{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً * وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً}.
من الاسباب الرئيسية لانحراف ثقافة البشر في عقائدهم ومجمل سلوكهم هو ضعف الايمان بالله ـ سبحانه وتعالى ـ ومحاولة الهروب عن المسوؤلية، فالإنسان يعمل المستحيل لئلا يتحمل مسؤولية أعماله بل يلقي المسؤولية على الآخرين.
والمجتمع الاسلامي هو مجتمع المسؤولية، فلا أحد فوق الشرع والقانون، ولا أحد يستطيع أن يتهرب من المسؤولية بأي طريقة كانت، والشيطان يحاول ان يحرف الانسان ويظله عن الحقيقة الواضحة، التي تقول: أن الانسان مسؤول عن عمله.
فيحاول ـ الشيطان ـ ان يمنّي الإنسان بأماني معينة؛ فتارة يقول له: افعل ما شئت فإن عيسى بن مريم هو الذي يشفع لك، اعمل ما شئت فإن عملك ليس له آثار لانك من السلالة الطيبة.
- كن مَن تكون فأنت مسؤول عن أعمالك
خرج زيد بن موسى أخو أبي الحسن، الإمام الرضا، عليه السلام، بالمدينة واحرق وقتل وكان يسمى زيد النار فبعث إليه المأمون فأسر وحمل إلى المأمون.
فقال المأمون اذهبوا به إلى أبي الحسن فلما ادخل إليه، قال أبو الحسن: “يا زيد أغرك قول سفلة أهل الكوفة ان فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ذاك للحسن والحسين خاصة ان كنت ترى انك تعصي الله وتدخل الجنة وموسى بن جعفر أطاع الله ودخل الجنة فإذا أنت أكرم على الله عز وجل من موسى بن جعفر والله ما ينال أحد ما عند الله الا بطاعته وزعمت انك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت.
المجتمع الاسلامي هو مجتمع المسؤولية، فلا أحد فوق الشرع والقانون، ولا أحد يستطيع أن يتهرب من المسؤولية بأي طريقة كانت
فقال له زيد: أخوك وابن أبيك فقال له أبو الحسن أنت أخي ما أطعت الله عز وجل ان نوحا، عليه السلام، { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}.، فقال الله ـ عز وجل ـ { يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}، فأخرجه الله ـ عز وجل ـ من أن يكون من أهله بمعصيته.
كثير من الناس يقترفون الجرائم ولكنهم يمنون أنفسهم، أو يمنيهم الشيطان بالخلاص من المسؤولية، وعادة فإن أي مجرم بعد أن يقوم بجريمته يفكر في كيفية الخلاص من المسؤولية.
بعض اليهود والنصارى قالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} وأن الله لن يعذبهم، وإذا عذبهم فسكيون لايام معدوادت لكنه ـ تعالى ـ يرد قولهم: {قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً}، فبأي دليل لا يعذبهم الله؟! فإذا كان الانسان يأخذ جزاءه في الدنيا فكيف بالآخرة؟
بنو اسرائيل عبر التاريخ كانوا يقولون: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}، فما يرتكبونه بحق العرب والفلسطينيين فإن الله لا يؤاخذهم على ذلك ـ وحسب قولهم ـ: نحن شعب الله المختار! فإذا كانوا في الدنيا لا يُعذبّون ـ حسب ادعاءهم ـ فلماذا هبَّ الاسرائليون جميعا الى اخذ لقاح كورونا حتى الأطفال منهم سيلقحون الجرعة الثالثة، فإذا كان هذا الأثر موجود في الدنيا، فإنه أيضا يلحق ذلك الى الآخرة.
- بصائر الآيات
يجب أن نتخلص من الأمنيات الباطلة والاحلام الوردية التي يبثها الشيطان في قلب الإنسان، ونعتمد القانون الالهي الصارم الذي يقول: أن من يعمل جريمة يؤاخذ بها، يقول الله ـ تعالى ـ: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}، فالمسلمين بمجرد انتمائهم الى الدين والاسلام لا يخلصهم من المسؤولية، وكذلك اليهود والنصارى.
{وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً}، صحيح أن الشفاعة موجودة، لكنها بإذن الله، أما من دونه الله فإنه لا يستطيع تحدّي ارادة الرب ـ سبحانه وتعالى ـ قال بعض أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وآله: لما نزلت هذه الآية بكينا وحزنا وقلنا: يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شئ فقال: “أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا إنه لا تصيب أحدا منكم مصيبة إلا كفر الله بها خطيئته، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه”. وقال صلى الله عليه وآله: ويل لمن غلبت آحاده عشراته”. فالسيئة الواحدة والعشرة الحسنات.
