في كل مناسبة على المستوى العائلي التي تجمعني للقاء الاقرباء، ينتابني شعور سيئ بكراهية هذا اللقاء رغم التأكيدات الدينية بوجوب صلة الارحام، كونها تعد من الاخلاقيات الإسلامية المهمة التي تحفظ النسيج الاسري والمجتمعي من التمزق، والسبب هو لأني سأكون محورا دسما لحلقة نقاشهم، ربما بسبب ظروفي الخاصة التي أمر بها وعملي وحياتي بشكل عام، فبمجرد أن ألقي التحية حتى تنهال على مسمعي اسئلتهم الواحدة تلو الأخرى، فأجد نفسي كفراشة التصقت في شِباك العنكبوت! نعم شِباك امقتها جداً، وهي الفضول، ولا يسعني أن أخرج منها إلا باشباع جوع ذلك العنكبوت الذميم البشع، ليشعروا بعدها وكأنهم حققوا نصراً كبيراً لمعرفتهم بتفاصيلي الخاصة التي لا اعرف كيف أحافظ عليها امامهم بسبب الاحراج.
هذه معاناة الكثيرين الذين يشكون من تدخلات الآخرين في حياتهم، وحشر انوفهم الكبيرة في أدق الخصوصيات، لا لشيء مفيد بل مجرد فضول قاتل يدفع بصاحبه الى إحراج المقابل دون ان يشعر بمدى ما تسببه هذه الصفة من ازعاج لمن يقع ضحيتها.
نعم يا سادة أقدم لكم الفضول السلبي على طبق من الفضول الإيجابي لمعرفة ماهو؟ وما هي أسبابه؟ وما هي أدوات معالجته؟
🔶 ما هو الفضول السلبي؟
الفضول السلبي هو سلوك ينتهجه بعض الاشخاص لدرجة المراقبة واستقصاء المعلومات بأي طريقة، رغبة منهم لمعرفة أكبر قدر ممكن من الأخبار، أي التركيز في اشياء لا تعنيهم، و يعد نوع من أنواع الامراض النفسية الذي تم تشخيصه في الاختبارات النفسية، حيث يكون صغيرا لكن اهماله يؤدي الى تفاقمه وعدم القدرة في السيطرة عليه ، فيدفع بصحابه الى مراقبة الاخرين ومحاولة كشف اسرارهم او معرفة كل شاردة و واردة في حياتهم.
وأحيانا قد يصل التدخل في تفاصيل الشخص الآخر الى درجة تثير الاستياء والخوف من الشخص الفضولي، وهذا الفضول غالبا ما يتصف به الكبار، لانه في الصغار يكون محموداً كونه يسهم في زيادة معلوماتهم المعرفية عما يدور حولهم لانضاج فكرهم وشخصيتهم.
🔶 ما هي أسبابه؟
هناك أسباب كثيرة أدت إلى انتشار ظاهرة الفضول لدى الافراد، لعل ابرزها الفراغ، وعقدة النقص، والحسد، و زرع البغضاء والكراهية والمشاعر السلبية بين الناس، وفي أحيان كثيرة يكون هذا السلوك مدمراً لصاحبه، وللأسف الشديد قد يفتقر المتطفل إلى حاجات نفسية محددة، إلى جانب عدم شعوره الكافي بالرضا عن النفس، وربما تكون نشأته في بيئة اجتماعية دون المستوى في المادة والقيم، وضعف الواعز الديني، ما يجعله يتمادى في فضوله الممقوت تجاه الآخرين.
🔶 ما هي أدوات معالجته؟
قدر المستطاع يجب تجنّب المتطفّل، وإذا وقعنا في شِراكه يمكن من البداية عدم إعارته أي اهتمام، ووضع حد له بشكل قاطع كي لا يتمادى في الحديث.
استخدام القسوة في الرد لكبح الشخص الفضولي هي الطريقة الأسهل والأسرع، لكنها ليست طريقة شائعة ومثالية في إدارة العلاقات الاجتماعية مع الناس، كما أنَّها غير متاحة في كل الأحوال، فإذا كان الفضولي هو مديرنا في العمل لن نستطيع أن ننهاه بقسوة وهكذا.
وقبل أن نصل إلى هذه المرحلة الصعبة لابد أن نجرب بعض الأمور باستخدام الطريقة اللطيفة، فإذا كانت الظروف تسمح يمكن الاعتذار بلطف عن اجابة الأسئلة، فنقول: “عفوا؛ لكني لا أحب التحدث بهذه الأمور الخاصة”.
كما يمكن أن نقدم إجابات مبهمة إذا لم نتمكن من الاعتذار، فإذا كان السؤال “كم يبلغ الراتب الشهري”؟ نستطيع أن نتجنب الأرقام ونجيب بأجوبة غير واضحة مثل: “الحمد لله يكفي للمعيشة”، أو ربما نغيرها كأن نقول “يكفي للذهاب الى طبيب الاسنان!
ويمكن أيضاً اتباع الأجوبة الدبلوماسية، وأحياناً يجب أن نغير الموضوع أو أن نبدي انشغالا فجأة عند التعرض لأسئلة لا نرغب بالإجابة عنها.
اذن؛ الفضول السلبي هو مفتاح باب الندامة كونه يعرض صاحبه لاحراجات كثيرة منها انه يتم تجاهل سؤاله او اسماعه كلمات توبيخية بعدم التدخل لانها خصوصية.
فيا من تتصف بهذه الصفة المذمومة عليك ان تقف على هاجسك في الفضول، وتسأل نفسك مرارا وتكرارا لماذا اتدخل في ما لا يعنيني؟ هل سأحصل على منفعة بفضولي ام لا؟ فاذا كان الجواب نعم، فهو خير على خير لانه يكون بدافع الارتقاء بالنفس وتطوير القدرات والمهارات، كاكتساب المزيد من المعرفة في أي مجال من المجالات للمنفعة الخاصة او العامة، وهذا بحد ذاته أمر يحمد عقباه.
اما اذا كان العكس فيجب التوقف فورا عن هذا السلوك المزعج جدا الذي يسبب الاحراج لك وللاخرين، لانه يجعلك ثقيل الظل مع من تقابلهم، ناهيك عن ما سينعكس عليك بسببه في الدنيا والاخرة.
و أودّ أن اختم مقالي هذا بذكر روايات عن المعصومين، عليهم السلام، تذم هذا النوع من الكلام، علّها تكون رادعا قويا لترك الفضول المؤذي.
قال رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: “أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه”1.
وعن الإمام علي، عليه السلام: “إياك والهذر فمن كَثُرَ كلامُه كثرت آثامه”2.
وعنه أيضا، عليه السلام “الهَذر يأتي على المُهجة”3
فالكلام مؤثّر، وأثره يبلغ القلب. قلب المتكلّم قبل قلب السامع. وقد أوضح أمير المؤمنين ذلك بقوله عليه السلام: “من كَثُرَ كلامه كثر خطأه، ومن كثر خطأه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبُه، ومن مات قلبُه دَخَلَ النار”4.
1- ميزان الحكمة، الريشهري، ج3 (الكلمة).
2- نفسه.
3- نفسه.
4- نفسه.