ثقافة رسالية

مقومات المجتمع الفاضل في القرآن الكريم – الفرد الصالح نواة المجتمع (١)

قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *  شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *  وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

الكل يبحث عن الحياة الكريمة التي تنبع من الأمة الخيرة والمجتمع الفاضل، والكل يريد تحقيق ذلك، إلا أن ليس الجميع يصل إلى مبتغاه والسبب في ذلك هو إنهم لا يملكون خارطة إصلاح حقيقية للمجتمع، ولا الكل يمتلك المنهج الصحيح لبناء الأمة الخيّرة، لأنهم ابتعدوا عن القرآن فتاهوا في متاهات الأفكار والأنظمة والمناهج العاجزة عن بناء الأمة الخيرة وإيجاد المجتمع الفاضل.

حيث أن القرآن الكريم هو الكتاب المنزل من عند الله ـ تعالى ـ لتنظيم حياة البشرية، فهو يعد دستوراً للحياة وفيه المنهج المتكامل والخارطة الواضحة لتحقيق كل ما فيه خير ونفع للناس، ففيه تبيان كل شيء، وما علينا فعله حتى نستفيد منه ونأخذ ما نحتاجه ونستنير بنوره ونهتدي ببصائره إلا أن نعود إليه ونقرأه قراءةً واعية، نطرح عليه تساؤلاتنا ونبحث بين آياته عن إجابات لها، فإننا حتماً سنحصل منه على ما نريد.

⭐ القرآن الكريم هو الكتاب المنزل من عند الله ـ تعالى ـ لتنظيم حياة البشرية، فهو يعد دستوراً للحياة وفيه المنهج المتكامل والخارطة الواضحة لتحقيق كل ما فيه خير ونفع للناس

وها نحن هنا نطرح سؤالاً على كتاب ربنا المجيد لنحصل منه على إجابة والسؤال هو:

ما هي مقومات الأمة الخيرة والمجتمع الفاضل؟ وكيف يمكن لنا بناء أمة خيرة؟

إذا تمعنا في آيات الذكر الحكيم نجد فيها جواباً لهذا السؤال إذ ان هناك عدة آيات تحدثنا عن كيفية بناء الأمة وتبين لنا خارطة الطريق التي توصلنا إلى المجتمع الفاضل ومن تلك الآيات هي هذه الآية: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.

ففي هذه الآية المباركة يحدثنا الله تعالى عن إبراهيم الخليل ولكنه يصفه لنا بأنه كان أمة بالرغم إنه كان فرداً لوحده!

فيا ترى ما هي البصيرة من هذه الآية؟

إن البصيرة التي توضحها لنا الآية الكريمة هي: أن الفرد الصالح حتى لو كان لوحده لكنه بصلاحه يمثل ويعادل أمة كاملة، وان الفرد الصالح هو النواة لبناء الأمة الخيرة وهو بذرة المجتمع الصالح.

⭐ إن البصيرة التي توضحها لنا الآية الكريمة هي: أن الفرد الصالح حتى لو كان لوحده لكنه بصلاحه يمثل ويعادل أمة كاملة

فإن الخطوة الأولى التي لابد أن نسلكها في طريق بناء المجتمع هو تربية فرد صالح يحمل صفاتاً خاصة يتميز بها عن عامة الناس.

فما هي تلك الصفات التي لابد أن يحملها الفرد الصالح الذي هو نواة المجتمع؟

الجواب نجده في سياق الآيات التي تحدثنا عن إبراهيم وتصفه بأنه أمة ومن تلك الصفات:

١- {قَانِتًا لِلَّهِ}، أي تعني العبودية والتوجه الحقيقي لله  ـ تبارك وتعالى ـ.

٢ ـ {حَنِيفًا}، والحنيف هو كما جاء في معاجم اللغة بأنه المائل عن الباطل إلى دين الحق، متشبثاً بالدين ومتمسكاً به، مخلصاً في إسلامه وثابت عليه، وهو أيضاً المائل من الشر إلى الخير.

٣- {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} التوحيد الخالص لله وعدم الشرك به بكل أقسام الشرك ودرجاته، فمن الشرك ما يكون بنية الشخص فهو يعمل عملاً لله ولكنه يشرك بنيته كأن يريد به رياءً او سمعة او وجاهة، وكذلك من الشرك هو الإعتماد على الأسباب المادية أكثر من المسبب وهو الله، ومن الشرك أيضاً بأن يطيع هوى نفسه ويقدمه على ما يريد الله، وغيرها من أقسام الشرك ودرجاته فلابد للفرد الذي يريد أن يكون صالحاً، أن يتخلص من كل أنواع الشرك.

٤ ـ {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} الشكر لنعم الله ـ عزوجل ـ، ذلك الشكر الحقيقي الذي يكون نابعاً من معرفة النعم ومعرفة حق المنعم، ولابد للشكر ان يكون بقسميه؛ اللفظي والعملي.

٥-  {وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، التمسك بالصراط المستقيم وعدم الانحراف عنه والصراط المستقيم كما جاء في تفاسير أهل البيت عليهم السلام، له بأن المصداق الأبرز له هو ولاية علي عليه السلام وطريق محمد وآل محمد.

٦-  {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

حالة التوازن التي يعيشها المؤمن بين العمل للدنيا والآخرة.

فهذه هي أهم الصفات التي لابد توفرها في الفرد حتى يصبح صالحاً وحينئذ يكون نواة المجتمع الصالح، فإذا استطعنا إيجاد مثل هكذا فرد فإننا نكون قد خطونا الخطوة الأولى ووفرنا المقوم الأول من مقومات الأمة الخيرة والمجتمع الفاضل.

عن المؤلف

الشيخ حسين الأميري

اترك تعليقا