{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}
لأن الحق محور الخلق، ولأن الله ـ عزوجل ـ قد خلق الكون بالحق، {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقد أجرى الحق في كل أجزاء الحياة، فلا يمكن لأي مجتمع أو أمة ان تعيش السعادة والحياة الكريمة ويكون المجتمع فاضلاً إلا بالحق.
وقد احتملت كلمة الحق معانٍ جمة تتصل جميعاً بحقيقة واحدة تتمثل فيما يبدو في تلك الحكمة البالغة التي خلق الله السموات والأرض بها، أو بتعبير آخر: تلك السنن التي قدرها الرب سبحانه لهما، والتي هيمنت على كل شيء من أصغر موجود تعرفنا عليه حتى الآن وهو الذرة، إلى أكبر منظومة نعرفها وهي المجرات السابحة في الفضاء. (فقه الاستنباط؛ ج ١ ص٥٣؛ سماحة المرجع المدرسي دام ظله).
⭐ من يشذ عن الحق ويخالفه ولا يعمل به فإن كل شيء في الكون سيقف ضده ويخالفه، وبالتالي فإنه لايستطيع ان ينعم بالسعادة ولا الحياة الكريمة
فمن يشذ عن الحق ويخالفه ولا يعمل به فإن كل شيء في الكون سيقف ضده ويخالفه، وبالتالي فإنه لايستطيع ان ينعم بالسعادة ولا الحياة الكريمة، ذلك أن هنالك سنن ثابتة قد جعلها الله في هذا الكون وهي تمثل الحق فمن يسير وفقها ويتبع تلك السنن فإنه يستطيع أن يوجد المجتمع الفاضل والأمة الخيرة وبالتالي الحياة الكريمة.
فعلى على الأفراد والمجتمعات ان تجتهد لأن تجعل الحق هو القيمة الأسمى في حياتهم وان يكون سلوكهم موافقاً له ومتطابق معه، ذلك الحق الذي يتمثل في:
أولاً: الإيمان بالله تعالى لأنه الحق المطلق: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}، {فَذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ}.
ثانياً: الإيمان بالرسول والاستنان بسنته واتباع منهجه واطاعة أوامره، لأنه رسولاً بالحق {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۚ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}.
ثالثاً: الإيمان بالقرآن الكريم والعمل به: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}.
رابعاً: أتباع نهج علياً عليه السلام، والتولي له والاقتداء به وبأهل بيته عليهم السلام، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “علي مع الحق والحق مع علي، يدور حيثما دار”.
⭐ إذا أردنا ان نتبع الحق علينا أن نعرفه ونعرف مصاديقه، حتى نستطيع معرفة من الذي يمثل الحق ويعمل به لنكون معه ونتبعه، حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: : “اعرف الحق تعرف أهله”
خامساً: الإيمان بالآخرة والعمل لأجلها {ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا}.
سادساً: التمسك بالدين وتطبيق أحكامه وشرائعه، حيث إنه دين الحق {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا}.
هذا الدين الذي وضعه الله تعالى لتنظيم حياة البشرية وقد شرع أحكامه وقوانينه كلها بالحق وبما يضمن السعادة للبشرية والحياة الكريمة، فمن أراد أن يتبع الحق الذي هو محور الخلق لابد من التمسك بهذا الدين والالتزام باحكامه وتطبيق أوامره، لأنها كلها قد شرعت بالحق، وهاهي بعض الأمثلة على ذلك؛
لا يجوز قتل النفس المحترمة بغير حق {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وذلك من أجل أن يحفظ للناس حق الأمن فهو من الحقوق التي اوجبها الدين الإسلامي للناس.
وقد حرم السرقة لأنها تعدي على حقوق الغير، وحرم الغيبة ليحفظ للإنسان حقه بالكرامة، وغيرها العشرات من الحقوق التي شرعها الدين وجعل هناك حقوقاً بين الإنسان وبين وربه وبينه وبين نفسه وبينه وبين فئات المجتمع الأخرى.
ومن الحقوق التي شرعها دين الله للإنسان هي:
حق الأمن والسلام، والعدل والمساواة والحرية، واحترام النفس والرزق الكريم، وغيرها من الحقوق، وقد أوجب على من يتصدى للحكم أن يحفظ تلك الحقوق للناس، فلا يبخسهم إياها ولا يتعدى عليها ولا يسلبها منهم ولا يستكبر بالأرض بغير حق {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
فإذا أردنا ان نتبع الحق علينا أن نعرفه ونعرف مصاديقه، حتى نستطيع معرفة من الذي يمثل الحق ويعمل به لنكون معه ونتبعه، حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: : “اعرف الحق تعرف أهله” وقال: “لا يعرف الحق بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق”. فمن يطبق ذلك ويجعل حياته كلها وفق الحق ويتبعه ويلتزم به ويجعله المحور والقيمة الأسمى، فإنه يكون من الفائزين بالدنيا والآخرة، {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)، (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ۚ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.