وعادة حينما يبين الله ـ تعالى ـ جزاء الفاسدين يبين أيضا جزاء الصالحين، فيتم المزج بين الوعد والوعيد، يقول ـ تعالى ـ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى}، فلا فرق لأن المسؤولية عامة في السيئات والحسنات، فمن يعمل الحسنات سواء كان ذكراً أم أثنى فإن طريقه الى الجنة، لكن بشرط الايمان، {وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، فهذه الكلمة وضعت حدّاً فاصلاً بين أهل الكتاب والمسلمين.
يجب أن نتخلص من الأمنيات الباطلة والاحلام الوردية التي يبثها الشيطان في قلب الإنسان، ونعتمد القانون الالهي الصارم الذي يقول: أن من يعمل جريمة يؤاخذ بها
{فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً}، يوجد في نواة التمر حفرة صغيرة جداً، فالله ـ تعالى ـ بذلك المقدار لا يظلم الناس، فيعطي كلاً جزاءه.
ثم يبين ربنا بصيرة عامة لو تسلحنا بها لتجاوزنا الكثير من العقبات، يقول ـ تعالى ـ: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}، فعلى الانسان ان يسلم وجهه لله، وذلك عبر الخضوع المطلق له ـ تعالى ـ.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ}، فبعد أن يسلم لله وجهه لله؛ في عقيدته وقناعاته، وما يأمر به الله، ثم يأتي بعدها الاحسان، ويتمثل الاحسان بالعمل، ومساعدة الآخرين وما اشبه من وجوه الاحسان.
{وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}، تتلخص ملة ابراهيم في الحنفية، وتعني الاستقامة برغم الضغوط، اي الميل من الباطل الى الحق، ولان الباطل هو السائد فإن الإنسان من اجل العودة الى الله يجب عليه ان يتحدى الباطل، فيميل عنه، ويثور بوجه الانحراف.
ونبي الله ابراهيم، عليه السلام، ثار على الانحراف الحاصل في زمانه، فأخذ المعول وكسر الاصنام، {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا}، {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}، فإبراهيم تحداهم وتحمل مسؤولية العمل، وارادوا حرقه لكن الله انقذه من النار، وبعدها خرج مهاجرا الى الله واستقر بكنعان وأسس هناك بيتا طاهرا حينفيا، بعيدا عن تلوث الاصنام، ثم ذهب الى مكة وهناك ـ أيضا ـ قام بتشييد بيت العبادة وبناها من جديد، فحياته كلها كانت جهاداً في سبيل الله، وتحديا للإصنام والإنحرافات القائمة، ولذلك اختاره الله خليلاً.
والخليل يعني الصديق؛ فكيف يصادق الله بشراً؟
الجواب: أن الله ـ تعالى ـ أمر بالاحكام الشرعية ومن يعمل بها يكون قريبا من الله وصديقه بهذا المعنى.
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً}، فلا يتصور الانسان ان هناك مساحة في خلق الله تكون لغيره ـ تعالى ـ فلا يوجد حاكم، فلا الانبياء، ولا الاولياء، ولا الاصنام وما اشبه، ولا يوجد شيء إلا له ـ سبحانه وتعالى ـ فلا يستطيع الإنسان ان يتهرب من مسؤولية أعماله امام الله، يقول ـ تعالى ـ: {أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى * فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى}، قال رجل للإمام، عليه السلام: “أنا أعصي الله ولا أصبر عن المعصية، فعظني بموعظة أنتفع فيها يا ابن رسول الله، فقال له: افعل خمسة أشياء وأذنب ما شئت.
قال له الرجل هاتها يا أبا عبد الله؟
قال عليه السلام: الأولى: لا تأكل من رزق الله وأذنب ما شئت، فقال الرجل: ومن أين آكل إذن وكل ما في الكون لله ومن عطائه
الثانية: أخرج من أرض الله وأذنب ما شئت، فقال الرجل: وهذه أعظم من الأولى، فأين أسكن وكل ما في الكون لله وحده؟
الثالثة: أطلب موضعاً لا يراك اللهُ فيه وأذنب ما شئت، فقال الرجل: وهل تخفى على الله خافية؟
الرابعة: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك وأذنب ما شئت.
الخامسة: إذا أراد مالك أن يدخلك النار فلا تدخلها وأذنب ما شئت، فقال له الرجل: حسبي يا ابن رسول الله، لن يراني الله بعد اليوم حيث يكره.
إن الفرد والمجتمع حينما يحمل ثقافة المسؤولية سيتغير الواقع الى الافضل، لأن اي فرد سيتحمل نتائج اعماله، فإذا كانت جيدة فالنتائج ستكون جيدة وبالتالي الاستمرار في هذا العملن وإذا كانت النتائج سلبية فإن ثقافة تحمل المسؤولية تدعوه الى التغيير الى الافضل والأحسن.
- مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (دام ظله).