مناسبات

قصة شيعة اليمن وبصمات أمير المؤمنين في شهر رجب

 قول رسول الله، صلى الله عليه وآله: “أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة، الفقه يمان والحكمة يمانية”، في حق اليمنيين حينما أتوه مسلمين ومؤمنين برسالته، كان ذلك القول نبوءة عن التكوين النفسي لأهل اليمن ومدى تقبلهم للدين.

ولذلك فشل خالد بن الوليد وغيره بإقناع اليمنيين بالدين الجديد الذي ظهر في مكة، فأراد رسول الله، صلى الله عليه وآله، أن تكون هداية اليمنيين وإدخالهم الى الإسلام لن يكون إلا على يد وصيه أمير المؤمنين، عليه السلام.

همْدان إحدى القبائل اليمنية الكبيرة والعريقة والتي لا زالت الى اليوم تدين بالولاء للنبي، وأهل البيت، صلوات الله عليهم، هذه القبيلة دخلت عن بكرة أبيها حينما دعاها الإمام علي، عليه السلام، الى الإسلام.

يذكر الطبري: “إن انتشار الاسلام بين الهمدانيين يعود الى دعوة الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، إياهم الى الاسلام”.

ويضيف:  “بعث خالد بن الوليد إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام ، فأقام هناك ستة أشهر فلم يجيبوه إلى شئ . فبعث النبي، صلى الله عليه وآله، علي بن أبي طالب، عليه السلام، وأمره أن يرجع خالد بن الوليد ومن معه.

الملاحظة التي تجدر الإشارة اليها ان المناطق غير الزيدية ( الشيعية)، هي اكثر تقبلا للغازي والمحتل، فالبرتغال احتل جنوب اليمن، ولم يلقَ مقاومة إلا بعد أن استفحل الظلم والفساد

قال البراء: فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلى بنا علي الفجر، فلما فرغ صفنا صفا واحدا ثم تقدم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله، صلى الله عليه وآله، فأسلمت همدان كلها في يوم واحد، وكتب بذلك إلى رسول الله، صلى الله عليه وآله، فلما قرأ كتابه خر ساجدا ثم جلس فقال : “السلام على همدان  السلام على همدان”. ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام، فكان تمسكهم بعرى الإسلام على يد علي، عليه السلام، وصار هذا أكبر العوامل لصيرورتهم علويين مذهبا ونزعة.

ثم دخلت بقية القبائل اليمنية الى الاسلام تباعا، كقبيلة كندة، ومذحج، والنخغ، وغيرهم، والذين اصبحوا فيما بعد من زعماء الجيوش وقادتها في زمن خلافة أمير المؤمنين، عليه السلام.

  • اليمنيون وإمتداد الارتباط بالنهج العلوي

لم يقتصر حب اليمنيين وارتباطهم بالإمام علي، عليه السلام، حين دعاهم الى الاسلام، بل امتد ولائهم وحب له حين اصبح خليفة فعليا للأمة الاسلامة، إذ تجلت الولاية حينما التحقوا بالإمام علي، عليه السلام، الى الكوفة، فقد استوطت القبائل اليمنية كالأزد، وكندة ومذحج وغيرها، وكانت لكل قبيلة حيّهم الخاص بهم، حتى أن أبواب مسجد الكوفة كانت تمسى بكل حي يحاذيها، ولا زالت الى اليوم تسمية بعض الابواب عما كنت عليه، كباب الاشتر، وباب الازد.

وقد شارك اليمنيون مع الإمام علي، عليه السلام، في حروبه بدءاً من الجمل الى صفين والنهروان، فبعد أن ارسل أمير المؤمنين هاشم ( المرقال) بن عتبة بن أبي وقاص بكتاب الى أبي موسى الاشعري لاستنهاض الكوفة الى حرب الجمل لمحاربة الناكثين، رفض أبو موسى وقطع الكتاب، بعدها ارسل أمير المؤمنين، عليه السلام، مالك بن حارث النخعي لاخماد الفتنة التي اشعلها ابو موسى في الكوفة، ويُعد مالك النخعي (الأشتر) من سادات يمنيي الكوفة، وكان له نفوذ كبير في مدينة الكوفة.

لم يقتصر حب اليمنيين وارتباطهم بالإمام علي، عليه السلام، حين دعاهم الى الاسلام، بل امتد ولائهم وحب له حين اصبح خليفة فعليا للأمة الاسلامة

وكانت القبائل اليمنية التي التحقت بأمير المؤمنين، عليه السلام، في ذي قار لمحاربة الناكثين كالآتي:

1- قبيلة همدان، وحمير، وسبع فرق بقيادة سعيد بن قيس الهمداني.

2- قبيلة مذحج، والأشعر، وسبع فرق برئاسة زياد بن نضر الحارثي.

3- قبيلة كندة، وحضرموت، وقُضاعة، والمهرة، وسبع فرق بقيادة حُجر بن عدي الكندي.

4- قبيلة أزد، وبجيلة، والخثعم، بقيادة مِخنف بن سُليم الأزدي.

