وهل يوجد مسلم لا يستطيع دفع قيمة سيجارة واحدة للإسلام وللقضية الاسلامية؟
مليار مسلم حول العالم؛ فلو أن كل واحد تحمل مسوؤلته تجاه المسلمين المضطهدين في لبنان وافغانستان، وتجاه كل مؤمن معتقل، فكم ستكون تلك الاموال المجموعة؟
لكن حينما يقول الفرد: لا استطيع ان اعمل شيئا، فإن هذه الكلمة غير صحيح، بل بإمكان الفرد ان يعمل وان يقدم شيئا؛ نعم لا يستطيع واحد بمفرده ان يتغلب على دولة باطلة، لكن بمقدروه ان يقدم دينارا واحدا، يقول أمير المؤمنين، عليه السلام: “لا تستحِ من اعطاء القليل فإن الحرمان اقل منه”.
⚡ الحد الادنى عندما نرى الصراع بين باطلَين، هو الموقف السلبي وهو ان لا يكون المؤمن وقودا في نار غيره، فلا يساعد بلسانه او يده او اي شيء آخر
والانسان المؤمن يجب ان لا يعتبر نفسه معفيا من المسؤولية في كل فتنة تقع، فأمير المؤمنين، عليه السلام، لا يقول هذه الكلمة.
في صراع بني أمية وبنو العباس كانت عبارة عن فتنة بين باطلين، كان الائمة موجودون خلال ذلك الصراع، لكنهم كانوا يتحملون مسوؤلتهم، فالامام الصادق، عليه السلام، لم يتخلَ عن المسؤولية في خضم هذا الصراع، فالإمام كان يدرّس وفي المدينة تتلمذ على يديه اربعة آلاف طالب.
ولذا على المؤمن ان يكون في الفتنة كابن اللبون، فإذا كان يطلب منه موقفا ضد أحد المؤمنين، فإن عليه ان لا يضحي بالآخرين لينقذ نفسه، صحيح أن التقية مطلوبة لكن لها حدود، “فلا تقية في الدماء”، وفي مثل هذه المواقف على الانسان ان يُظهر الضعف، حتى لا يقع في محذور.
- مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي.