يمتلكون الكثير من النعم والمزايا التي يفتقر اليها الكثير من اقرانهم؛ تحصيل اكاديمي مرموق، منزل جيد، سيارة، عائلة مستقرة وابناء معافين، وجميع مستلزمات الحياة الكريمة التي تصون آدمية الانسان، رغم كل هذه النعم يجنحون الى متابعة نِعم الآخرين متناسيين ما لديهم، ذلك هو غياب القناعة التي يعد من اكثر الصفات الانسانية من شأنها ان تجعل النسان مطمئناً نفسياً ويمتلك من السعادة ما لا يمتلكه الملوك ولا حتى السلاطين.
⚡ في مجتمعاتنا البسيطة فكرياً يروج لفكرة شائعة مفادها ان الانسان يجب ان لا يكتفي بما لديه ليكسب الراحة والاطمئنان، وان القناعة تتنافى مع علو الهمة والطموح
ايها القارئ الكريم وانت تطالع سلوكيات بعض الناس من حولك وجشعهم المتزايد يوماً بعد آخر، لاسيما بعض اصحاب المهن الطبية من اطباء وصيادلة وغيرهم من العاملين في هذه الدائرة، التي للأسف تحولت الى دائرة لاستلاب الناس وامتصاص دماءهم، ألا تتبادر اليك بعض الاسئلة من قبيل: هل للتطور السريع على مستوى التكنولوجيا اثّر في جعل الانسان لا يرضى بالقليل؟
ولماذا بدأت القناعة بالانحسار من حياة الناس بعد ان كان الناس قانعين بما لديهم وهم بذلك فرحين؟
وهل سيزيد طمع الانسان من راحته ام انه يسلبها منه ويهدد أمنه النفسي؟ هذه الاسئلة سيجيب عليها هذا المقال بسطوره البسيطة هذه.
يبدو ان غياب القناعة غيمة امطرت عدم الرضا على الاغلب ولا يتعلق مدى انتشارها بالتحصيل العلمي ولا كمية الاملاك والعقارات ولا الامتيازات الاخرى فقد تجد وفي عالمنا المعاصر الكثير من الناس من محدودي الدخل وبحوزتهم من القناعة ما يجعلهم اصحاء نفسيين والعكس هو الصواب، ولعل الفيصل في ذلك كمية الوعي الذي يمتلكه الانسان اضافة الى كمية الايمان بالله ـ تعالى ـ وبما يقدر.
حياتنا الدنيا منذ مطلع الخليقة وهي مزينة بألوان من الزخرف، والعالم الاستهلاكي يزيد من هذه الزينة ويلمعها ويجعل التكالب على التكاثر والتفاخر أشد، وهو ما يحتم على عاتق الآباء والمربين عبئاً في تنشئة الصغار على القناعة لتكون فيما بعد ظاهرة سلوكية.
📌 هل تتعارض القناعة مع الطموح؟
في مجتمعاتنا البسيطة فكرياً يروج لفكرة شائعة مفادها ان الانسان يجب ان لا يكتفي بما لديه ليكسب الراحة والاطمئنان، وان القناعة تتنافى مع علو الهمة والطموح، وكأنها حالة خمود تطفئ شعلة النشاط والرغبة في التغيير، وهذا ليس منطقياً ابداً فالرضا والقناعة لا يعني التنازل عن الطموح والبقاء على نفس الحال مستسلماً لماهو قائم فأبواب الاستزادة الشرعية مشرعة للقادرين شريطة ان تسلك طرق غير ملتوية من اجل ارضاء النفس وغرورها والوحشي.
⚡ بعض الناس يستخدمون المقارنة للتحفيز الذي يدفع الى التغير غير منتبهين لخطورة المقارنة التي تجعل منهم وحوش يسلكون كل الطرق من اجل اظهار التفوق، وبالتالي تنزرع الغيرة والحقد في النفوس
القناعة حالة بعيدة تماماً عن الهروب من مواجهة الواقع والعمل بالطموح، والغنى هو الحالة التي تجعل الانسان مشتبع بما لديه وهذا الشعور الداخلي يشجع الإنسان على العمل ويلهمه سبل التوفيق، وهذا الذي يبتغيه الانسان ويعمل من اجله بشتى الطرق وبكل الطاقات والامكانات التي تتاح للانسان.
“ويؤكد علماء النفس وخبراء التحفيز الذاتي على أن القناعة الداخلية والرضا عن الحال وتقدير النِعم والشعور بالامتنان لَبِنات أساسية لتحقيق المزيد من التقدم في الحياة، بخلاف السخط والرفض الذي يملأ القلب قلقاً واهتياجاً فيتخبط بحثاً عن التغيير بأي وسيلة، وأياً كان الثمن، ويظل يلهث ويطمع دون أن يشبع وكأنه يطارد السراب”.
📌 كيف نغرس القناعة في نفوسنا؟
لغرس هذه القيمة الانسانية لابد من العمل بأتباع الأدوات التربوية المختلفة التي سنذكر اهمها في غرس القناعة جنباً إلى جنب مع تقوية الطموح، وهذه الادوات هي:
اولاً: القدوة في التربية؛ موضوعة القدوة تعتبر من الاكثر فاعلية، وفق قاعدة (فعل رجل في ألف رجل، خير من قول ألف رجل لرجل)، إذ ان الطفل يتشرّب سلوكياته ونظرته للحياة والكثير من تفصيلات حياته بما فيها القناعة من آباءه كما تتشرب الارض العطشة بالماء، ومن هذا الباب فإن تعزيز قيمة القناعة داخل نفس المربي خطوة أولية لتمتع الأبناء بها فيما بعد.
ثانياً: الحماية من طرق الإغراق الاستهلاكي؛ افراد المجتمع الاستهلاكي دائماً ما يقعون ضحايا الجذب المستمر لشراء الجديد والاستكثار من البضائع المختلفة وتنويعها والتفاخر بذلك، ولعل اغلب الضحايا هم الاطفال لكونهم تغريهم الالوان، لذا لابد من إبعاد الاطفال عن مراكز الجذب وتوعيتهم بضرورة اقتناء ما يحتاجونه لا ما يرونه لان في ذلك اسراف يمنعه الشرع والاخلاق والعقل والمنطق.
ثالثاً: الابتعاد عن المقارنات؛ بعض الناس يستخدمون المقارنة للتحفيز الذي يدفع الى التغير غير منتبهين لخطورة المقارنة التي تجعل منهم وحوش يسلكون كل الطرق من اجل اظهار التفوق، وبالتالي تنزرع الغيرة والحقد في النفوس والافضل هو الابتعاد عن المقارنات والاكتفاء بالعيش بالمستوى الذي يقسم الله لكل منا كبشر، وبذا يبتعد الانسان عن رفع سقف حياته والاكتفاء بالممكن للعيش بسلام داخلي وراحة نفسية.