وكذلك كان للقبائل اليمنية الدور الأبرز في حربي صفين والنهروان، وكان أغلب قادة جيش الإمام علي عليه السلام منها.

  • الاحتلال العثماني لليمن ومقاومة الشيعة

كان للشيعة الزيدية الدور الأكبر والأبرز في مقاومة العثمانيين، الذين كانوا قد سيطروا على اليمن مرتين، لكنهم باءوا بالفشل، ففي المرة الأولى والتي كاانت عام 1538م دخل العثمانيون الى عدن بعد قتل اميرها عامر بن داود الطاهري، وهو آخر سلاطين الدولة الطاهريّة في اليمن.

وقد بسطت الدولة العثمانية سلطتها على عدن وسائر تهامة واتُخذ من زبيد مقرًا إداريًا للسلطة العثمانية،  وحاول العثمانيون ضم باقي اليمن وخلال الفترة ما بين 1538 و1547 أرسل العثمانيون ثمانين ألف جندي إلى اليمن، بقي منهم سبعة آلاف. وكانت سلطة الدولة العثمانية الحقيقية محصورة في زبيد والمخا ـ غرب اليمن ـ وعدن ـ جنوب اليمن ـ طيلة فترة وجودهم ويقول أحمد حلبي، و كان في اكبر منصب للشؤون المالية في الدولة العثمانية، خلال تلك الفترة:

“ما رأينا مسبكا مثل اليمن لعسكرنا، كلما جهزنا إليها عسكرًا ذاب ذوبان الملح ولا يعود منه إلا الفرد النادر”.

الجامع الكبير في صنعاء

 كان الائمة الزيدية ( الشيعة) يشكلون حجراً كبيراً أمام النفوذ العثماني في المناطق الشمالية والوسطى التي كانت تحت سيطرتهم، فقد شن ثورة الإمام الزيدي المنصور بالله القاسم غاراته الكثيرة، والتي بدأت عام  1597، وقد انهكت الجيش العثماني، وكانت خسائر كبيرة في العدة والعدد، وبعد توفي الإمام المنصور بالله القاسم في فبراير 1620 خلفه إبنه المؤيد بالله محمد، في مارس 1632، واستمرت المعارك بين الطرفين، وخلالها انضمت قبائل يمنية، كمهدان وخولان والأهنوم الى الإمام المؤيد، وصلت معارك المؤيد بالله مع العثمانيين الى مكة المكرمة بعد أن حرر اليمن من الاحتلال العثماني، وكانت هذه هي الفترة الأولى للأحتلال العثماني وهي المدة الزمنية الممتدة من عام 1538م الى  1632م.

وفي الفترة الثانية عاد العثمانيون لاحتلال اليمن، فقد حاولوا ضم صنعاء للمرة الأولى عام 1849 ولكنهم تعرضوا لخسائر فادحة وخسروا 1500 جندي خلال المحاولة الفاشلة، واستمرت الحروب بينهم وبين الائمة الزيدية الى عام 1917مـ، عندما قاد الإمام الزيدي يحيى بن حميد الدين الثورة على العثمانيين.

الملاحظة التي تجدر الإشارة اليها ان المناطق غير الزيدية ( الشيعية)، هي اكثر تقبلا للغازي والمحتل، فالبرتغال احتل جنوب اليمن، ولم يلقَ مقاومة إلا بعد أن استفحل الظلم والفساد، وجاء من بعده العثمانيون والبريطانيون، واليوم الإمارات والسعودية، فأصبح تقبل المحتل أمراً عاديا في تلك المناطق، وإن حدث اعتراض من الناس فهو لأن المحتل لم يفي بوعوده.

بعكس المنطلقات التي كانت عند الشيعة الزيدية، والقبائل الموالية لأهل البيت، عليهم السلام، فالولاية هي الثورة المستمرة على الظلم والفساد والاحتلال، سواء كان الظرف ظرف احتلال او ظرف عادي.

والى اليوم لازال اليمنيون يدينون للإمام علي، عليه السلام، بأن غرس فيهم الثقافة الإسلامية الأصيلة، التي تعني رفض الإحتلال والوصاية، فمشكلة السعودية اليوم مع اليمن ليست سياسية بقدر ما هي دينيّة بحتة.

ومع الإمكانات الهائلة التي بذلتها السعودية منذ ما يقارب الثمان سنوات لاخضاع اليمنيين، كل ذلك باء بالفشل الذريع، فمشعل ثورة الإمام الحسين، عليه السلام، لازال يلهب حماس اليمنيون الشرفاء الذي يدافعون عن أرضهم ووطنهم.

ومع أول جمعة من شهر رجب الأصب، يخرج اليمنيون في المدن والحارات، في الجوامع والشوارع، ليحتفلوا بهذه المناسبة العظيمة، التي من خلالها يؤكدون تمسكهم بخط الولاية لأمير المؤمنين، عليه السلام، ولهذا الخط الامتدادي العظيم.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا