ثقافة رسالية

هل نحفظ شيئا من نهج البلاغة؟ (1)*

نهج البلاغة ليس كتابا عاديا وإنما هو منهج عظيم من عظماء التاريخ، وطريق حياة للشعوب، ومنهج حياة وجهاد، وإن كان اسمه نهج البلاغة إلا انه في الحقيقة منهج تطبيقي متقدم لهذا الدين الحنيف، لأن كلامه جاء من واحد كان مثلا لتطبيق الاسلام، وهو أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، عليه السلام، والذي نعتقد أنه نموذج تطبيقي للقرآن الكريم، وتلميذ صادق للنبي الاكرم، صلى الله عليه وآله، وقد قال كلمات وخطب نهج البلاغة في حوادث مختلفة، وفي مجالات متفاوتة، فقد كان عليه السلام، يتخذ الموقف ثم يقول الكلمة الصادقة فيه، ومن هنا تأتي اهمية نهج البلاغة وعظمة هذا الكتاب.

وكتاب نهج البلاغة رُتّب بناء على بلاغة الإمام علي، عليه السلام، ففي البداية جاءت الخطب البليغة التي فيها بلاغة اكثر، ولذلك سنبدأ شرح هذا الكتاب من نهايته، ونهج البلاغة كتاب يُقرأ من آخره، ذلك أن نهايته فيها العِبَر والحِكَم التي ذكر فيها أمير المؤمنين، عليه السلام، خلاصة تجربته في الحياة، ومن استوعب هذه الحِكم فإن باستطاعة ان يفهم باب الوصايا والكتب والخطب.

وقبل الشروع في بيان الحكم القصار من نهج البلاغة لابد من ملاحظتين:

الأولى: أن أهم ما في ثقافة الشعوب هي الامثال التي توجّه تصرفات الناس اليومية، ربما لا يحفظ الانسان الخطبة الطويلة، ولكنه يحفظ الحكمة القصيرة، ومن هنا نجد ان الحكم والامثال المنشرة في أي شعب هي التي توجه حياة الناس اليومية.

⭐ كتاب نهج البلاغة رُتّب بناء على بلاغة الإمام علي، عليه السلام، ففي البداية جاءت الخطب البليغة التي فيها بلاغة اكثر

والحِكم والأمثال التي توجد في كل شعب هي القنوات الحقيقة التي تسير حياة الناس فيها، وهي على نوعين؛ فهناك أمثال وحكم شيطانية، وهناك أمثال وحكم رحمانية، فهنالك أمثال ما أنزل الله بها من سلطان ولكنها منتشرة بين الناس وتوجه حياتهم،  ـ مثلا ـ هناك مثل يقول: ما يصل الى بيتك محرم على المسجد”.

هذه الحكمة بلغات مختلفة موجودة في كل مكان فهو يريد أن يمنعك من العطاء، فما فيه المنفعة الخاصة مُقدم على المنفعة العامة، فهذا المثل موجود بين الشعوب بطريق مختلفة.

وفي مقابل ذلك هنالك حِكم رحمانية قالها النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار، صلوات الله عليهم، فهل هناك أفضل من ذلك؟

والحكمة القصيرة تُحفظ بسهولة خاصة وأن فيها موسياقر خاص، فهي تشبه الشعر، ويتذوقها الطبع الانساني.

الثانية: حِكم أمير المؤمنين، عليه السلام، تتميز بالاصالة والرؤية الصادقة، وهو عليه السلام، في حكمه وأمثاله، ذكر لنا النتيجة، أما الاسباب والادلة، والبراهين فهي متروكة للإنسان ليبحث عنها، وهكذا كانت آيات القرآن الكريم فهي تذكر النتائج.

ـ فمثلا ـ حينما يوحي الله الى النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}، النحل يذهب الى النتيجة رأسا فلم يحتج الى الادلة والبراهين.

⭐ وظيفتنا تجاه كلمات وحكم أمير المؤمنين، عليه السلام، أن نحفظها وننشرها، وأن تتحول في حياتنا الى حِكم وأمثال نعمل بها.

الحيوان حينما يصاب بمرضا ما لا يحتاج الى المختبر لعلاج مرضه، وانما يذهب الى تلك النبتة التي فيها دواؤه، أما الانسان فهو الذي يحتاج الى مختبرات والى بحث حتى يكتشف أن علاج هذا المرض فهو الشيء الفلاني، ولذا فإن الطب يعتمد على الحيوانات في اكتشافه دواء الامراض، حيث أن الاطباء يدخلون الميكروب الى جسم الحيوات الذي هو أقرب الى الانسان من حيث الخلايا، ثم يتركونه في مزرعة فيذهب الى النبتة التي فيها دواء ذلك الميكروب.

وكذلك هو الوحي عبر آيات القرآن فهو يعطي النتيجة، يقول ـ تعالى ـ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً}، فالتوازن في المجتمع  يختل، ثم تثور طبقة على أخرى والنظام الاجتماعي ينهار.

وفي مناسبة أخرى نرى أن القرآن الكريم يبين كيف أن فرعون وملأه فسدوا وطغوا في الأرض، وكانت خاتمتهم أن دمرهم الله، ولذا فإن كل جماعة تفعل ما فعله فعله الفراعنة فإن النتيجة هي التدمير.

أمير المؤمنين، عليه السلام، كان يمتلك الاصالة في الرؤية، والروعة في البيان وهو ذكر النتائج، وترك الاسباب والمسببات لنا لنبحث عنها في حياتنا اليومية، ومع أن كلامات أمير المؤمنين، عليه السلام، قصيرة، إلا أنها لفتات حضارية تبين لنا قيمة حضارية واقعية، وهذه القيمة تعطينا نتيجة، فإذا عملنا بها نحصل على تلك النتيجة، كما الطائرة إذا ركب الإنسان فيها فهي تطير.

أما واجبنا تجاه هذه الكلمات: أن نحفظها ونذكرها في المجالس، ولهذا نرى كل شعب وكل امة تعتز بكلمات قاداتها، وتذْكر الامثال المحفوظة عندها، وللأسف هنا من غيرنا من اهم بكلمات الامام علي، عليه السلام، ونشر أمثاله، حتى ان عدوه في عصره معاوية عرف كيف يستفيد من كلمات أمير المؤمنين.

حينما قُتل محمد بن أبي بكر، رضوان الله عليه، وجدوا عنده وصية مطولة من الإمام علي، عليه السلام، فقاموا بإيصالها الى معاوية فسأل من حوله: ماذا نفعل بهذه الوصية؟

فقال البعض: لنتخلص منها ونحرقها.

قفال لهم: أن افضل شيء ان ننشر هذه الوصايا وننسبها الى معاوية. ولذلك هناك خطب نُسبت لمعاوية وهي في الاساس للإمام علي، عليه السلام.

ولذا فإن وظيفتنا تجاه كلمات وحكم أمير المؤمنين، عليه السلام، أن نحفظها وننشرها، وأن تتحول في حياتنا الى حِكم وأمثال نعمل بها.


  • مقتبس من محاضرة لآية الله السيد هادي المدرسي.

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا